بعد أكثر من عشر سنوات على إتهامه بإرتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية في دارفور ، يبدو أن الرئيس المعزول عمر البشير، لم يكن في مقدوره استكمال تحدي قرار المحكمة الجنائية ، فقد توافقت مكونات كثيرة داخل الحكومة الإنتقالية على مثول الرئيس المعزول عمر البشير وعدد من قيادات الإنقاذ أمام المحكمة الجنائية الدولية ، بتهم التورط في جرائم حرب وإبادة جماعية في دارفور ، ولكن ظل مثول الرئيس المعزول ورفاقه أمام الجنائية الدولية مرهوناً بثلاثة (سيناريوهات) لمحاكمتهم، أولها نقل المحكمة للخرطوم، والثاني تشكيل محكمة (هجين) ، والثالث إرسال المتهمين إلى (لاهاي) ولم توضح الحكومة إلى الآن أي (السيناريوهات) سوف تتخذها المحكمة الجنائية لمحاكمتهم ،
ويبدو أن مواقف السلطات من قضايا أساسية أصبح قابلاً للتغير، حسب ما تقتضيه ضرورة الأحداث في البلاد وموقف الحكومة الإنتقالية منها، وسابقاً برز إعتراض كبير للمكون العسكري داخل الحكومة في قضية تسليم البشير للجنائية ، وأبدى رئيس المجلس السيادي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان حينها إعتراضه على تسليم البشير للجنائية الدولية، وقال ندعم محاكمته داخلياً بواسطة القضاء الوطني (المؤهل)، في وقت أفصح فيه عضو المجلس السيادي محمد حسن التعايشي في ندوة أمس الأول ، عن عزم الحكومة تسليم المطلوبين من قيادات نظام الإنقاذ للمحكمة الجنائية الدولية ، وربط تسليمهم بإرسال وفد من المحكمة الجنائية الدولية إلى الخرطوم للتوقيع مع الحكومة على بروتوكول ضمان لمحاكمة المطلوبين ، وأثارت تصريحات التعايشي بموافقة الحكومة الإنتقالية على تسليم الرئيس المعزول عمر البشير إلى محكمة الجنايات الدولية، ردود فعل لم تخل من تشكيك وإندهاش، بحكم أن الشق العسكري من الحكومة ظل يرفض هذه الفكرة بشكل قاطع. وبالمقابل كشف مصدر لموقع ”الإخباري” عن رفض المُكوِّن العسكري بالمجلس السيادي لأية تحركات لتسليم الرئيس المعزول عمر البشير، ووزير دفاعه الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين، وأحمد هارون للمحكمة الجنائية الدولية ، وترحيلهم إلى لاهاي. وقال المصدر إن رؤية المكون العسكري تتمثل في إمكانية مثولهم أمام فريق مكون من الجنائية والقضاء السوداني بالخرطوم، دون التفكير في تسليمهم وترحيلهم للجنائية، ولفت المصدر إلى أن قيادات بارزة بالمكون العسكري رفضت من حيث المبدأ تسليم البشير للجنائية .
وسابقاً أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي توقيف دوليتين للرئيس المعزول عمر البشير عامي 2009م و2010م بتهمة (الإبادة وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب) أرتكبت في إقليم دارفور بين عامي 2003م و2008م ، ليكون أول رئيس في التاريخ تصدر بحقه مذكرة توقيف من المحكمة الجنائية وهو على سدة الحكم .
ويؤكد رئيس القطاع القانوني بالمؤتمر السوداني كمال الأمين أن تسليم الرئيس المعزول للمحكمة الجنائية، يعني الكثير لأهل دارفور الذين عاشوا أهوال الحرب التي نفذها ضدهم نظام البشير ، وجزم في حديثه لــ(الإنتباهة) بأن هذه الخطوة سوف تهديء أهل الضحايا بعد الجرائم الكبيرة التي أرتكبت في حقهم ، وأضاف قائلاً: (التسليم ربما يحدث ضجة وسط الإسلاميين ولكنها سوف تستمر يومين أو ثلاثة وتنتهي) .
ونبه كمال إلى أن الجرائم التي إرتكبها نظام البشير في دارفور ثابتة وموثقة وإلى الآن لم تصدر أية محاكمات ضدهم ، وأضاف قائلاً: (طالما القضاء الوطني لم يستطع تشكيل محكمة لمحاكمتهم في الجرائم التي أرتكبوها في دارفور ، يجب أن يسلموا للقضاء الدولي لمحاكمتهم) ، وأشار إلى أن القضاء الدولي قضاء تكميلي لا ينعقد إلا في حال فشل القضاء المحلي في محاكمة المتهمين ، وأشار إلى أنه حسب الإتفاق بين الحكومة والمحكمة الجنائية، يمكن أن تنشأ محاكم (هجين) لمحاكمة المتهمين بالداخل ، وقطع كمال بأنه في حالة محاكمة القضاء السوداني للمتهمين بالداخل في تلك الجرائم، يقفل باب تسليمهم للمحكمة الجنائية ، وقال يمكن أن يتحاكموا داخلياً بهذه الجرائم وفقاً للقانون الجنائي السوداني .
ومن جانبه، رأى المحلل السياسي مجاهد موسى في حديثه لـ(الإنتباهة) أن المحكمة الجنائية الدولية قد تحركت مؤخراً في إتجاه تسليم البشير والمطلوبين للمحكمة ، بعد أن شعرت أن الحكومة غير جادة في تسليمهم لها رغم الوعود التي ظلت المحكمة تتلقاها مراراً وتكراراً من الحكومة بالتعاون معها في تسليمهم ، وقال أن الحكومة الإنتقالية إتجهت مراراً وتكراراً إلى التأكيد في عدد من المنابر الإعلامية بمثول البشير ورفاقة أمام المحكمة الجنائية الدولية ، ولم يستبعد مجاهد أن تكون هناك دول خارجية أمتنعت عن دعم الحكومة مادياً بسبب عدم جديتها في تسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية .
وأشار مجاهد إلى أن قادة حركات الكفاح المسلح الذين أصبحوا مشاركين الآن في الحكم، متمسكون بتسليم البشير وعبد الرحيم محمد حسين وأحمد هارون للمحكمة الجنائية بسبب المرارات السابقة التي ذاقها أهلهم في دارفور من نظام الإنقاذ ، وأكد أن تسليم البشير في هذا التوقيت لن يكون له أي تأثير كبير على الإسلاميين ، لجهة أن الإسلاميين هذه الأيام يتوارون عن الأنظار خشية أن تطالهم حملة الإعتقالات الشرسة التي تشنها السلطات عليهم هذه الأيام .
وعن رفض المكون العسكري سابقاً لتسليم البشير للمحكمة الجنائية، قال مجاهد أن المكون العسكري في الحكومة يسعى إلى إقامة علاقات خارجية جيدة كي يستمر في الحكم ، وأكد أن هذه العلاقات لن تأتي إلا بالاستجابة لمطلوبات المجتمع الدولي التي من بينها تسليم البشير وكل المتهمين للمحكمة الجنائية الدولية ، وأضاف قائلاً: (لذلك يجد العسكر أنفسهم مضطرين لتسليم البشير للجنائية حتى يتمكنوا من الاستمرار في الحكم).
وفي السياق، يرى مراقبون أن حديث الحكومة الآن عن تسليم الرئيس المعزول عمر البشير وكل المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية بتهم إرتكاب جرائم حرب في دارفور، لا يمثل تحولاً في مواقفها ، وسبق أن تمت الموافقة على تسليم البشير للجنائية بين الحكومة وأطراف دولية.
المصدر : الانتباهة