من المتوقع إطلاق سراحه اليوم  (موسى هلال)..تقاطعات القبيلة وصراع النفوذ

ربما ظن  زعيم المحاميد موسى هلال أن متاعبه ستنتهي وأن المكون العسكري الذي كان يحكم البلاد قبل تكوين الحكومة المدنية الذي انفتح على بعض الكيانات القبلية سيما بعد فض الاعتصام الشبابي الثوري بالقيادة العامة للجيش، سيناله منه شيء من الرضاء النسبي رغم ملابسات اعتقاله التي كان الدعم السريع احد أضلاعها المهمة، والذي أصبح بعد الثورة ضمن مكوناتها الفاعلة في سدة حكم، غير أن ذلك لم يتحقق، فقد ظل هلال في الحبس كما قُدم لمحاكمة عسكرية قبل فترة  ولم تعلن نتائجها .

بداية الصراع
لا شك أن سطوع النجم القبلي موسى هلال له علاقة مباشرة بإيقاع الأحداث الملتهبة في دارفور وطقسها الدامي، ومع حاجة نظام الإنقاذ للاتكاء على الأذرع الأهلية كدرع يتوارى خلفه من مرآة المجتمع الدولي الذي كان يطبق أياديه عليه ويرخي سمعه على زخات رصاصه هناك، ويرمي بعيونه مصوراً بعضاً من تلك المشاهد الدامية التي لم يتوّرع في ارتكابها في حرب لم يكن خصومه المسلحون فيها أيضاً يتمتعون بأيد نظيفة من تداعياتها البشعة، سيما أن ضحاياها كانوا عزلاً دفعوا فاتورة القتل والجراح والتشرد .

والمعروف أن موسى هلال كان يمثل إحدى الآليات المهمة للحكومة في صراعها مع الحركات المسلحة، قبل أن يبرز الدعم السريع كقوة فرضت نفسها على الساحة بقيادة محمد حمدان دقلو (حمدتي) النائب الحالي لرئيس مجلس السيادة، وبات الأكثر قرباً ورضاءً من الرئيس البشير بفعل الدور العسكري الذي كانت تقوم به قواته .

وحاولت الحكومة امتصاص الطموحات السياسية الكبيرة لزعيم المحاميد موسى هلال واحتوائها، لكن بثمن أقل كعادة الإنقاذ مع حلفائها السياسيين، حيث أنها تبذل لهم المال والصولجان البراق الذي يلمع من الخارج لكنه يظل مجرد نحاس لا يصلح سوى إطلاق الأصوات مكبلاً عن الفعل المؤثر، حيث عينته مستشار الحكم المحلي، غير أنه بعد فترة هجر المنصب وعاد إلى منطقته مغاضباً، عندما شعر بأن المنصب الجديد شكل من الموازنة السياسية أكثر من كونه يحوي وصفاً وظيفياً فاعلاً، ثم توالت المواقف المتقاطعة مع حكومة المؤتمر الوطني، وربما كان أكثرها تعبيراً عن بعد الشُقة بين الطرفين حين صدر بيان نُسب لمجلس الصحوة التابع لهلال أيد وثيقة نداء السودان الموقعة من قوى الإجماع الوطني والجبهة الثورية وحزب الأمة، قالوا فيه إنهم يؤيدونها سلمياً أو عبر آليات أخرى كثيرة ومجربة، وسيقوم المجلس في هذا الإطار بدراسة الوثيقة وشرحها ونشرها وسط قواعده باعتبارها خطوة وميثاقاً تتعاهد عليه كل شعوب السودان نحو الحل الجذري للأزمة السودانية.

ويرى المراقبون أن المؤتمر الوطني أخطأ حين اعتبر أن الإطار الخارجي الذي رسمه لهلال في وظيفة مستشار بلا أعباء تقريباً من الممكن أن يمتص كل طموحاته السياسية الجامحة، والتي برزت مع خصمه الشرس والي ولاية شمال دارفور يوسف كبر مطالباً الحكومة بإقالته، وفي أعقاب تلك التقاطعات التقى آنذاك نائب رئيس الجمهورية حسبو عبد الرحمن موسى هلال في منطقته وأجرى معه بعض التفاهمات الا أن هلال فيما يبدو استعصم بموقفه، دون أن يعلن ذلك بالطبع على العلن، لكن يبدو أن زعيم المحاميد هلال الذي يجيد العمل العسكري وتكتيكاته، بات أيضاً يجيد البراغماتية السياسية، حيث صار يمارس لعبة شد الحبل وارتخائه مع الخرطوم، ففي أثناء تلك التقاطعات نسب إليه كثير من التصريحات حول علاقاته بالحكومة، لكنه سرعان ما كان ينفي ذلك.

اعتقال هلال
وبالرغم من صلة القرابة بين حميدتي وهلال لكن ثمة جفوة برزت ربما كانت بسبب عدم موافقة هلال على دمج قواته مع الدعم السريع باعتبار أن هذه الخطوة ستحد من نفوذه القبلي والسياسي والعسكري، ثم برز الخلاف الأكبر بين الحكومة البائدة وموسى هلال حين رفض تسليم سلاح مليشياته في إطار حملة الحكومة آنذاك لنزع السلاح في ولاية دارفور .

ولم يمض وقت طويل حتى نشبت معركة ضارية بين قوات هلال وقوات الدعم السريع انتهت بأسر موسى هلال وعدد من ابنائه ومعاونيه وترحيله للخرطوم بتهمة التآمر ضد النظام .

محاكمة عسكرية
وعقب تفجر ثورة ديسمبر الشعبية أعلنت السلطات أن موسى هلال سيخضع لمحاكمة عسكرية بتهم عديدة من بينها الحرابة، وقيل أن الرئيس السابق سيمثل في المحكمة كشاهد، الا أن سرية التحريات وحساسية القضية لم تتح معلومات كافية للرأي العام، غير أن بعض مجموعات من الحرية والتغيير اعترضت على اعتقاله الطويل في ظل الوضع الانفتاحي الحالي، وقال عضو اللجنة المركزية صديق يوسف في تصريح سابق لـ «القدس العربي»، إنهم في الحزب أثاروا هذه القضية وشاركوا في الوقفات الاحتجاجية التي نفذتها أسر المعتقلين من أعضاء مجلس الصحوة، فيما أشار صديق التوم القيادي في «الحرية والتغيير» إلى أن الكيان المذكور أي مجلس الصحوة وقّع على إعلان قوى الحرية والتغيير، مما يضع تساؤلات عديدة أمام عدم مطالبة قوى الحرية بإطلاق أعضائه وعلى رأسهم موسى هلال.

غير أن كل المؤشرات كانت تشير إلى أن محاكمة هلال لن تمضي إلى نهايتها بسبب العديد من التقطاعات التي تواجه القضية، كما أن إرهاصات قوية كانت تصب في اتجاه حدوث وساطات أهلية لحل الأزمة وطيها وهذا يبدو أنه ما تم الآن، بيد أنه ليس من المتوقع أن يتنفس موسى هلال وحده الصعداء بعد إطلاق سراحه اليوم، وإنما العديد من العناصر المرتبطة بهذه الأزمة  .

المصدر: الانتباهة أون لاين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.