مر أكثر من شهر على التحرير الجزئي للجنيه السوداني في 21 فبراير (شباط) الماضي. والقرار يعني توحيد سعر الصرف للعملة المحلية أمام الدولار الأميركي والنقد الأجنبي، وذلك بعد أن سجل سعر صرف الدولار 380 جنيهاً في السوق السوداء. وشكل الارتفاع المتزايد منذ عامين الذي قفز فيه الدولار من 60 جنيهاً إلى 380 خطراً على الاقتصاد السوداني الذي انهار في السنوات الأخيرة، ما جعل الحكومة تتخذ خطوة جريئة بتحرير الجنيه.
واستقبل السودانيون القرار بسعة صدر وازدحمت البنوك بالمواطنين الذين يرغبون في تبديل العملات الأجنبية بالجنيه السوداني، ما جعل البعض يظن أنه بهذا الفعل سيتحسن الاقتصاد وتنخفض أسعار السلع.
وكانت الحكومة السودانية قد أعلنت أن القرار يهدف إلى القضاء على التشوهات الحالية في الاقتصاد السوداني من خلال ردم الهوة الكبيرة بين السعرين الرسمي والموازي.
وأكدت الحكومة أن للقرار فوائد كبيرة، حيث يساعد في جلب المنح والاستثمارات الأجنبية ويساعد في إعفاء ديون البلاد الخارجية المقدرة بنحو 70 مليار دولار.
ورداً على المخاوف المتعلقة بالتداعيات السلبية للقرار، أوضحت الحكومة أن البنك المركزي يمتلك احتياطيات كافية من النقد الأجنبي للتدخل متى ما دعت الضرورة.
التحرير وتصاعد أسعار السلع
شهد الشهر الذي تلى تحرير الجنيه ارتفاعاً ملحوظاً في أسعار السلع، على الرغم من ثبات سعر صرف الدولار في السوق الموازية. وفي هذا الصدد يقول المحلل الاقتصادي محمد الناير لـ”اندبندنت عربية” إن “تخفيض قيمة العملة الوطنية الذي تم أخيراً بتعديل السعر الرسمي من 55 جنيهاً إلى 380 لم يكن لديه أي انعكاس على أسعار السلع. فكل السلع أصلاً تُسعر على حسب سعر السوق السوداء التي شهدت استقراراً الآن. وسيحدث أثراً واضحاً في أسعار السلع في حالة اتساع الفجوة بين السوق الموازية والرسمية”.
وعن الأسباب التي تؤدي لارتفاع أسعار السلع يضيف الناير “هناك أسباب رئيسة أولها سياسة الدولة المتمثلة في زيادة أسعار المحروقات، وقطاع المحروقات يؤثر بصورة كبيرة على كل الأنشطة الاقتصادية والزراعية وحتى القطاعات الخدمية. والدولار الجمركي قفز من 20 إلى 28 جنيهاً، والمشكلة الأساسية أن الدولة تريد إيصال الدولار الجمركي لسعر الصرف ليصبح 380. وذلك سيخلق كارثة في الاقتصاد. وأيضاً تأثر قطاع الدواء وقفز سعر الصرف من 55 إلى 120 و 250 جنيهاً للأدوية المنقذة للحياة”.
تجار العملات والسوق
مع استقرار سعر الصرف لوحظ اختفاء تداول العملة في السوق السوداء التي تريد الدولة القضاء عليه. وقال أحمد، وهو تاجر عملة، “نشاطي توقف منذ أكثر من شهر بسبب استقرار العملات وتعويم الجنيه، وأصبح المواطن يبدل العملة من خلال البنوك على الرغم من الزحام والعراقيل التي يواجهها”. بينما يرى البعض أن الدولة استعجلت في قرار تعويم الجنيه من دون تجهيز المنافذ لتبادل العملات وقالت نجوى السر إنها “تقضي يوماً كاملاً أحياناً من دون جدوى لتقوم بتبديل العملة”.
الاستيراد وتأثيره
ولأن المنتجات المستوردة أكثر من المحلية، يتابع الناير “القطاع الخاص يستورد من الخارج وتكاليف النقل والإنتاج العالية تؤدي لارتفاع الأسعار، إضافة إلى وجود عوامل مزمنة مثل السماسرة الذين يسهمون في ارتفاع الأسعار”.
قائمة العقوبات
وطالب صندوق النقد الدولي السودان بضرورة إجراء إصلاحات اقتصادية، ووضعت الحكومة السودانية برنامج إصلاحات يمهد إلى استقرار الاقتصاد في البلاد منذ مطلع مارس (آذار) الماضي. ولكن لم تظهر هذا الإصلاحات على السطح، ولم يحدث أي تغيير إيجابي في الاقتصاد السوداني. وفي هذا السياق قال المحلل الاقتصادي صديق كبلو لـ “اندبندنت عربية” إن ” مسألة الدولار الجمركي ما زالت معقدة. ولكن يبدو أن الحكومة لا تملك أدنى خبرة أو فهم لما تريد فعله، وتقوم برفع سعر الدولار الجمركي، الأمر الذي يخلق عدم استقرار في السوق”.
وهوجمت قرارات صندوق النقد الدولي من قِبِل اقتصاديين سودانيين، واعتبروها غير ملائمة للواقع السوداني. وقال الناشط عمر محمود إن “الدولة ليست السبب الرئيس في انهيار الاقتصاد أو عدم إصلاح الأوضاع الاقتصادية. طالما لدينا ديون خارجية سنجد أنفسنا مجبرين على تنفيذ قرارات البنك الدولي لإعفائنا من الديون. وهذا عيب أي برنامج يُوضع في الخارج، لأنه بالتأكيد لن يشعر من وضعوه بمعاناة المواطن السوداني”.
ورُفع اسم السودان من قائمة العقوبات الأميركية، وتوقع الجميع حدوث تسهيلات مالية. وفي هذا السياق قال كبلو لـ”اندبندنت عربية” إن “السودان يتمتع بتسهيلات متمثلة في القرض الأميركي والبريطاني، ورفع السودان من قائمة العقوبات جعله يعود للتعامل مع المؤسسات الدولية. مع وجود اتفاق لم يتم الإعلان عنه بشكل كامل، وهو مد السودان بالقمح الأميركي لمدة 3 سنوات مع منحة البنك الدولي، لكن التدفق المالي من الدول المانحة ليس كما هو متوقع، لأنها تعاني من الأزمات العالمية كأزمة كورونا والأزمة الاقتصادية العالمية”. ويرى كبلو أنه “كان يمكن الاعتماد الذاتي والاستعانة بموارد الدولة فقط لأن الاتفاقيات الدولية تأتي بشروط صعبة”.
إندبندنت