في سباق مع الزمن.. سقف الدين الأميركي يهدد العالم بـ”كارثة اقتصادية” كبرى

ليس أمام الولايات المتحدة سوى 18 يوما لتجنب كارثة اقتصادية بمعنى الكلمة، ليس على الصعيد الداخلي وحسب وإنما على مستوى العالم.

ولدى المشرعين الأميركيين فترة محدودة من أجل التوصل لاتفاق يقضي برفع الحد الأقصى لحجم الأموال التي يمكن لوزارة الخزانة اقتراضها، وإلا فإن ستتخلف الولايات المتحدة عمدا عن سداد ديونها لأول مرة في التاريخ.

ويحظر سقف الدين الحالي، ما لم يتم رفعه، على الولايات المتحدة استدانة أكثر من الحد الأقصى البالغ 28.4 تريليون دولار.

وتثير المسألة عادة خلافات بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي. وسبق أن رُفع سقف الدين 80 مرة منذ ستينيات القرن الماضي.

ما هو سقف الدين؟

ببساطة تقوم حكومة الولايات المتحدة، حالها حال باقي دول العالم، بالاقتراض عندما تنفق أموالا تفوق قيمتها حجم الإيرادات، وذلك عن طريق إصدار سندات خزينة.

سقف الدين، الذي وضعه الكونغرس قبل أكثر من 100 عام، هو الحد الأقصى للمبلغ الذي يمكن للحكومة اقتراضه، والذي يبلغ حاليا، كما أسلفنا، 28.4 تريليون دولار.

ويمثل السقف الحد الأقصى الذي لا تستطيع الدولة تجاوزه في الاقتراض، وبالتالي يصبح عليها أن تعتمد على سيولتها النقدية للوفاء بمدفوعاتها، من رواتب العسكريين وحتى خطابات اعتمادها.

الديون السيادية

تصدر الحكومة الأميركية سنويا سندات خزينة بالدولار من أجل الاقتراض، وذلك عبر طرحها في الأسواق بفائدة معينة.

يمكن للدول الأجنبية والأفراد والشركات والهيئات والمؤسسات المحلية داخل الولايات المتحدة شراء هذه السندات.

وصل مستوى الدين الحكومي الأميركي حاليا لأقل بقليل من 28.5 تريليون دولار، أي أكثر بنحو 29 في المئة من قيمة الناتج المحلي الاجمالي لهذا العام.

نحو ربع هذه الأموال تدين بها الحكومة لنفسها، حيث تستثمر إدارة الضمان الاجتماعي 2.9 تريليون من فائض أرباحها في السندات الحكومية، ويحتفظ الاحتياطي الفيدرالي بأكثر من 5 تريليونات دولار في سندات الخزينة الأميركية.

في المقابل، تمتلك الدول الأجنبية والشركات والأفراد 7.5 تريليون دولار من ديون الحكومة الأميركية، حيث تعد اليابان والصين أكبر المستثمرين بواقع تريليون دولار لكل منهما.

أما باقي السندات فمملوكة لمواطنين وشركات أميركية وولايات وحكومات محلية.

لماذا تم وضع حد للاقتراض؟

قبل عام 1917، كان الكونغرس يأذن للحكومة باقتراض مبلغ ثابت من المال لفترة محددة، وعندما يتم سداد القرض لا يمكن للحكومة الاقتراض مرة أخرى ما لم يُسمح لها بذلك.

تغير هذا بعد أن تم تشريع قانون جديد في عام 1917 وضع سقفا للديون وسمح بتمديد مستمر لعملية الاقتراض دون موافقة الكونغرس.

سن الكونغرس هذا الإجراء للسماح للرئيس آنذاك وودرو ويلسون بإنفاق الأموال التي اعتبرها ضرورية لخوض الحرب العالمية الأولى دون انتظار المشرعين الذين غالبا ما يكونون غائبين، أو لا يستطيعون حضور الجلسات لبعد المسافات بين الولايات وصعوبة الوصول في حينه.

ومع ذلك، لم يرغب الكونغرس في كتابة شيك على بياض للرئيس، لذلك حدد الاقتراض بـ 11.5 مليار دولار، واشترط أن يكون هناك تشريع جديد في حال الرغبة بزيادة المبلغ.

ومنذ ذلك الحين، تم رفع سقف الدين عشرات المرات، وتم تعليق العمل به في عدة مناسبات، كان آخرها في أغسطس 2019، عندما علق الكونغرس الحد حتى 31 يوليو 2021.

