إثيوبيا.. كيف يبدو مشهد الحرب على الأرض وإلى أين تمضي؟

سودافاكس – يستبعد المحللون والعسكريون انتهاء الحرب حاليا في إثيوبيا لعدة أسباب، أهمها تحولها إلى مواجهة بين إثنيات، وعدم تقبّل قوات تيغراي للهزيمة، إلى جانب الاتهامات المتبادلة بين تيغراي وحلفائهم من جهة والحكومة من جهة أخرى، بارتكاب جرائم ترقى للإبادة الجماعية.

مع خروج رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في 23 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بزيّه العسكري إلى مناطق القتال في إقليمي عفر وأمهرة في الشمال الشرقي للبلاد وتقدم قواته هناك؛ أخذت موازين القوى بين أطراف القتال المستمر بإثيوبيا تتغير.

ومع هذه التطورات، خرج قائد قوات جبهة تحرير تيغراي، تادسي وردي ليجدد التأكيد على أن انسحاب قواته من “عفر” جاء لتوجيه ضربة إستراتيجية. بينما نقلت هيئة الإذاعة والتلفزيون الرسمي عن آبي أحمد -الخميس الماضي- قوله إن “العدو دُمر تماما وتفكك”، في إشارة إلى قوات تيغراي.

وتفتح هذه التغيرات في المشهد العسكري بإثيوبيا الباب أمام تساؤلات عن كيفية انقلاب الموازين والمتوقع بعد ذلك، وإلى أي اتجاه تمضي الأزمة في إثيوبيا.

ما قبل خروج آبي العسكري
قبل 23 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، كانت قوات جبهة تيغراي قريبة من قطع الطريق الإستراتيجي الذي يربط العاصمة أديس أبابا بالميناء في دولة جيبوتي، بمحاولتهم السيطرة على مدينة “ميلي” الإستراتيجية المشرفة على هذا الطريق، والذي تمر عبره 95% من صادرات وواردات إثيوبيا، وفقا لإحصاءات حكومية.

وفي جانب آخر، كانت قوات تيغراي تجاوزت إقليم أمهرة بعد سيطرتها على مدينة ديسي ثم كمبلوتشا ووصلت إلى شواربيت (220 كيلومترا من أديس أبابا)، وتقدمت إلى مناطق دبر برهان ودبرسينا حتى أنها دخلت محافظة شوا المتاخمة للعاصمة كما أوردت الجزيرة.

وفي الوقت ذاته، كان حلفاؤها من جيش تحرير الأورومو، تزحف من الجنوب والغرب حتى وصلت إلى مناطق مجاورة لأديس أبابا . وأعطت دعوات إجلاء الرعايا التي وجهتها عدة بلدان انطباعا بأن العاصمة على وشك السقوط.

المشهد تغير
في 24 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أعلنت حكومة إقليم عفر إبعاد قوات جبهة تيغراي عن “ميلي” الإستراتيجية. بل إن الجيش الحكومي والمليشيات المساندة له من إقليم عفر استعادا بلدات “قوزبا” و”تشنا” ومحيطهما في محافظة “جاشينا” العفرية والمتاخمة لإقليمي تيغراي وأمهرة.

ويقول عبد القادر إبراهيم الصحفي المقيم بإقليم عفر للجزيرة نت إن “القتال يدور الآن على حدود إقليم عفر مع إقليمي تيغراي وأمهرة، وذلك بعد أن دخل مقاتلو عفر والجيش الإثيوبي في اشتباكات عنيفة مع “متمردي تيغراي”، ودفعوهم إلى خارج الإقليم”.

من جهتها، قالت حكومة عفر في بيان لها إن القوات الخاصة لإقليم عفر وقوات الجيش الإثيوبي تمكنت من استعادة كامل المناطق التي كانت تسيطر عليها جبهة تحرير تيغراي.

وقال المسؤول العسكري السابق في الجيش الإثيوبي حسن أول للجزيرة نت إن العمليات الجوية التي قامت بها المُسيّرات -وخصوصا في إقليم عفر حيث الأرض المسطحة- لعبت دورا في تراجع قوات تيغراي؛ إضافة لمشاركة مقاتلي عفر.

