طالبت الجبهة الثورية برئاسته المجلس التشريعي.. السيناريوهات المقبلة

على ضفاف النيل الأبيض يربض المجلس الوطني، لسنوات عدة بمبناه الضخم وقبته الشهيرة، يلفت الانتباه، سيما في بداية كل دورة ابان النظام البائد، لاحتوائه لفيفاً من القيادات العليا في البلاد من سياسيين وتنفيذيين وعسكريين وأمنيين، على رأسهم المعزول البشير. وتغلق الطرقات ولا صوت يومها يعلو على صوت (السارينهات)، ولكن تداول الايام والسنون وتغير مجريات الأحداث، أحال المشهد إلى النقيض، ليتحول الضجيج إلى سكون يلف المجلس العتيق، تسكنه الوحدة وتعشش في أعلاه (الوطاويط). ويطبق على قوانين وتشريعات مهمة، لطالما سنت بداخله، غير آبهٍ بالضجيج الذي يدور حوله من قبل الحكام الجدد حول مقاعده في عدد النسب والكتل، وهو جدال أقل ما يمكن أن يوصف به جدال العامين، في ظل تشاكسات الشركاء. والآن وعقب الفراغ من تشكيل الحكومة الذي انتهى عقب مخاض عسير، تتوجه الأنظار نحو المجلس التشريعي وتعيين الولاة، بحسب المصفوفة الموضوعة من قبل مجلس الشركاء، لكن ومع تمسك الجبهة الثورية بمنحها رئاسة المجلس، يدخل المجلس في حيز آخر من الصراع، الذي يفضي للمزيد من التأخير ربما. وفيما ينتقد مراقبون مطلب الجبهة الثورية ويعدونه احد مطالبها التي لا سقوف لها، يتشكل السؤال حول مصير رئاسة المجلس؟ هل ستواقف الحرية والتغيير لاعتبارات انها الكتلة الأكبر؟ ام ستضع المنشار في العقدة؟ وما هي خيارات المرشحين، وما حقيقة اختيار رئيس للبرلمان من جهة محايدة؟

نتيجة غير محسومة
ويبدو أن ثمة خلافات تلوح في الأفق بشأن تشكيل المجلس التشريعي، عقب تمسك الجبهة الثورية برئاسته. مصادر أكدت لـ (الإنتباهة) تمسك الحرية والتغيير بالرئاسة لأنها اكبر الكتل ولن تسمح للثورية بالرئاسة، لكن بالمقابل قالت مصادر أخرى لـ (الإنتباهة) إن الأمر يخضع للمناقشة حوله، وليس محسوماً سواء من الحرية والتغيير أو من قبل الثورية .

وبحسب المصادر فإنه لم تتم مناقشة الأمر بصورة رسمية، لكنها ترى أن الحرية والتغيير هي الانسب للرئاسة لأنها الكتلة الأكبر والحاضنة السياسية.

وذكرت أن جدلاً واسعاً دار بشأن منح الثورية وزارات محددة بعد طلبها سبع وزارات، حيث رأت مجموعة من التغيير أن يتم منحهم وزارات محددة. ولكن بالتوافق حصلت الثورية على مبتغاها، وذات الأمر من المتوقع حدوثه بشأن المجلس التشريعي.
ونبهت المصادر إلى وجود اتجاه داخل المجلس المركزي للحرية والتغيير الى اختيار رئيس للمجلس خارج الترشيحات، لكن لم تتم مناقشته بصورة رسمية بعد.

استحقاق نضالي
وينتقد مراقبون مطلب الجبهة الثورية بمنحها رئاسة التشريعي، وعدوه رفعاً لسقف مطالبها في أعقاب عملية السلام، وحرص الحكومة الانتقالية على رأب الصدع بين جميع المكونات للمضي بالفترة إلى بر الأمان. وفيما تواجه الثورية هذه الانتقادات ترى بالمقابل غير ذلك، وتضعه ــ اي مطلبها ــ في خانة الاستحقاق النضالي لثلاثة عقود من محاربة نظام المعزول عمر البشير.

وبالمقابل يرى خبراء أن قرب الثورية من المكون العسكري أمر يجعلها أكثر تمادياً في رفع سقف مطالبها، وتستخدمه ككرت قوة، استدلالاً بإصرار الثورية على منحها وزارات اقتصادية مهمة مثل المالية والمعادن والثروة الحيوانية والضمان الاجتماعي وغيرها، في إطار المكايدة السياسية للحرية والتغيير بالاستحواذ على الثقل الوزاري من خلال وزارات اقتصادية مهمة.

