سودافاكس – حذرت السلطات الصحية في ولاية الخرطوم من ظهور حالات تسمم غذائي، وقدرت عدد الإصابات بـ150حالة خلال أسابيع ماضية وفقاً لإحصائيات المراكز الصحية. وأعلنت الوزارة عن تسجيل 43 حالة تسمُّم قبل اسبوع من اليوم، وأرجعت الأسباب إلى طرق حفظ الأطعمة والتلوث البيئي الذي تشهده الولاية، فيما رصدت جولة قامت بها “الصيحة” في بعض المستشفيات حدوث 5 حالات وفاة وسط المصابين بالتسمم، واكد متحدثون ان الظاهرة باتت تأخذ اتجاها يثير القلق ومخاوف المستهلكين في ظل الوضع الاقتصادي المتهالك.
وجبة سمك قاتلة
فائقة (45) عاماً, لم تكن تظن أن دعوتها لتناولها وجبة “سمك” في محل مشهور بأم درمان سوف يتسبب في وفاتها، فبعد عودتها المنزل ظهيرة الخميس الماضي شعرت بتشنجات في المعدة وارتفعت درجة حرارتها تبع ذلك تقيؤ وآلام حادة في البطن أدت الى فقدانها الوعي, تقول “رباب ” وهي قريبتها وتقيم معها في المنزل، جاءت الراحلة بعد أربع ساعات قضتها بالخارج تشكو من صداع وتشنجات في البطن, فطلبت منها تحضير مشروب ساخن من “بنات الشمار”, لكنها دخلت في حالة هيسترية مفاجئة وصراخ من شدة الألم بعدها فقدت الوعي، تم إسعافها الى مستشفى أم درمان فاتضح انها متوفية وتم الاحتفاظ بالجثة داخل المشرحة مدة ثلاثة أيام بعدها صدر التقرير الطبي ان سبب الوفاة تسمم غذائي حاد, لكن فائقة كانت تعاني من فيروس الكبد الوبائي منذ 15 عاماً، مما عرضها مسبقاً للعديد من الإصابات بحسب أفراد من أسرتها وهي نادراً ما تتناول اطعمة خارج المنزل, ولكن هذه المرة ساقها القدر إلى آخر المطاف بعد دعوة فطور قُدِّمت من بعض الصديقات، رجحت الأسرة ان يكون التسمم بفعل فاعل, وقالوا إنهم بصدد اتخاذ إجراءات قانونية.
صنع بيد والدتهم
ليست حالة “فائقة” بعيدة عن المُعاناة التي واجهت ابتهال وأطفالها الأربعة يقيمون بـ”قشلاق” المهندسين بأم درمان، فقد تعرّضوا لتسمم حاد كاد أن يودي بحياتهم قبل أربعة أيام من الآن جراء تناول عصير صُنع في المنزل من مكون “الموز واللبن المجفف”. تقول ابتهال لـ”الصيحة “: “قمت بتحضير العصير ووضعته في الثلاجة قبل قدوم أطفالي “ثلاثة أولاد وبنت” من المدرسة لتناوله قبل وجبة الغداء كالعادة، في الرابعة عصراً تناول الجميع العصير عدا ابني الأكبر في ثالثة ثانوي، بعد صلاة العشاء أعددت وجبة الغداء وهي عبارة عن فراخ مَشوي، بعد ساعة من تناوله خلد الجميع للنوم, في الصباح الباكر أصابني وثلاثة من أطفالي الصغار “إسهال مائي” وآلام معوية وتقيؤ حاد, مِمّا عطّل ذهابهم للمدرسة, وتابعت ابتهال، تم إسعافهم في طوارئ السلاح الطبي وإخضاعهم للفحوصات حيث اتضح انها حالات تسمم, فتم إعطاؤهم العلاج المناسب دِرِبات وبعض الأدوية، وترجح أن يكون السبب في العصير او أن اللبن المجفف منتهي الصلاحية, مُستبعدة التسمّم بالفراخ نسبةً لأن ابنها الكبير تناوله ولم يتناول معهم العصير وهو لم يصب بأي ألم.
