السودان : رحلة البحث عن دواء والصيدليات توصد أبوابها

ينفذ أصحاب الصيدليات في العاصمة السودانية الخرطوم، منذ 8 مارس (آذار) الجاري، إضراباً مفتوحاً، احتجاجاً على زيادة أسعار الدواء وندرة الأدوية وتراجع الكميات التي تسلمها الشركات إلى الصيدليات. وفي الأثناء، انتعشت السوق السوداء للدواء مع انعدام الرقابة الحكومية على هذا القطاع.

وأعلنت اللجنة التسييرية لأصحاب الصيدليات في السودان في بيان، أن هدف الإضراب هو الضغط على الحكومة لاتخاذ قرارات لتوفير الدواء ودعمه، خصوصاً أن انعدام الدواء بلغ حد الكارثة الصحية.

ولفت البيان إلى أن اللجنة اتخذت قرار الإضراب بعد خلو أرفف الصيدليات من الدواء، نتيجة توقف الشركات المستوردة والمصانع المحلية عن تسليم الدواء، إضافة إلى تضارب أسعار الدواء من صيدلية إلى أخرى.

لكن المدير العام المكلف للصندوق القومي للإمدادات الطبية التابع لوزارة الصحة السودانية، الدكتور بدر الدين الجزولي، أكد في تصريح لـ”اندبندنت عربية”، أن “مسألة توفر الدواء في البلاد مرتبطة بسياسات الدولة التي لم تتضح معالمها بعد، لا سيما في ظل تحرير سعر الصرف الذي بدأ تنفيذه أخيراً”. ويوضح الجزولي أن “آلية استيراد الأدوية لم تُحدد بعد”، لافتاً إلى أن “حل هذه الأزمة متعلق بتوفير التمويل اللازم، فيما يُغطى حالياً نقص الدواء من المنح التي تقدمها بعض الدول والمنظمات الدولية”.

وبحسب رئيس غرفة مستوردي الأدوية في السودان يوسف شكاك، فإن حل أزمة الدواء يكمن في اعتماد تسعير الدواء وفقاً للسعر الجديد لصرف الدولار، الذي حدد بـ 375 جنيهاً سودانياً للدولار الواحد، لافتاً إلى أن أزمة الدواء مرتبطة بالفرق بين السعر الحقيقي للدولار والسعر الذي تحسب به السلطات المختصة في الدولة دولار الدواء، وهو غير متوافر.

وفيما يأمل شكاك أن يتم التوصل إلى “حل عادل لهذه الأزمة خلال أقرب وقت، بين الحكومة والشركات المستوردة للدواء”، يتوقع أن تشهد أسعار الدواء ارتفاعاً، كما حدث لأسعار السلع الأخرى التي تأثرت بارتفاع سعر الدولار.

إحجام عن البيع

ووفقاً للصيدلي كامل الفاضل، فإن “إضراب الصيدليات جاء بسبب عدم تمكنها من توفير الدواء. فالشركات المستوردة للدواء في البلاد توقفت عن إمداد الصيدليات بأبسط أنواع الأدوية، ما سبب معاناة للمواطن الذي يبحث عن دواء متنقلاً بين الصيدليات، ومن مدينة إلى أخرى، من دون أن يحصل عليه. وقد رصدنا في الآونة الأخيرة افتقاد أكثر من 150 نوعاً من الأدوية، بينها للأمراض المزمنة، كالسكر والضغط. فشركات الأدوية أحجمت عن بيع الأدوية، وأصبح وضع الصيدليات كارثياً، وسيستمر الإضراب حتى توفير الدواء والتزام الحكومة حل المشكلات التي تتعلق بهذه الأزمة، سواء مع الشركات المستوردة للدواء أو مع أصحاب مصانع الدواء المحلية”.

ويلفت الفاضل إلى أن السلطات المختصة في الدولة تعد منذ نحو عامين بإيجاد حل نهائي لأزمة الدواء، لكن من دون فائدة، وبقيت حلولها جزئية أو نصف جزئية، لذلك تنفجر المشكلة من حين إلى آخر، حتى بلغت ذروتها، وفُقِد الدواء، وأصبح المريض يعاني الأمرّين، خصوصاً مع ارتفاع الأسعار بشكل يفوق القدرات المادية”.

