لم تكد أزمة الدواء ونقص الأكسجين تبرح مكانها إلا وتجددت المآسي والأزمات مرة أخرى بنقص الدم والصفائح الدموية وفساد كميات منه في عدد من المراكز والمستشفيات بسبب انقطاع التيار الكهربائي وتعطل الكثير من ثلاجات الدم على مستوى المركز والولايات، وان كان الدواء ضروريا للحياة ويمكن الاستغناء عنه احيانا قليلة إلا ان الدم هو الحياة نفسها فلا حياة بدونه ، وما نحن بصدده في هذا التحقيق ليس (عدم الدم) فقط وان كان الشح موجودا ولكن كيفية التعامل مع المتوفر منه على قلته بواسطة الجهات المناط بها حمايته من الهدر وان كانت بعض تلك الجهات لا ترى مشكلا في ترحيل الدم بالمواصلات كأي راكب عادي ومن ثم لا ترى ان هنالك ضرورة لتوفير سيارة ذات مواصفات محددة لكل بنك دم أو ثلاجة على أسوأ تقدير كما لم تبذل مجهودا ولو قليلا لجعل بنوك الدم خطا ساخنا لا يجب قطع الكهرباء عنها وفي هذا الوضع الذي لا نريد وصفه بالكارثية لابد من ضحايا يدفعون ثمن تراخي الحكومة ان لم يكن موتا فمعاناة و(بهدلة)َ.
ليس المرضى وحدهم من يعانون بل الكوادر الطبية العاملة ببنوك الدم التي بثت شكواها في هذا التحقيق إذ المطلوب منها ان تفعل المستحيل لتوفير المطلوب منها دون أن يشعر المرضى حتى بأن هنالك خللا او نقصا في اي من مشتقات الدم خاصة الصفائح التي نحن بصددها.
نقص الصفائح
وتقول مسؤولة بنوك الدم في ولاية نهر النيل علياء صالح علي أن عطبرة كانت تعاني مشاكل في نقص الدم لكن الآن الوضع مستقر حيث بدأنا بحملات تبرع طوعي كما ستكون هناك حملات تبرع في عطبرة والمدن المجاورة لها كبربر والدامر تحسباً للعيد الى حين استقرار الدم وتضيف علياء بأن بقية الولاية توجد بها مشاكل في الدم وهناك طلب على الصفائح الدموية من المرضى وتضيف (ونحن ذاتنا عايزين نعرف المشكلة شنو المسببة لنقص الصفائح) ؟وقالت كما أن هنالك مشكلة في تخزين الصفائح الدموية فهي في الأصل يمكن الاحتفاظ بها مخزنة لخمسة أيام فقط وخلال هذه الفترة قد لا يحتاجها مريض وهذه هي إشكاليتها التي تتمثل في قصر مدة بقائها بالتخزين بعكس البلازما التي تخزن لعام كامل وفي بعض المحليات لا توجد أجهزة لفصل الصفائح الدموية ويصعب عملية ترحيل الدم او نقل المريض لعطبرة لأن الرحلة تستغرق ساعتين كما أن هناك نقصا في الصفائح في أبو حمد وشندي فمريض أبو حمد وشندي مضطر لأن يأتي لعطبرة لأخذ الصفائح الدموية لأنها بطبيعتها لا ترحل بالإضافة لاختلاف شكل تخزينها وحياتها قصيرة ولا يوجد لديها أجهزة حافظة لها، ولكن مستشفى المك نمر الجامعي تتوفر فيه الصفائح الدموية..
بيئة متردية
مصدر بولاية النيل الأزرق أكد لـ(الإنتباهة) عدم وجود عمل لصفائح دموية أو فصل دم فنعطي المريض زجاجة دم كاملة لأن الأجهزة التي لديها علاقة بفصل الصفائح وحفظها متعطلة وقال إن معمل استاك ليس لديهم مشكلة ففي كل سنة يؤهلون الأجهزة ويتم صيانتها لكن المشكلة انها مربوطة بالمبنى، فالمبنى الذي يستغل كمعمل أو بنك للدم متصدع وهذه هي المشكلة التي تسببت في عدم استقرار التيار الكهربائي في بنك الدم بالتالي تعطل الأجهزة الذي استمر لأكثر من عام، وعندما تتم صيانة الجهاز يتعطل مرة أخرى لان الأجهزة تحتاج لكهرباء مستقرة ومبنى جيد فالمبنى لدية مواصفات محدد في الأرض الطينية فالجهة التي أنشأته لم تطابق المواصفات ولم تتم له مراجعة بعد اكتمال انشائه ووزارة الصحة ليس لديها إمكانية للصيانة لان تكلفة الصيانة كانت عالية.
