السفير الياباني بالسودان: * على الجانب السوداني خلق بيئة ملائمة لجذب الشركات اليابانية للاستثمار. * ليس من تقاليدنا أن نملي أفكارنا ونفرض سياسات معينة على الآخرين. * الحصار الاقتصادي يعيق تدفق الاستثمار إلى السودان.
رغم تباعد المسافات الجغرافية بين السودان واليابان ، ارتبط البلدان بعلاقات ثنائية منذ مطلع الستينيات ، وظلت مستمرة في مختلف مجالات العون الفني والمادي ، وان شابها بعض الضعف أحيانا إلا أنها عادت قوية وتشهد ازدهارا يوما بعد يوم…. التقت وكالة السودان للأنباء سفير اليابان لدى السودان السيد هيديكى أيتو متحدثا باللغة العربية بطلاقة عن العلاقة اليابانية السودانية في مختلف مجالاتها السياسية والاقتصادية والثقافية والرياضية ، وسياسة بلاده لتقوية العلاقات الاقتصادية إقليميا و دوليا فإلى مضابط الحوار:
س: بداية حدثنا سعادة السفير عن الصورة التي كنت تضعها عن السودان قبل حضورك، وهل تغيرت الآن ؟
ج: حضرت إلى السودان قبل سنة ونصف سفيرا لليابان، ولكنها لم تكن المرة الأولى، فقد زرت السودان عندما كنت أتعلم اللغة العربية بمصر عام 1981 ، انطباعي عن الخرطوم ، أنها مدينة صغيرة مريحة للنفس , تحظى بتناقض ، بين نهر النيل والأشجار الخضراء ، والتربة الإفريقية الحمراء ، ولقد اندهشت جدا هذه المرة لرؤية المباني العالية الارتفاع، وكذلك التوسع في المدينة. ومع ذلك، يسعدني أن ألاحظ أن الشعب السوداني ما زال يحتفظ بطيبته وتواضعه.
س: اليابان بلد متطور في مجالات عدة منها تكنولوجيا الاتصالات… هل يوجد تعاون بينكم والسودان لنقل هذه الخبرات؟
ج: ليس لدي علم عن تعاون خاص لنقل تقنية المعلومات والتكنولوجيا اليابانية إلى السودان على المستوى الحكومي أو الخاص، ولكنني أرى كثير من الأجهزة اليابانية مثل (سوني) و (باناسونيك) مستخدمة في السودان.
س: تساهم اليابان عبر وكالة “جايكا” لتطوير البني التحتية بالسودان، خاصة المجال الزراعي… ما هي المشاريع الحالية؟ وهل هناك أخرى مستقبلية؟
ج: في المجال الزراعي، قامت اليابان، في السنوات القليلة الماضية، بإنشاء محطات ضخ المياه للري في منطقتي العالياب والكتياب بولاية نهر النيل. أيضاً قمنا بتوفير مساعدات فنية لزراعة الأرز الهوائي في ست ولايات؛ رغم أن هذا المشروع سينتهي في مارس القادم، إلا أنني اعلم أن الأرز الآن محصول مهم للسياسة الزراعية للحكومة السودانية ، وستقوم اليابان بتقديم مساعدات في المجال الزراعي إذا طلبت منها الحكومة السودانية ذلك.
س: السودان بلد يزخر بالثروات الطبيعية من أراضى خصبة ومصادر مياه و ثروات معدنية متعددة ، فيما تتمتع اليابان بالخبرات الواسعة والتقدم العلمي…. ما هي سبل تشجيع الاستثمار بما يحقق الفائدة للبلدين؟
ج: لقد انتبهت إلى الثروات الطبيعية الغنية والإمكانيات الهائلة التي يتمتع بها السودان، برغم العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان التي تجعل من تحويل الأموال مسألة بالغة الصعوبة. تحاول السفارة أن تعكس صورة واضحة عن السودان للشركات اليابانية. من المهم أيضاً بالنسبة للجانب السوداني أن يقوم بخلق بيئة ملائمة لجذب الشركات اليابانية لتستثمر في السودان.
س: حظي الكثير من السودانيين بفرص للدراسة الجامعية وفوق الجامعية باليابان، إضافة إلى تلقى كورسات تدريبية في مختلف المجالات …. ما هي جهود السفارة لتعزيز هذا التعاون مستقبلا؟
ج: تقوم وزارة التعليم اليابانية سنوياً بتقديم العديد من المنح الدراسية بالإضافة إلى منحة المبادرة الأخيرة لرئيس وزراء اليابان، “ابي” ، لقد تلقينا في السنة الماضية أكثر من 600 طلب تقديم لمنحة الوزارة. عملية فحص واختيار المرشحين من ضمن الطلبات الكثيرة كانت ممتعة ولكنها شاقة في ذات الوقت بسبب محدودية عدد المنح. أتمنى أن نرى زيادة في الطلاب المقبولين في المستقبل.
