على نحو مفاجىء طرح رئيس الوزراء د. عبدالله حمدوك مبادرة “الأزمة الوطنية وقضايا الانتقال – الطريق إلى الأمام” وهي من ثمانية محاور تشمل إصلاح القطاع الأمني والعسكري، والعدالة، والاقتصاد، والسلام، وتفكيك نظام “30 يونيو، ومحاربة الفساد، والسياسة الخارجية والسيادة الوطنية، والمجلس التشريعي الانتقالي، وتهدف المبادرة للخروج من الوضع “المخيف الذي تواجه البلاد”.
رئيس الوزراء طرح تفاصيل مبادرته في مؤتمر صحفي أمس.
مهد حمدوك لمبادرته بالقول “تشهد بلادنا أزمة وطنية شاملة منذ استقلالها تمثلت في غياب المشروع الوطني الذي يحظى بإجماع كاف يحقق رغبة السودانيين والسودانيات في قيام حكم مدني ديمقراطي يحقق المواطنة المتساوية”.
ولفت حمدوك إلى أن ” شعبنا نهض من بين الركام وفجر ثورة ديسمبر المجيدة بأوسع مشاركة جماهيرية وباستجابة القوات النظامية لنداءات الشعب التواق للتغيير”. ونبه إلى أن الثورة منحت فرصة تاريخية لبلادنا بما طرحته من ملامح المشروع الوطني المنشود عبر شعار “حرية سلام وعدالة”.
تفاقم الاختلافات
أشار رئيس الوزراء إلى أنه على الرغم مما حققته الثورة في عامين من سلام وفك للعزلة الدولية وسير في طريق التحول الديمقراطي، “إلا أن وطأة الماضي الثقيلة تركت انقسامات متعددة الأوجه (مدني مدني – مدني عسكري– عسكري عسكري) وقد تفاقمت هذه الاختلافات في الآونة الأخيرة وأصبحت تعبر عن الأزمة السياسية العميقة التي تعاني منها البلاد حالياً.
واحدة من اكثر النقاط التى ركز عليها حمدوك امس في تنوير صحفى بمقر حكومته امس الثلاثاء هو حالة التشظى التى ضربت الحاضنة السياسية وانقساماتها والتى بات انها على مفترق طرق ونبه الى خطورة ذلك وعدم وجود مركز موحد لاتخاذ القرار وغياب الاولويات والتصورات المشتركة للانتقال .ولفت حمدوك الى أن نزع فتيل الازمة لن يتم الا عبر تسوية سياسية شاملة تشمل توحيد الجبهة المدنية والعسكرية وايجاد رؤية مشتركة بينهم للتوجه صوب انجاح الفترة الانتقالية وبناء الدولة المدنية الديمقراطية التي تنهض على قاعدة “المواطنة المتساوية”.
لكن مخاوف حمدوك لا تزال تتمدد عندما اعلن بان الشراكة التى سوقتها الخرطوم للعالم كمنوذج جيد يجمع العسكر والساسة هي الآن ليست كذلك بل وقال بصريح العبارة”انها لا تسير في خط مستقيم ” .
التشظي بين العسكر
الامر الاكثر خطورة الذي اشار اليه حمدوك امس هو حالة التشظي بين العسكر فيما بينهم ووصفه بأنه امر ‘مقلقا”. وقال إن المبادرة طرحت اعادة دمج القوات وقيام جيش وطني وذلك عبر اصلاحات هيكلية .واوضح أن قوات الدعم السريع ذات طبيعة خاصة اسهمت بدور ايجابي في التغيير، وأن عملية دمجها في القوات المسلحة يتطلب توافقا بين قيادات الجيش والدعم السريع، وحول جهاز المخابرات نوه حمدوك الى انه يجب تنفيذ ما ورد في الوثيقة الدستورية حوله، وزاد بأن مهمة الجهاز التنفيذي وإدارته، ومعالجة النشاط الاقتصادي للمؤسسة العسكرية وإبعاد القوى السياسية عن العمل في المؤسسة العسكرية وتطوير صيغة مجلس الامن والدفاع لمجلس الامن الوطني واضاف أن قضية مستقبل القوات المسلحة ستكون من قضايا المؤتمر الدستوري وقضية تحقيق العدالة بحيث لا يفلت احد من العقاب وانصاف الضحايا واسرهم فضلا عن موضوع محكمة الجنايات الدولية.
تعثر ازالة التمكين
حمدوك اشار الى انه وعلى الرغم مما تحقق من انجاز مثل السلام في مرحلته الاولى وفك العزلة وازالة السودان من قائمة الارهاب والاصلاحات القانونية والسياسية والاقتصادية الا أن هناك تحديات لا تزال ماثلة تعترض مسار الانتقال اهمها الوضع” الاقتصادي والترتيبات الامنية “التي شدد على ضرورة انجازها وكذلك تحقيق العدالة وتعثر ازالة التمكين، كما أن وطأة الماضي الثقيلة تركت انقسامات متعددة الأوجه (مدني مدني –مدني عسكري– عسكري عسكري) وقد تفاقمت هذه الاختلافات في الآونة الأخيرة وأصبحت تعبر عن الأزمة السياسية العميقة التي تعاني منها البلاد حاليا مع تعثر إزالة التمكين وبناء المؤسسات. يأتي كل ذلك على خلفية الانقسامات داخل الكتلة الانتقالية وعدم وجود مركز موحد للقرار وغياب الأولويات والتصور المشترك للانتقال.