ورقة ضغط

وتشير صاحبة إحدى الصيدليات في الخرطوم ياسمين مصطفى، إلى أن “المعاناة في موضوع الدواء تؤثر على المواطن وأصحاب الصيدليات معاً، فالمواطن تضاعفت معاناته في البحث عن الدواء من دون جدوى، في ظل الارتفاع اليومي لسعر الدواء واختلافه بين صيدلية وأخرى، وكذلك الحال بالنسبة إلى أصحاب الصيدليات الذين يعجزون عن توفير الدواء للمواطن والإيفاء بالتزاماتهم تجاه الشركات العاملة في هذا المجال، إضافة إلى تراجع قدراتهم لتوفير رواتب العاملين لديهم. فالأمر يحتاج إلى تدخل سريع من الدولة لوضع حد لهذه الأزمة المستفحلة، التي بسببها نفقد كل يوم أرواحاً، فلا أدوية خصوصاً المنقذة للحياة، سواء للأطفال أو لكبار السن.

وتتابع مصطفى، “في الحقيقية، إن الصيدليات تحاول بقدر المستطاع أن توفر الأدوية لزبائنها، ولو بتكاليف مرتفعة، لأن المريض يهمه أن يجد الدواء المطلوب، لكن الآن، توقفت مصادر البيع بأي تكاليف كانت، وهذه مسؤولية تتحملها الحكومة بالدرجة الأولى. فإضراب الصيدليات هو ورقة ضغط تمارسه على الجهات المسؤولة كي تحس بمعاناة المواطنين والصيدليات. فقد استنفدت الصيدليات ما لديها من أسلحة، ولم يعد لديها حل غير التوقف عن العمل. ومن غير المعقول أن تفتح أبوابها وأرففها خاوية من أبسط أنواع الأدوية”.

سوق سوداء

لا يجد المواطن أبو بكر عبد المجيد “مبرراً واحداً لأزمة دواء في بلد كالسودان، غني بموارده الطبيعية التي تكفي لتغطية احتياجاته”.

ويضيف، “الدواء مهم كالخبز والماء، فهو من متطلبات الحياة الأساسية، أنا مثلاً أحتاج إلى توفير خمسة أدوية يستخدمها والدي يومياً، لأنه مريض بالسكر والضغط والقلب، ومنذ شهرين أعاني في البحث عنها، وبعدما لم أجدها في صيدليات العاصمة، لجأت إلى أحد أقاربي في دول الخليج الذي أرسلها إلي، ولو لم أفعل ذلك لكان الأمر صعباً علينا وعلى والدي”.

و”هاجس الدواء” لم يعد بالنسبة إلى عوض الله طيفور خاصاً، إنما بات “حديث المجتمع، لأنه من ضروريات الحياة، فلا بيت لا يحتاج إلى دواء، ولا بد للحكومة أن تضع حداً للفوضى وأن تضع سياسات واضحة وفاعلة، فانعدام الدواء يفتح الباب على مصراعيه لتجار الأزمات والسوق السوداء، وإدخال أدوية دون المواصفات والمعايير المتبعة. وهو أمر في غاية الخطورة ويعرض المرضى للخطر”.

ويشير طيفور إلى “ضرورة توفير الدواء بأسعار متاحة للكل، فضلاً عن مراعاة التوزيع الجغرافي للصيدليات، فمن غير المعقول أن يقطع المواطن مسافات طويلة للحصول على دواء. ويجب على جميع الأطراف ذات العلاقة أن تتوصل إلى معالجة المشكلة، لأن الإضراب يؤثر على المواطن”.

زيادة رسوم

في المقابل، يعتقد مدير إدارة الصيدلة في محلية الخرطوم مجدي طه محمد نور، أن تنفيذ إضراب الصيادلة لم يكن بسبب زيادة أسعار الدواء، إنما بسبب محدودية ما يُسلّم للصيدليات. في وقت ارتفعت ايجارات الصيدليات والرواتب والضرائب والخدمات بنسبة كبيرة.

ويلفت محمد نور إلى أن مصانع الأدوية تمنح الصيليات أرباحاً بنسبة 20 في المئة، وهي نسبة ضئيلة مقارنة مع الزيادات التي أحدثتها الدولة في المرافق الحيوية، مثل الكهرباء والمياه، إضافة إلى زيادة الرسوم على مصانع الأدوية التي تراوحت بين 75 و80 في المئة.

إندبندنت

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.