ينامون نهارا ويسهرون ليلا.. هل من يتبعون طريقة نوم بومة الليل يعدّون أكثر إبداعا؟

يكره بعض الأشخاص الاستيقاظ مبكرا ويشعرون بأنهم أكثر نشاطا وإنتاجية في الليل، كما يميلون إلى أداء مهامهم الروتينية عندما يكون معظم من حولهم نائمين.

لذلك، من المحتمل أن يشعر هؤلاء الأشخاص طوال حياتهم بالحكم على طريقة عيشهم، بل وصفهم أحيانا بالكسل والفوضى وعدم الانتظام، حيث يُتوقع من جميع الأشخاص أن يتكيّفوا مع الجدول النهاري، كما تقول الكاتبة إيلينا سانز في تقريرها الذي نشرته مجلة “لامنتي إس مرفيوسا” (lamenteesmaravillosa) الإسبانية.

وتشير التقديرات إلى أن حوالي 20% من الأشخاص يتبعون هذا النمط الزمني خلال الروتين اليومي الخاص بحياتهم. ويصل هؤلاء الأشخاص إلى أقصى طاقتهم بعد حلول الظلام حيث يواجهون صعوبات حادة فيما يتعلّق بالعمل خلال الساعات الأولى من الصباح. علاوة على ذلك، يقضّي هؤلاء الأشخاص حياتهم في محاربة ميولهم الخاصة للتوافق مع إيقاع المجتمع ويمكن اعتبارهم غير لائقين.

بومة الليل ليست نزوة

يعتقد الكثير من الناس أن الأشخاص الذين يتبعون طريقة ما يُعرف بـ”بومة الليل” يختارون أن يكون لديهم جدول نوم لا يتماشى مع الإيقاع الاجتماعي. كما يفتقر هؤلاء الأشخاص إلى الإرادة للنوم والاستيقاظ مبكرا. علاوة على ذلك، أظهرت العديد من التحقيقات أن النمط الزمني محدد، إلى حد كبير، وراثيا. لذلك، وُلد هؤلاء الأشخاص بالفعل على استعداد لإظهار هذا الاتجاه الليلي.

كما وجدت بعض الدراسات أن هناك طفرة جينية لها تأثيرات قوية على أنماط النوم. وفيما يتعلق بالأشخاص الذين يفضلون حياة السهر ليلا، تطول لديهم الدورة مما يجعل الشخص غير قادر على النوم حتى الصباح، ويعاني عندما يطلب منه الجسم أن يستيقظ في وقت متأخر عما هو متوقع. في النهاية، لا يعدّ الأمر اختياريا، وإنما تحديدا بيولوجيا.

تشخيص متلازمة تأخر مرحلة النوم

قد تكون حقيقة اختلاف النمط الزمني من شخص لآخر ميزة تطورية في العصور القديمة. فحينما كان البشر يعيشون في قبائل صغيرة، تأكدوا من وجود شخص دائما مستيقظا ومتنبّها في كل لحظة من النهار والليل. مع ذلك، يتبع المجتمع حاليا إيقاعا ملحوظا في النهار. لذلك، لا يستطيع الشخص الذي يتّبع طريقة ما يُعرف ببومة الليل التكيف ويعاني من عواقب وخيمة.

لهذا السبب، يتم تشخيص هؤلاء الأشخاص عموما بما يسمى بمتلازمة اضطراب طور النوم المتأخر، أي أنهم بحاجة إلى النوم والاستيقاظ بعد عدة ساعات من المتعارف عليه. في الواقع، عندما يُسمح لهؤلاء الأشخاص باختيار جدول نومهم، فإنهم يستمتعون بالراحة الكافية من حيث الكمية والنوعية.

البقاء في حالة تأهب عقليا لمدة أطول

تقول الكاتبة سانز في تقريرها إننا نميل عموما إلى التفكير في الاستيقاظ المبكر على أنه أكثر نشاطا وإنتاجية. في المقابل، لا يعدّ هذا الأمر صحيحا تماما. فإذا تحدثنا عن عدد الساعات التي يمكن للفرد أن يظل فيها يقظا ونشطا عقليا، سيتصدّر الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب القائمة.

وقد وجدت بعض الدراسات أنه بعد مرور 10 ساعات من اليقظة، يقدم عشاق الليل نشاطا دماغيا أكبر في المناطق المتعلقة بالانتباه.

درجات أفضل في اختبارات الذكاء

منذ فترة طويلة، علمنا جميعا أن الذكاء متعدد، وتختلف القدرات من شخص إلى آخر. مع ذلك، يحصل من يسهرون ليلا على درجات أعلى من نظرائهم الصباحيين في الاختبارات التي تقيس الذكاء العام أو ما يسمى بعامل “جي”.

وعلى الرغم من هذه الميزة، بالإضافة إلى حقيقة أن قدرتهم على التفكير الاستقرائي تبدو متفوقة، فإن الأشخاص الليليين يميلون إلى الحصول على أداء أكاديمي وعملي أسوأ. ويعود ذلك لكونهم مجبرين على الأداء في ساعات عملهم الأقل، بالإضافة إلى الحرمان الكبير من النوم الذي يمنعهم من التصرف على النحو الأمثل.

من يتبعون طريقة بومة الليل يعدّون أكثر إبداعا

بالإضافة إلى ما سبق، يبدو أن من يتبعون طريقة بومة الليل يعدّون أكثر إبداعا. ويُظهر هؤلاء الأشخاص الذين يسهرون بينما ينام الآخرون ميزة عندما يتعلق الأمر بإيجاد حلول بديلة وتطبيق وجهات نظر مختلفة ومبتكرة.

هؤلاء الأشخاص أكثر عرضة للإصابة بالمرض

لا يعدّ التعود على الاستيقاظ ليلا أمرا إيجابيا في كل حالاته، حيث وجدت دراسات مختلفة أن هؤلاء الأشخاص أكثر عرضة للإصابة بمرض السكري والسمنة والتوتر والاضطرابات النفسية والعصبية، كما أنهم أكثر عرضة بنسبة 10% للوفاة. ومرة أخرى، يرتبط هذا الأمر ارتباطا وثيقا بعدم القدرة على التكيف مع الجداول الزمنية، مما يؤدي إلى عدم الحصول على قسط كاف من النوم وانخفاض الجودة واتباع النظام الغذائي السيئ وعادات نمط الحياة الأسوأ.

على الرغم من كل ما سبق، فإنه لا يمكننا أن ننسى أن الفروق الفردية موجودة. فضلا عن ذلك، تُعتبر النتائج المقدمة مجرد نتائج عامة لا تحدد الصفات أو الأداء الخاص بجميع الأشخاص. وتجدر الإشارة إلى أنه ليس كل من يستيقظ مبكرا يعدّ أقل إبداعا، كما لن يمرض كل من يفضلون السهر، فكل ذلك يتوقف على الظروف الفردية على المستوى الجيني والبيئي

الجزيرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.