حققت تفوقها بلمبة مدها إليها الجيران “كتر خيرهم” كما قالت “رحاب” عطر كسلاوي

بولاية النيل الأبيض همس البعض بأن والي الولاية عبد الحميد موسى كاشا قال بإنه سيمنح الأوائل أجهزة كمبيوتر.. حين وصل رقم الحاصلين على الدرجة الكاملة 34 طالباً، تحسس الوالي ميزانية حكومته، لكن رقم بحر أبيض يبدو ضئيلاً حين مقارنته برقم الحاصلين على الدرجة الكاملة في ولاية الجزيرة، الذي بلغ 95 طالباً وطالبة؛ وهو الرقم الذي منح تلفزيون الولاية حق إعلان الأول قبل المؤتمر الصحفي لوزيرة التربية والتعليم هناك. وفتح الازدياد في أرقام الحاصلين على الدرجة الكاملة في امتحانات الأساس الباب حول التساؤلات المتعلقة بالامتحان نفسه. وفي ثنايا جدال ما يحدث في أضابير امتحانات مرحلة الأساس في الولايات المختلفة ثمة من يتساءل حول قدرة الصغار على إحراز الدرجة الكاملة في الامتحان، وهو أمر لم يكن متاحاً في الأيام السابقات. يشير هؤلاء إلى ما يتعلق بامتحان (التعبير).. في نهاية المطاف يصلون إلى أن ما يحدث يعبر عن حالة تراجع عام في التعليم، وفقاً لوجهة نظرهم الخاصة، ولا ينسى هؤلاء أن ينادوا بضرورة إعادة النظر فيما يحدث؛ باعتبار آثاره السالبة على العملية التعليمية في البلاد، وفي بالهم ما حدث في الشهادة السودانية.
مؤكد أن ما حدث في الشهادة السودانية يختلف عما حدث في امتحانات مرحلة الأساس وإن حاول البعض خلق قنوات ارتباط باعتبار وحدة المصب. يقول أحد أساتذة المرحلة الثانوية أن ما يحدث في النتائج ينبئ عن اختلالات يمكن قراءتها وفقاً لنسب النجاح الكلية مع نسب النجاح في بعض المواد خصوصاً اللغة الإنجليزية والرياضيات في مجمل الولايات. الأستاذ الذي كان يعمل في المدارس المتوسطة قبل تعديل نظام التعليم يردف بالقول إن الأمر برمته يرتبط بعدم جدوى المرحلة الجديدة التي صارت قديمة دون أن يستطيع القائمون على أمر التعليم معالجة الاختلالات التي اكتملت الآن بزيادة درجة التفاوت بين الطلاب وهو تفاوت يمكن النظر إليه من خلال نظرية (تسليع) التعليم وتمدده بين محطتي العام والخاص.
لكن بعيداً عن نظرية الانتقاد التي باتت مرافقة لإعلان نتائج مرحلة الأساس في كثير من الولايات ثمة من يرى أن هناك إيجابيات لا يمكن اهمالها في الإعلان نفسه. أصحاب هذا الاتجاه ينقلون إيجابياتهم مع صوت زغاريد الامهات وهي تطلق لنفسها عنان الفرح وتكتب وسمها (نعم الإله على العبد كثيرة وأجلهن نجابة الأبناء). يقولون بأن أحراز الدرجة الكاملة هو في الأصل حصاد لزرع امتد شهوراً ومن حق الصغار أن يتحصلوا على درجة استحقوها عن جدارة كاملة وهو ما لم يكن ليحدث لولا الاستحقاق الذي بذل في سبيلها.
لكن التقليل من الفرح بتحقيق الدرجة الكاملة لطلاب الأساس في بعض الولايات سرعان ما تغير بدرجة كبيرة حين تعلق الأمر بالأولى في امتحانات الشهادة على مستوى ولاية كسلا. بدت الصبية من مدرسة الخنساء الأساسية بالسوريبة وكأنها تنثر ألقها الخاص. لا أحد يتحدث الا بتفوق رحاب أحمد عمر التي أحرزت الدرجة الكاملة متفوقة على مجمل الممتحنين في الولاية الحدودية. كان لهذا الاهتمام ما يبرره فالحكاية بدت حين جاء الوالي بوفده ليقول للصغيرة مبروك على هذا التميز العلمي. كانت المفارقة أن السيد الوالي وعلى غير العادة لم يجد (صالة) تنتظر ضيافته والترحيب به فالمزارع البسيط أحمد عمر لا يملك في هذه الدنيا غير ضراعه المغروس في الطين ويسكن هو وزوجته حواء اسماعيل في منزل متواضع بلا كهرباء وأن رحاب حققت تفوقها هذا بلمبة مدها إليها الجيران (كتر خيرهم) كما قالت هي. كانت ردة فعل حكومة كسلا على ما شهدت ورأت ان أصدر الوالي قراراً بتسليمها قطعة أرض وبنائها لها تقديراً لما أنجزته. لا تبدو القصة هنا في خطوة الوالي بقدر ماهي متعلقة بما فعلت الصغيرة وردة أفعال الآخرين على ما حدث فقد مثلت رحاب في الايام الفائتة (أيقونة) لقدرة الفقراء على التميز بل إنها أعادت الكثيرين لأيام خوالٍ كان فيها التعليم بعيداً عن فلسفة الذين يملكون والذين لا يملكون وأن التميز والمراتب الأولى كانت محجوزة للفقراء .
أعلنت نتائج الأساس في ولايات وبقيت أخريات تنتظر الإعلان توسد أصحاب الدرجة الكاملة فرحتهم وهم يضعون الخطوات الأولى في مشوار يبدو طويلاً تنتظرهم المدارس الثانوية وستتخطفهم المدارس الخاصة من أجل المنافسة بهم في امتحانات الشهادة. يحاول البعض أن يمشي بأقدامه بعيداً عن (الجمرة) لكنها تحرق البعض ومن ثم يرفعون أصواتهم بالاحتجاج أن عالجوا الإخفاقات. فالمنطلق من أساس سليم هو الذي سيجعل من الهدف قيد المنال. بيد أن وحدها (رحاب) الكسلاوية وأسرتها تبعث برسالتها العبقة قائلة بأن العلم يبني بيتاً لصاحبه وذات البيت يمكنه أن يكون وطناً مختلفاً وخالياً من التباينات الطبقية. هنا ورقة الامتحان وحدها تكتب المستقبل ليقرأه والدها الأمي هكذا (شكراً يا بنيتي).

المصدر: اليوم التالي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.