غياب الإدارة
مدير الإدارة العامة للمختبرات الطبية وسلامة نقل الدم بالولاية الشمالية اشتياق عوض الله قالت لـ(الإنتباهة) انه يوجد لديهم بنك دم مركزي واحد في الولاية ولا توجد به مشكلة غير أن العبء عليه كثير والضغط عال بحكم كونه الوحيد بالولاية لذلك هم في حاجة لبنك دم آخر حتى تكتفي محليات الولاية المختلفة التي لا يمكن تغطيتها ببنك دم واحد لبعد المسافة على المريض، وأضافت :(غياب الإدارة العامة في الفترة السابقة جعلنا غير ملاحظين لنقص الدم أو الصفائح الدموية ولكن بعد مجيء الإدارة العامة فتحنا بنك الدم المركزي الذي كان مغلقا والآن تحت الخدمة ، وهذه من فوائد وجود الإدارة العامة تحت إدارة الطب العلاجي وهذا من الأشياء المهمة وعدم وجود إدارة عامة بالاتحادية خلقت لنا مشاكل في نقل الدم وطلبياته التي تأتي من المركز فلا توجد إدارة خاصة حالياً. وفيما يخص توفر الدم قالت اشتياق: توجد لدينا حملات تبرع ولكن الإشكالية الكبرى في التيار الكهربائي وهذه إشكالية تشمل كل بقاع السودان).
ترحيل الدم بالمواصلات !
اشتياق اشتكت من حاجتهم لسيارة بنك دم لعدم وجود واحدة لديهم وهذه السيارة بمواصفات محددة ومعينة لنقل الدم والصفائح الدموية ولحفظ الدم ومشتقاته وأضافت الآن نستخدم سيارة الإدارة او قد نجد سيارة من الولاية في رحلتي الذهاب والإياب خاطبنا الوزارة الاتحادية وبنك الدم المركزي وتمت مخاطبة ثلاثة مستويات ولا توجد أي استجابة ومن ثم نقوم بتوصيل الدم بالمواصلات او عربة خاصة بالمرضى وهذه مشكلة كبيرة لعدم تطابق المواصفات للعربات التي لا توجد بها أجهزة معينة لضمان سلامة الدم) . وناشدت اشتياق حكومة الولاية واي جهة بأن تجعل المستشفيات خطوطا ساخنة بحيث لا تقطع عنها الكهرباء لأنها تؤثر في صلاحية الدم وقبل تشغيل المولد تعطلت ثلاجة الدم لديهم وتم إبادة الدم وهذه خسارة على الدولة فمشكلة الكهرباء مشكلة كبيرة لبنك الدم المركزي. وأضافت (لدينا حل المشكلة بالمولد الكهربائي ولكن يجب أن تحل بالمستشفيات حتى لا يفسد الدم بالثلاجات في المستشفيات الأخرى ، فالمستشفيات جهات خدمية فلماذا تدفع ثمن الكهرباء؟ كما انها يجب ألا تدخل ضمن برمجة القطوعات مع الأحياء وبسبب تذبذب الكهرباء يفسد الدم وتتعطل الثلاجات). اشتياق اشتكت كذلك من تأخرطلبات الدم من المركز فعندما تأتي طلبيات الربع يكونوا قد تجاوزوا الربع الى نسبة احتياج أعلى لأنهم يحضرون طلبات الدم كل ثلاثة شهور ولكنها تصل إليهم بعد خمسة أو ستة شهور وعندما يصلون لمرحلة النقص الحاد عندئذ تأتي الطلبيات!