وفي غضون ذلك يرى الكثيرون ضرورة تحكيم العقل بين الشركاء دون جر البلاد للمزيد من الصراعات التي لن تفضي الا للخناق، وايضاً لأن التأخر في تشكيل المجلس التشريعي أفضى إلى خلل في الفترة الماضية وارباك للمشهد السياسي في العديد من القوانين التي تمت إجازتها بواسطة مجلسي السيادة والوزراء، بالإضافة إلى اتفاق السلام الذي تم تضمينه في الوثيقة عبر المجلسين

مجلس مختلف
وتعتبر المطالبة بتشكيل مجلس تشريعي في حكومة ثورة ديسمبر الانتقالية أمراً جديداً لم تشهده الحكومات الانتقالية في أعقاب ثورتي أكتوبر أو أبريل، اللتين لم تتمضنا قيام مجلس تشريعي. ولكن ثورة ديسمبر جاءت بنسق مختلف، وهو المطالبة بمجلس تشريعي نصت عليه الوثيقة الدستورية، وشرعت في ضرورة انشائه عقب (٩٠) يوماً من التوقيع على الوثيقة الدستورية كسلطة تشريعية مستقلة، ويتكون من (٣٠٠) عضو ويراعى فيه تمثيل القوى السياسية الموقعة على اعلان الحرية والتغيير، بخلاف حزب المؤتمر الوطني المحلول وجميع القوى السياسية المشاركة له.

وبحسب الوثيقة فقد تم منح قوى الحرية والتغيير ٦٧٪ من مقاعد البرلمان، بينما تتوزع النسبة المتبقية على القوى السياسية المؤيدة للثورة كمكونات داعمة. وايضاً حددت الوثيقة نسبة ٤٠٪ لتمثيل النساء في المجلس. ووفقاً لرئيس مجلس الوزراء د. عبد الله حمدوك فإن المجلس التشريعي في هذه المحلة الانتقالية تحديداً، الهدف منه الاضطلاع بمهامه التشريعية والرقابية المُوجهة لمسار الفترة الانتقالية

آمال معلقة
ومن جانبه يؤكد القيادي بالحرية والتغيير د. عادل عبد الغني أن هناك أسساً بشأن المجلس التشريعي بين الشركاء تم التوافق عليها.
ويرى عبد الغني في حديثه لـ (الإنتباهة) ان الرفض المطلق من قبل الحرية والتغيير لمطلب الثورية غير صحيح، وأيضاً رفض تمسك الثورية وإصرارها على المطلب غير صحيح، منوهاً بضرورة مراعاة ما يفيد المصلحة الوطنية.

وقال: (الجبهة الثورية من حقها ان تطرح ما تراه مناسباً، والحرية والتغيير كذلك، لكن في النهاية الاختيار للمجلس التشريعي يجب أن يراعي التوازن في التمثيل بما يخدم الكفاءة)، واكمل قائلاً: (انا من رأيي أن الحرية والتغيير هي الأنسب لرئاسة المجلس، ومن ثم اختيار شخصية يتم التوافق عليها لرئاسته، لان المجلس التشريعي هو مؤسسة وطنية تم تكوينها لاعتبارات الفترة الانتقالية والكثير من الآمال معلقة عليها.

وفي ذات السياق يقول المحلل السياسي نصر الدين بابكر علي إن مطالبة الجبهة الثورية برئاسة البرلمان تأتي في إطار المزايدات السياسية والمكاسب.

ويرى نصر الدين في حديثه لـ (الإنتباهة) أن الحرية والتغيير هي الأحق برئاسة المجلس، لكن ربما ان المعادلات السياسية تجعلها تتنازل، وقال: (لا أتوقع أن يكون هناك خلاف عميق بين الشركاء بشأن الرئاسة، لأن المنطق يحدد كيفية الاستجابة للمطالب).

منطق الإنصاف
وبالمقابل عزت الجبهة الثورية مطلبها برئاسة البرلمان لضرورة الإنصاف بين الشركاء.

وبحسب كبير مفاوضي تجمع قوى تحرير السودان، عضو المجلس القيادي بالجبهة الثورية، ابراهيم موسى زريبة لـ (الإنتباهة) فإن منطق الإنصاف يتوجب منح الثورية رئاسة البرلمان.

وذكر زريبة أن مجلس السيادة برئاسة المكون العسكري ومجلس الوزراء برئاسة المكون المدني، ولذلك يجب منح الثورية رئاسة البرلمان من باب العدل، سيما أن الحكم شراكة.

وقال: (نحن نعترف بانه في كل التجارب الديمقراطية الحقيقية، رئاسة البرلمان تكون من نصيب الكتلة الأكبر، ولكن هذا برلمان معين وليس منتخباً، ومن الممكن جداً أن يتوافق الشركاء على أن تؤول رئاسة المجلس للجبهة الثورية احد أطراف السلام، خاصة أنها تحمل على عاتقها مثلما يحمل الشركاء الآخرون، من أعباء السلام والعباد إفرازات الحرب، وبالتالي رئاسة البرلمان مهمة لوضع أسس صحيحة لبناء الدولة السودانية ووضع الدساتير التي تزيل الآثار التاريخية للظالم وتؤدي إلى استقرار الوطن للأبد).

المصدر: الانتباهة أون لاين

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.