خطر جدي
واشار الى أن الفترة الماضية شهدت تصاعد الخلافات بين شركاء الفترة الانتقالية مما يشكل خطراً جدياً لا على الفترة الانتقالية فحسب بل على وجود السودان نفسه، وقد بذلت مجهودات في التواصل مع الأطراف المختلفة ونزع فتيل الأزمة، والتي يرى أنها لن تحل إلا في إطار تسوية سياسية شاملة تشمل توحيد الجبهة المدنية والعسكريين وإيجاد رؤية مشتركة بينهما للتوجه صوب إنجاح المرحلة الانتقالية وبناء الدولة المدنية الديمقراطية التي تنهض على قاعدة المواطنة المتساوية.
توحيد الكتلة الانتقالية
فى المحور الأول للمبادرة يؤكد حمدوك ضرورة توحيد الكتلة الانتقالية وتحقيق أكبر إجماع ممكن داخلها حول مهام الانتقال، وفى المحور الثاني الشروع مباشرة وعبر جدول زمني متفق عليه في عملية الوصول لجيش واحد مهني وقومي بعقيدة عسكرية جديدة عبر عملية للإصلاح الشامل وبما يعبر عن تنوع السودان الفريد.
وذهب في المحور الثالث إلى اهمية توحيد مراكز القرار داخل الدولة وعملها وفق رؤية مشتركة، وفى المحور الرابع الاتفاق على آلية موحدة للسياسة الخارجية وإنهاء التضارب الذي شهدته الفترة الماضية.
محور المبادرة الخامس أكد الالتزام بتنفيذ اتفاق السلام واستكماله كقضية رئيسية من قضايا الانتقال.
وفى المحور السادس تناول قضية الانتاج بتقوية توجه الحكومة والدولة الذي يقوم على الإنتاج المحلي وحماية الفقراء والمستضعفين والتعاون مع المؤسسات الدولية.
وفى المحور السبع أشار إلى الالتزام بتفكيك دولة الحزب لصالح دولة الوطن وبناء دولة مؤسسات وطنية مستقلة.
وفي المحور الثامن دعا إلى التزام جميع الأطراف “فعلاً لا قولاً بالعمل من أجل الوصول إلى نظام حكم ديمقراطي مدني يقوم على أساس المواطنة المتساوية وإجراء انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة”.
الطريق إلى الأمام:
المبادرة ذات المحاور الثمانية شرحت الأزمة في كافه اوجهها، وشملت أيضاً مقترحات الحلول وعنونها رئيس الوزراء في مبادرة لم يكتف حمدوك بطرح مبادرته ذات الثمانية محاور فقط ولكنه تقدم بمقترحات تحت عنوان “الطريق إلى الأمام”، شملت “إصلاح القطاع الأمني والعسكري”، ولفت إلى أن قضية إصلاح القطاع الأمني والعسكري قضية وطنية شاملة لا تقتصر على العسكريين ويجب مشاركة المجتمع السياسي والمدني في رؤية الإصلاح، واعتبرها حمدوك قضية مفتاحية لكل قضايا الانتقال وبدونها لا يمكن حل قضايا الاقتصاد والعدالة الانتقالية وبناء الدولة المدنية.
وأشار إلى أن الأمر الذي يتطلب الآتي بأن تكون القوات المسلحة الجيش الوطني الوحيد وذلك يتطلب إصلاحات هيكلية وعقيدة عسكرية جديدة وتمثيل التنوع السوداني في كافة مستوياتها وتنفيذ اتفاق الترتيبات الأمنية الوارد في اتفاق جوبا لسلام السودان.
ونبه إلى أن قوات الدعم السريع ذات طبيعة خاصة وساهمت بدور إيجابي في التغيير ودمجها في القوات المسلحة يتطلب توافقا بين قيادة القوات المسلحة والدعم السريع والحكومة للوصول لخارطة طريق متفق عليها تخاطب القضية بكل أبعادها.
وطالب حمدوك باخضاع جهاز المخابرات العامة والشرطة لإصلاحات عميقة وجذرية وعاجلة ويجب أن ينفذ ما ورد في الوثيقة الدستورية بشأنهما.
وطالب باضطلاع الجهاز التنفيذي بدور أكبر في إدارة جهاز المخابرات وتغيير كافة مدراء الإدارات بآخرين حادبين على نجاح المرحلة الانتقالية وإجراء إصلاحات جوهرية وسريعة في هيكله وطرق عمله.