التبرع هو الحل
ويقول مدير الإدارة التقنية بخدمات نقل الدم الاتحادية عبد المطلب حامد إن منظمات المجتمع المدني تفهمت مفهوم الثقافة القومية للتبرع الطوعي بالدم والتبرع الطوعي بالدم هو الطريقة الوحيدة لإيجاد الدم السليم الذي يؤخذ قبل وقت الحاجة له ويفصل الدم بمكوناته ويوزع على حسب الحاجة. وأضاف: أن ما يقال من ان هناك شحا في الدم ومكوناته هذه حقيقة ولكن لها أسباب فالدم بمكوناته لن يتوفر 100% إلا إذا انتقلنا من 50% من التبرع الاسري إلى التبرع الطوعي لان الأخير يوفر الدم بكل مكوناته او فصل الزجاجة الواحدة لأربعة مكونات دم وهي بذلك في حالة التبرع الطوعي تكفي لأربعة مرضى فالتبرع الطوعي كان يأتي بصورة تلقائية للذين فهموا أهميته للمريض وفائدته للمتبرع فهو يفحص له دم ويراجع نفسه صحياً وينفع مرضى آخرين بدمه الذي يقدمه لهم ففي بنك الدم المركزي يوجد مولد كهربائي ولكن في بعض المستشفيات تعتمد بنوك الدم على التيار العام وأحيانا تحدث قطوعات لكن هنالك معالجات تتم بترحيل الدم من بنك دم لآخر إلى أن تحل مشكلة الكهرباء وهذا لا ينفي فقدان جزء من الدم ومكوناته في بعض الثلاجات . والمشاكل التي كانت تواجههم في بنك الدم المركزي حسب عبد المطلب تتمثل في المبنى فهو من المباني القديمة ومحتاج لصيانة ولكن بفضل الشراكات التي حدثت في هذه الأيام والتي تمضي على قدم وساق في صيانة للمبنى وحتى المبنى من ناحية المساحة غير كاف لكل الخدمات التي تقدم كبنك دم مركزي، فهنالك مقترح لنقله لمساحة أكبر ويبنى بطريقة حديثة ويضيف (هذا جزء من المشاكل التي واجهناها في الأيام الماضية في مواقع التواصل الاجتماعي).
انقطاع التيار ليس عذرا
ويضيف عبد المطلب: الدم لم يفقد بهذه الكميات التي أثيرت في مواقع التواصل الاجتماعي فحدثت بصورة جزئية وبسيطة وفيها مبالغة وحتى التالف لا يذكر وانقطاع الكهرباء ليس عذرا فالدم يحول للمكان الذي تتوفر به كهرباء باعتبار بنك الدم في كل مركز بيئته واحدة. كمية الدم ضعيفة ولكن لا يوجد شح فهناك ظروف أدت الى نقص كميته منها جائحة الكورونا والمواصلات وانحسار التبرع الطوعي فهذه الظروف قللت من المتبرعين بعض الشيء وفي الحالات العادية لا يكون هنالك شح في الدم ومكوناته. ولكن نسبة التفهم (ما بطالة) تفوق 20% ولكن ليس بالنسبة التي نريد ان نصل لها .
في الخير
ويقول المدير الإداري للمركز القومي لخدمات نقل الدم نجم الدين حسن فضل علي ان الإدارة العامة لبنوك الدم تقوم بخدمة المستشفيات الخاصة والعامة وتوفير الدم بعد فحصه. واشتكى من ان بيئة العمل غير مناسبة للعمل، ففي الفترة الأخيرة كانت هنالك صرخة خرجت من بنك الدم كثير من الذين أحسوا بأهمية المرفق منهم رجال الأعمال وشركة نسمة وبنك فيصل الإسلامي وهؤلاء كانوا المبادرين الأوائل ورابطة المرأة والمغتربين الذين أحسوا بالمسؤولية هذه. فتم دمج كل المبادرات في إطار واحد تحت اشراف نادي رجال الأعمال.
خروج عن الخدمة
يرى عضو اللجنة المركزية للخدمات الطبية أباذر عجب أن نقص الدم جاء نتيجة لجائحة كورونا وعدم الفهم الكامل والتوعية لدى المتبرعين للتبرع بالدم وكذلك بيئة المعامل غير المهيأة والتي تحتاج إلى تأهيل وتهيئة تناسب بيئة العمل. إضافة إلى الإضرابات في عدد من المراكز لكوادر المختبرات الطبية والذين يطالبون بتنفيذ ستة عشر مطلباً من بينها الحوافز إسوة بزملائهم الذين يعملون بالمستشفيات، وقال إضافة لعدم استقرار التيار الكهربائي وحاجة بعض مراكز العزل لمولدات كهربائية لضمان انسياب العمل، وعدم تعرض الثلاجات للعطل أثناء التذبذب الكهربائي وإفساد الدم. مستشهداً بمركز عوض حسين للعزل والذي خرج عن الخدمة لفترة أربعة أشهر بعد ضرب إحدى كيبولاتها مما اضطرهم لنقل الدم لمراكز أخرى ففسد بعضه وتم التخلص منه. وأكد أبا ذر بدء الصيانة وتأهيل بيئة المعامل في بعض المراكز. وأنهم سيواصلون عملهم لتحسين بيئة المعامل لتقديم خدمات جيدة للمرضى.
المصدر: الانتباهة أون لاين