السودان ومصر.. اتفاق عسكري يفتح الآفاق لمعادلة جديدة بالمنطقة

المعروف أن ثيرموتر العلاقات السودانية المصرية كثيراً ما يكون متقلباً بين السخونة والدفء والبرودة إلى حد التجمد أحياناً بحسب الطقس السياسي في البلدين.

وفي فترة الحكم العسكري الأول برئاسة الفريق ابراهيم عبود كانت العلاقة طيبة، حتى أن بيان الانقلاب أشار إلى أن الحكومة الجديدة ستنهي ما سمتها الجفوة المفتعلة مع مصر، وبعد فترة قصيرة من عمر النظام فجرت الحكومة مفاجأة مدوية عندما وافقت على اغراق مدينة حلفا باكملها قرباناً لانشاء السد العالي بمصر، وهو ما اثار غضب السكان المحليين والرأي العام بشكل عام، وقدمت مصر تعويضاً مادياً لتهجير السكان لمنطقتهم الجديدة خشم القربة التي اطلق عليها حلفا الجديدة، وتقول المصادر إن مصر لم تدفع كل المبلغ المتفق عليه رغم الثمن الباهظ الذي دفعه السودان .

أما في العهد المايوي برئاسة جعفر نميري المخلوع بثورة شعبية في عام 1985م، فقد كانت العلاقات اكثر دفئاً منذ الايام الأولى للانقلاب، سيما بعد خروج الشيوعيين من المشاركة في الحكم والتنكيل بهم بعد فشل الانقلاب الذي قام به اعضاء من المجلس العسكري للحكومة من الشيوعيين، واحلال الفراغ السياسي بعناصر يسارية تنتمي للتوجه القومي العربي الذي يتبناه الرئيس عبد الناصر كايديولوجية في الحكم تهدف إلى وحدة الشعوب العربية، عبر منظومة ثورية عروبية اشتراكية ضد الاستعمار والهيمنة على ارادة الشعوب العربية وتقف ضد الانظمة التي تنعتها بالرجعية .

ولم تتعرض العلاقات بين البلدين للتوتر سوى جفوة عابرة بعد توقيع مصر في عهد الرئيس السادات على اتفاقية التطبيع مع اسرائيل، حيث أن السودان اصدر بياناً عبر وزارة الخارجية، أشار فيه الى ان الاتفاقية اغفلت نقاطاً جوهرية في الصراع العربي الاسرائيلي، لكن سرعان ما انتهى الخلاف وزار الرئيس السادات السودان، بل وقع البلدان في وقت لاحق على اتفاقية الدفاع المشترك.

العلاقات في ظل حكومة أبريل
الا أن الحكومة الحزبية المدنية التي اتت عبر ثورة السادس من ابريل 1985م برئاسة الصادق المهدي، قامت بإلغاء الاتفاقية، ثم وقع المهدي بعد فترة مع مصر على تفاهمات عرفت بميثاق الاخاء بين البلدين، غير أن هذه الفترة لم تكن فيها العلاقات تتسم بالدفء.

توترات حادة
وشهدت العلاقة مع مصر في العهد البائد العديد من التوترات، سيما بعد ضلوع النظام في محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك التي اسفرت عن احتلال مصر مثلث حلايب، بعد الضغوط التي مورست على النظام من قبل حكومة مبارك، حيث أنه فضل كسب حلايب في مقابل عدم الذهاب إلى مجلس الأمن لشكوى الحكومة السودانية بتهمة القيام بعمل ارهابي.

العلاقات في عهد الثورة
وبالرغم من ان مصر كانت تناصب العداء نظام البشير المخلوع، لكنها لم تكن سعيدة تماماً بالطقس السياسي بعد التغيير مثل دول اخرى في المنطقة لا تحبذ النهج الراديكالي الشعبي وما يفرزه من متغيرات قد تتعارض مع مصالحها الاستراتيجية أو الظرف السياسي الداخلي لسياستها في الحكم، غير أن متغيرات اخرى احدثت بعض التحولات الايجابية في العلاقة، سيما بعد التطورات السياسية التي حدثت في السودان وانعكاسها على التركيبة الهيكلية في الحاضنة السياسية الحرية والتغيير، وما افرزته من معادلة جديدة في الحكم بين الشركاء المدنيين والعسكريين في ظل توافق لم يكن موجوداً في الفترات السابقة، كما أن تلاقي المصالح حول المهددات المتوقعة من اسقاطات سد النهضة الاثيوبي عملت على اضفاء نوع من التقارب الجيد بين البلدين الذي ترجم في التفاهمات العسكرية بين البلدين على صعيد اجراء التدريبات المشتركة والزيارات المتبادلة. وأخيراً أجرى رئيس أركان الجيش السوداني محمد عثمان الحسين مباحثات مع نظيره المصري حرب محمد فريد حول التعاون المشترك في المجال العسكري.

وقال الجيش السوداني في بيان له إن الحسين استقبل في مكتبه بالخرطوم فريد في مستهل زيارته للخرطوم التي يشهد خلالها ختام مباحثات جارية بين الجيشين وتستغرق ثلاثة أيام.
وأفاد بأن المباحثات ستشهد في ختامها التوقيع على اتفاقية للتعاون المشترك بين البلدين.

وفي (31) أكتوبر انطلقت مباحثات بين الجيشين السوداني والمصري في الخرطوم، وبحثت التعاون والتوصل إلى رؤى مشتركة حول مصالح الجارتين.

وفي (25) نوفمبر عام 2018م وقع وزيرا الدفاع السوداني والمصري في الخرطوم على اتفاق تعاون بين جيشي البلدين. ويشمل الاتفاق (تشكيل قوات مشتركة لمكافحة الإرهاب والجرائم العابرة وتسيير دوريات مشتركة على الحدود، فضلاً عن تعزيز التدريب العسكري المشترك والتعاون الأمني والاستخباري والتصنيع الحربي).

وتتزامن هذا اللقاءات والاتفاقيات العسكرية بين البلدين مع التوترات الحدودية بين السودان واثيبوبيا، وهو يعتبره المراقبون أنها ستفرد معادلة جديدة في المنطقة، وربما مجريات الاحداث وفق التطورات الدراماتيكية المقبلة.

المصدر: الانتباهة أون لاين

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.