قصور ومخاوف كثيرة
هذه النماذج جزء يسير جداً من 45 حالة رصدتها الصحيفة خلال جولة استهدفت مستشفيات حكومية وأخرى خاصة بولاية الخرطوم. على الرغم من شفاء بعض الحالات, فإن القاسم المشترك بين جيمع الإصابات تجاوز عامل النظافة الشخصية إلى عامل الفساد الغذائي الذي تفشى في كل الأسواق والمحال التجارية والمطاعم وغيرها، ويؤكد خبراء إلى عدم التزام بعض المطاعم بالضوابط الصحية ولا يحمل أغلب العاملين الكرت الصحي متهمين وزارة الصحة بالقصور وعدم التفتيش من قبل ضباط الصحة، مشيرين إلى تفشي ظاهرة استخدام الزيت الراجع في طهي الأسماك واللحوم ببعض المطاعم.
بلا شك ان حالة تسمم واحدة فقط تقود الى الوفاة تقابلها مائة علامة استفهام تنذر بخطر يحيط بالمُجتمع وتكشف قصوراً كبيراً في الجانب الصحي والبيئي، فالظاهرة باتت تأخذ اتجاهات تثير القلق ومخاوف المستهلكين، فقد أشارت إحصائية صادرة عن الإدارة العامة للطوارئ ومكافحة الأوبئة بولاية الخرطوم إلى أن عدد حالات التسمم الغذائي خلال أسبوعين ماضيين بلغت 72 حالة.
الوجود الأجنبي مُهَدِّدٌ
تُعزي بعض الأبحاث تفشي التسمم لتداخل عوامل كثيرة, منها تناول الأدوية دون وصفة طبية وتناول مياه الصهاريج التي لم تتم نظافتها بين فترة وأخرى والتي تتراكم بداخلها الطحالب وتتوالد “الديدان”، بالإضافة للإكثار من تناول جرعات مرتفعة من الإسبرين, حيث تظهر الأعراض في شكل رنين في الأذن والغثيان والقئ والنعاس والتنفس السريع, منعت الأبحاث استعمال أكثر من 30 قرصاً تحتوي على 325 ملغم من الإسبرين، لدور بعض المعادن مثل “الحديد والرصاص” في الإصابة بالتسمم.
اختلاط مواد
أرجح مسؤول صحي, سبب التسمم إلى تلوث الأطعمة ومياه الشرب المختلطة بالصرف الصحي، بينما يقول خبير التغذية د. محمد الفاضل لـ”الصيحة” بسبب غياب المُتابعة والمراقبة وضبط الأسواق من السلطات المختصة, وجدت المنتجات الفاسدة والمُنتهية الصلاحية طريقها للأسواق، مؤكداً ارتفاع حجم الإصابات بالتسمُّم الغذائي لانفتاح العاصمة على الوافدين والمستثمرين الأجانب في مجال الطعام وهو ما وصفه بالمهدد الكبير, يقول الفاضل: حالات التسمم ببعض المطاعم تأتي نتيجة لعدم مراعاة الطهي الصحي وبسبب عدم اتباع طريقة الحفظ السليمة وعدم مراعاة الضوابط الصحية التي وضعتها المحليات وعدم الالتزام بالتعليمات التي تعهّد أصحاب المطاعم بمراعاتها، لافتاً لدور المُبيدات الزراعية في تفشي التسمم قائلاً: (يحدث ذلك عند رش الخُضر والفاكهة بالمُبيد مُباشرةً لعدم الغسيل الجيد لها, وكذلك المبيدات الحشرية المنزلية نتيجة إساءة الاستخدام بالإضافة للاستخدام الخاطئ للمواد الكيميائية والمنظفات الصناعية التي تُستخدم في غسيل خطوط الإنتاج, فعند استخدام تركيزات عالية منها أو عدم الغسيل الجيد بعد استخدامها ينتج عنه انتقال المواد الكيميائية للغذاء), محذراً من أضرار مكسبات الطعم والرائحة والمواد الحافظة.