س: اليابان لها مقدرة عالية للعمل في مناطق الحروب والنزاعات مثل رواندا وجنوب السودان… هل هناك مشاريع حالية أو مستقبلية لكم في مناطق عدم الاستقرار بالسودان ؟
ج: نعم تقدم اليابان مساعدات عبر وكالات الأمم المتحدة في دارفور وأيضا في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق. بدأت الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (JICA) في العام الماضي مشروعاً جديداً في دارفور لمساعدة حكومات الولايات لتقديم خدمات أفضل للمواطنين.
س: في ولاية الخرطوم قمتم بجهود مقدرة في مجال إصحاح البيئة وجمع النفايات للإسهام في نظافة الولاية وتوفير بيئة صحية للمواطنين… حدثنا عن ذلك؟
ج: الدعم الياباني في هذا المجال بدأ منذ العام 1986 عبر تقديم أكثر من 140 شاحنة وجرار , ما زال بعضها يعمل حتى الآن( وقد سعدت لذلك كثيرا ) ، ولكن بعد النمو السكاني الكبير والسريع بولاية الخرطوم كان لابد من تجديد الدعم لاستعادة الصورة الجميلة للعاصمة السودانية ، وفى العام 2010 قدمنا منحة فنية عبر إرسال خبراء يابانيين للتعاون مع المختصين في الولاية ، وكذلك في العام 2013 تم وضع خطة رئيسية للتخلص من النفايات في زمن ثابت ومكان محدد ، وهذا النظام مطبق في طوكيو واثبت فعالية كبيرة .
مطلع هذا الأسبوع قدمنا منحة عبارة عن 100 سيارة لجمع النفايات وورشة مركزية لصيانة هذه العربات حتى تستمر أطول مدة ممكنة. وأقول إن مساهمتنا هذه لن تؤتى ثمارها إلا بتوعية المواطنين للاهتمام بهذا الأمر والمشاركة فيه. ولتشجيع كل قطاعات المجتمع خاصة الأطفال لذلك كان اختيارنا لتقديم ” صورة كابتن ماجد ” الشخصية المحببة لهم وهى تسدد في المرمى وعليهم كذلك رمى الأوساخ في مكانها المخصص, أشير هنا إلى الدور الهام لمشاركة كل أجهزة الإعلام لإنجاح ومتابعة تنفيذ هذه المبادرة.
س: سعادة السفير زرت العديد من ولايات السودان …. حدثنا عن انطباعاتك وهل تذوقتم الطعام السوداني ؟
ج: نعم زرت حوالي 13 ولاية بعضها أكثر من مرة وتبقى القليل (5) الولايات التي لم أزرها. وبفضل طاقم السفارة الممتاز الذي يباشر العمل معي تمكنت من التفرغ لمتابعة كل المشاريع التي تمولها السفارة عبر مختلف المنظمات بمختلف الولايات والتواصل مع المواطنين هناك. كل ولاية لها طابعها الخاص والمميز وقد سعدت أكثر بالاستقبال الطيب من المواطنين و خاصة الأطفال في المدارس التي نزورها. نعم تذوقت الطعام السوداني, وأقول رغم أنني عملت في عدد من الدول العربية والإسلامية ولكنى لم أشارك في إفطار رمضان إلا في السودان حيث تلقيت العديد من الدعوات للمشاركة في الإفطار ووجدت متعه كبيرة في مشاركتهم وانتظار موعد الأكل وتعجبني المأكولات الشعبية مثل العصيدة والكسرة.
س: عملت في كثير من الدول العربية وتتقن اللغة العربية… هل لمست خلال تواجدك في السودان الآن أو في أي من الدول الأخرى سابقا ظواهر لما يشاع من التطرف الديني في الدول العربية؟
ج: لحسن الحظ إن كل الذين تعاملت معهم في السودان والدول العربية الأخرى كانوا معتدلين، لم التق نهائياً بأي متطرف. فيما يتعلق بالسودان، عندما تري الجماعات المتصوفة يرقصون في ساحة حمد النيل تلاحظ فعلا أن العادات الإسلامية السودانية بعيدة كل البعد عن التطرف والغلو.
س: ما هو تقيمك للمجتمعات العربية … برأيكم ما هي السلبيات والايجابيات؟
ج: في فترة من تاريخ البشرية، بلغ العرب الثقافة الأكثر تقدماً؛ يبدو لي أن العرب لأكثر من مائتي عام ينضالون للعثور على هويتهم الجديدة في العالم الحديث، وهذا هو سبب عدم الاستقرار في الإقليم. أتمنى صادقاً أن يستطيع العرب أن يكتسبوا الثقة بالنفس ويبدؤون مرة أخرى في المساهمة الفعالة في إثراء الحضارة الإنسانية.