التخلف عن السداد

سيكون لتخلف أكبر اقتصاد في العالم عن السداد، وهي سابقة، عواقب وخيمة مع تداعيات على الاقتصاد العالمي بكامله.

داخليا سيؤدي عدم رفع سقف الدين إلى احتمال عدم دفع رواتب موظفي الحكومة أو المقاولين المتعاقدين معها، وكذلك قد تتوقف عن منح القروض الممنوحة للشركات الصغيرة أو طلاب الجامعات، والتوقف عن دوافع الفواتير المستحقة بذمتها وهذا يعني من الناحية الفنية انها في حالة تخلف عن السداد.

كذلك يتوقع أن يتسبب التخلف عن السداد إلى انزلاق الولايات المتحدة في ركود اقتصادي ناجم عن انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4 في المئة تقريبا.

وسيؤدي أيضا لفقدان حوالي ستة ملايين وظيفة، مما يسبب ارتفاعا في معدل البطالة ووصولها لنحو 9 في المئة.

خارجيا سيكون لهذا التخلف عواقب اقتصادية وخيمة، إذ سيؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة وتقليل قيمة الدولار مقابل العملات العالمية الأخرى وإصابة الأسواق العالمية بحالة من الذعر وربما الركود.

وسيدفع الركود المستهلكين والشركات الأميركية لتقليل كمية السلع والخدمات التي يشترونها من خارج البلاد، ما يعني أن بلدان الأسواق الناشئة التي تعتمد على الصادرات إلى الولايات المتحدة للحصول على جزء كبير من دخلها ستكون الأكثر تضررا.

وسيكون، كذلك، للانخفاض المتوقع لقيمة الدولار تأثير مماثل، إذ سيجعل شراء الإمدادات من الخارج أكثر تكلفة على الشركات الأميركية، وبالتالي يتسبب بانخفاض حجم التبادلات التجارية على مستوى العالم.

وسيؤثر انخفاض قيمة العملة الأميركية على البلدان التي يرتبط اقتصادها بالدولار، والتي ستشهد تقليصا في القوة الشرائية لمخزونها الحالي من العملة.

صراعات حزبية

الأسبوع الماضي حذرت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين من كوارث مالية محتملة قد تلحق بالبلاد في حال لم يرفع سقف الدين ولم تتمكن الولايات المتحدة من سداد ديونها مع حلول المهلة المحددة.

وقالت يلين إنه “في غضون أيام، سيفتقر ملايين الأميركيين إلى النقود، وقد تنقطع شيكات الضمان الاجتماعي عن نحو 50 مليون مسن. وقد تتوقف رواتب الجنود”.

واستذكرت يلين أزمة ديون عام 2011، مشيرة إلى أن سياسة وضع الولايات المتحدة على حافة الحد الأقصى للدين “دفعت بأميركا إلى شفير أزمة”.

وشددت يلين على أن التحرك في أسرع وقت ممكن، سيمكن البلاد من تجنب النتائج الأسوأ التي شهدتها سنة 2011.

وكانت الولايات المتحدة خلال الأزمة المرتبطة بمناقشة الدين في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما أقرب من أي وقت مضى إلى التخلف عن السداد.

ودفع ذلك منظمة “ستاندرد آند بورز” إلى خفض تصنيف ديون الولايات المتحدة إلى “أيه أيه أيه”، ما أحدث هزة في الأسواق.

وقالت يلين إن ذلك “سيقوض الثقة في الدولار كعملة احتياط” و”كملاذ آمن”. وأضافت “سنكون أمام أزمة مفتعلة فرضناها على هذا البلد الذي يمر بفترة صعبة للغاية وهو في طريقه للتعافي”.

ويصر الجمهوريون في مجلس الشيوخ الأميركي على رفض تأييد أي زيادة لسقف الديون أو تعليق العمل بهذا السقف، على الرغم من أنهم ضغطوا في هذا الاتجاه في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب.

فقد عرقلوا الاثنين محاولة الديموقراطيين الموافقة على تعليق السقف لمدة 14 شهرا مع ميزانية مؤقتة.

ويستخدم زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل سقف الديون كأداة سياسية للاحتجاج على خطط الإنفاق التي وضعها الرئيس جو بايدن.

ولا يؤدي رفع سقف الدين إلى زيادة الإنفاق، ولكنه يسمح ببساطة لوزارة الخزانة بتمويل المشاريع التي وافق عليها الكونغرس من قبل، بما في ذلك تريليونات الدولارات من المساعدات التي تقررت خلال جائحة كوفيد-19.

الحرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.