أسباب مُحتملة
تقول د. إيمان محمد اختصاصي الباطنية، لا تتسبب بعض السموم في حدوث أي ضرر في حين أن بعضها الآخر يمكن أن يسبب أضراراً شديدة أو الوفاة، حيث تنطوي المواد السامة المُحتملة على الأدوية التي تُصرف بوصفة طبية ومن دونها والغازات، والمواد الكيميائية ـ الفتيامينات والطعام والفطر والنباتات, إضافةً لسم الحيوان.
تؤكد إيمان أن المرض المنقول بالغذاء جَرّاء تناول الطعام المُلوّث وتعدُّد الجراثيم المعدية بما فيها البكتيريا والفيروسات الطفيلية من المُسبِّبات الأكثر شُيُوعاً للإصابة بالتسمم الغذائي, إذ تُؤدِّي الجراثيم المُعدية وسُمُومها إلى التسمُّم في أي مرحلة من التجهيز أو الإنتاج بالتالي, يحدث التلوث أيضاً في المنازل حال تم تحضير الطعام او طهيه بطريقة غير صحيحة، منبهة الى ان التسمم يحدث بدون سابق إنذار وقد يكون الشخص في حالة من التسمم وهو لا يعلم.
الأعراض الأكثر شيوعاً
عادة ما يشعر المصاب بالتسمم الغذائي بألم كبير في منطقة محيط البطن وتحديداً المنطقة الواقعة أسفل الأضلاع وفوق الفخذ بحسب استشاري الباطنية، إذ تبدأ المواد الضارة التي يتناولها الشخص بإطلاق مواد كيميائية سامة في الجسم تثير رد فعل تحسسي في الأمعاء والمعدة ينتج عنه إحساس حاد بالألم بالبطن بالتالي تبدأ عضلات البطن بالتشنج في محاولة لتسريع حركة القناة الهضمية للتخلُّص من السموم بسرعة وقد يحدث هذا النوع من التقلُّصات في حالات طبية أخرى ولا يَعني دوماً تسمُّماً غذائياً مَا يتطلّب التحقق، من ضمن الأعراض أيضاً تقول: الإسهال والتقيؤ والصداع والآلام بالرأس والتوتر والإرهاق والجفاف, يقول مدير الإدارة العامة للطوارئ ومُكافحة الأوبئة المكلف بوزارة الصحة ولاية الخرطوم د. نادر الطيب محمد علي مكي، بلغت حالات التسمم بسبب الغذاء الأسبوع قبل الماضي 29 حالة زادت بشكل ملحوظ خلال الأسبوع الماضي, حيث بلغت 43 حالة وفقاً للتقرير الأسبوعي المرصود من قبل المراكز العلاجية المتخصصة.
أفضل تدخل علاجي
يتّفق د. مكي مع حديث الخبراء في أنّ أسباب الإصابات في طريقة حفظ الطعام بالمنازل وتخميرها في بعض الأحيان وعدم الطهي الجيد، لكنه يؤكد أن التسمم الغذائي نادراً ما يؤدي للوفاة وإنما يتسبّب في فقدان السوائل جَرّاء حالة دفاعية من الجسم ومُحاولة التخلُّص من السموم, لذلك يظهر في شكل “استفراغ وإسهالات” ويرى أن أفضل تدخُّل علاجي تناول أملاح التروية لتعويض السوائل.
ويتأسف نادر، للوضع البيئي بالولاية, مؤكداً انها تواجه ازمة حادة جراء الصرف الصحي وتزايد الذباب وتوالده, إضافةً الى انتشار الأطعمة الكاشفة والنفايات, يقول الوضع البيئي الكارثي أسهم في تفشي العديد من الأوبئة خلال الخريف والتي تزداد حِدّتها في الشتاء، داعياً إلى إصحاح البيئة وتفاعل أجهزة الحكومة والولاية مع وزارة الصحة لإجراء معالجات عاجلة نسبة لتطور المشاكل البيئية ودخولها المنازل – على حد قوله.
الصيحة