ايضاً اقترح مراجعة النشاط الاقتصادي للمؤسسة العسكرية وحصره في الصناعات ذات الطبيعة العسكرية ومراجعة الشركات التي انتقلت لحوزته عقب التغيير ودمج نشاطه الاقتصادي في الاقتصاد الوطني تحت ولاية المالية على المال العام.
ودعا لابتعاد القوى السياسية عن العمل داخل القوات المسلحة وعدم استقطاب منسوبيها.
مقترحات حمدوك شملت تطوير صيغة مجلس الأمن والدفاع لمجلس للأمن القومي يمثل فيه المدنيون والعسكريون بصورة متوازنة ويختص بوضع استراتيجية الأمن القومي ومتابعة تنفيذها.
ورأى أن قضية مستقبل القوات المسلحة وتنظيم علاقتها بالحياة السياسية الديمقراطية ستكون من قضايا المؤتمر الدستوري التي ستحسم قبل نهاية المرحلة الانتقالية.
وفى قضايا العدالة أكد أنها هي أحد أركان ثورة ديسمبر وشعاراتها وهي قضية ممتدة طوال امتداد سنوات نظام الإنقاذ الثلاثين وصولاً لجريمة فض الاعتصام ووضع أسس لحلها تشمل عدم الإفلات من العقاب، إنصاف الضحايا وأسرهم، ضمان إصلاح المؤسسات العدلية والأمنية، تحقيق الأهداف التي من أجلها استشهد الآلاف وضمان عدم تكرار هذه الجرائم في المستقبل.
ولتحقيق العدالة رأى حمدوك تنفيذ عدة خطوات وهي تكوين لجنة وطنية للعدالة الانتقالية تتولى مهمة الاتفاق على القانون والمفوضية وتصميم عملية شاملة بمشاركة ذوي الضحايا تضمن كشف الحقائق وإنصاف الضحايا والمصالحة الشاملة والإصلاح المؤسسي الذي يضمن عدم تكرار جرائم الماضي مجدداً، والفراغ من تحقيقات فض الاعتصام وتحديد المسؤولين جنائياً عنها والإعلان عن إجراءات عملية بشأنها تنصف الضحايا وتحقق أهداف الثورة وتضمن نجاح المرحلة الانتقالية، إضافة لمثول المطلوبين أمام المحكمة الجنائية الدولية، وإصلاح الأجهزة العدلية وإكمال بنيانها المؤسسي وتفكيك التمكين بداخلها.
قضايا الاقتصاد
وفي قضايا الاقتصاد أكد حمدوك أن الموارد المنتجة داخلياً تكفي لحل الضائقة الاقتصادية لا سيما الذهب والثروة الحيوانية والمحاصيل الزراعية ويكمن الخطل الحقيقي في إدارتها وتحكم أجهزة الدولة في عائد صادرها وأن تتمكن وزارة المالية من فرض الولاية على المال العام، لذا وجب تكوين آلية من الجهاز التنفيذي والعسكريين ومراقبة الجهاز التشريعي لضمان تحقيق هذه المطلوبات.
السلام
أكد حمدوك أن السلام هو أهم مكتسبات الفترة الانتقالية لذا فإن تعزيز الإرادة السياسية لدى كافة الأطراف وتوفير الموارد اللازمة لتنفيذ الاتفاق وحل المعضلات التي تعترض تنفيذها واستكمال عملية السلام هو أولوية قصوى لجميع الأطراف.
تفكيك نظام 30 يونيو
دون تفكيك نظام الثلاثين من يونيو وتصفية ركائزه يرى حمدوك أنه لا يمكن بناء نظام مدني ديمقراطي، وطالب بالتزام جميع الأطراف بتحقيق هذه المهمة داخل المؤسسات المدنية والعسكرية، كما أنه من المهم مراجعة تجربة لجنة إزالة التمكين وتطويرها نحو تحقيق أهدافها، ومن الواجب العمل بصورة صارمة على محاربة الفساد بكافة أشكاله.
تهديد السيادة الوطنية
نبه رئيس الوزراء إلى أن التجربة الماضية أكدت عدم تجانس الجهات التي تعمل في ملفات السياسة الخارجية مما هدد السيادة الوطنية والمصالح العليا للبلاد، وهذا الأمر يستدعي تشكيل آلية واحدة بين الأطراف المكونة للمرحلة الانتقالية للإشراف على ملف العلاقات الخارجية وتوحيد الرؤى وتمتين العلاقات الإقليمية والدولية لا سيما مع دول الجوار وعلى وجه أخص مع دولة جنوب السودان.
اقترح حمدوك أن تلتزم جميع الأطراف بتكوين المجلس التشريعي في مدة أقصاها شهر من الآن وبمشاركة جميع الأطراف باستثناء المؤتمر الوطني ومن أجرم وأفسد في حق البلاد.
رمى حمدوك الكرة في ملعب شركاء الفترة الانتقالية لانقاذ الأوضاع التي وصفها بالخطيرة وقال “حال الاتفاق على القضايا أعلاه يتم تكوين آلية مشتركة من كل الأطراف لمتابعة التنفيذ وتطوير الاتفاق بين مختلف مكونات الفترة الانتقالية.”
السوداني