وبذلك، سيطرت القوات الحكومية على الطرق التي تربط تيغراي بعفر، والتي تمر عبرها مركبات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة. وأصبح بإمكان القوات الحكومية أن تتحكم بالطريق ذاته الذي سارت فيه قوات تيغراي، عندما هاجمت ديسي وغيرها من المدن، وبهذا قطعت الوصول بين إقليم أمهرة والعاصمة.

ولعل هذا يفسر تراجع قوات تيغراي من هذه المنطقة إلى وسط أمهرة؛ كي لا تقع في كماشة بين القوات التي تدافع عن العاصمة أديس ابابا والقوات المنطلقة من عفر.

وفي جبهة إقليم أمهرة -التي كانت التيغراي وحلفاؤهم من الأورومو يتقدمون منها نحو العاصمة، استعادت القوات الحكومية بلدات “أجبار” و”تينتا” و”دوبا” الواقعة على الطريق الرابط بين بقية الإقليم ومدينة كمبلوتشا. وقطع هذا التقدم الحكومي خطوط الإمداد عن قوات جبهة تحرير تيغراي.

وبذلك، أعلن الجيش الإثيوبي زوال الخطر عن أديس أبابا في الثاني من ديسمبر/كانون الأول الجاري، وقال نجوسي طلاهون القائد العسكري في بلدة “شواربيت” بمحافظة “شوا” إن التهديد العسكري حول العاصمة والطرق الإستراتيجية قد أزيل بالكامل، وإن القوات الحكومية أحكمت سيطرتها على محافظة شوا.

تقلبات واردة
عرفت الحرب الإثيوبية التقلبات السريعة في موازين القوى، فعقب اندلاعها في السادس من نوفمبر/تشرين الثاني 2020؛ استعادت القوات الحكومية كامل أراضي الإقليم في العملية التي أطلق عليها “فرض القانون” بعد 5 أسابيع، لكن هذه السيطرة لم تدم طويلا.

ففي مايو/أيار 2021، سيطرت جبهة تحرير تيغراي على “ميكيلي” عاصمة إقليمها، ومنها تقدمت نحو أمهرة وعفر، وقطعت حوالي 300 كيلومتر نحو العاصمة التي تبعد عن تيغراي حوالي 550 كيلومترا.

وفي الأسبوع الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، انقلبت موازين القوى مرة أخرى بسيطرة الحكومة وتراجع تيغراي عن مناطق في أمهرة.

في ظل ذلك، يضع الخبير العسكري السوداني أحمد عبد الكريم احتمالين لهذا التراجع، ويقول “من المؤكد أن حصول الحكومة على طائرات بدون طيار لعب دورا كبيرا في مهاجمة تجمعات وآليات قوات تيغراي”.

ويؤكد حديث عبد الكريم للجزيرة نت ما نقلته أجهزة الإعلام الإثيوبية الرسمية عن الجيش بأنه “استخدم تقنيات عسكرية حديثة”.

وأضاف الخبير “يبدو أن السلاح الجديد -الذي سبق للحكومة أن استخدمته في بداية الحرب- جعل تيغراي يغيرون إستراتيجيتهم باتجاه الانكماش في إقليمهم للدفاع عنه ضد أية محاولة حكومية لاستعادته، وصرفوا نظرهم عن مهاجمة العاصمة”.

هل اقتربت الحرب من نهايتها؟
يجيب عبد الكريم أن الوقت لا يزال باكرا لنهاية الحرب، ويقول “استبعد ذلك كليا لسببين؛ أولهما أن الصراع تحول من مواجهة بين حكومة ومتمردين إلى مواجهات بين إثنيات. وشهدنا اندفاع النساء والرجال في عفر إلى ميدان القتال. كما أن طبيعة مقاتلي تيغراي عنيد ولا يستسلم لأي هزيمة بسهولة”.

اما إفريم هايلي العضو السابق بجبهة تحرير تيغراي والمقيم بالخرطوم فقال للجزيرة نت “من الصعب انتهاء الحرب الآن؛ فما قامت به قوات أمهرة وحليفتها القوات الإريترية في تيغراي لن يمر دون حساب “. وفي الوقت ذاته يتهم العفريون والأمهريون قوات تيغراي بارتكاب فظائع في مناطقهم.

وقالت وزيرة الدولة بالحكومة الإثيوبية، سلاماويت كاسا -في مؤتمر صحفي عقدته أمس الاثنين- إن عناصر جبهة تحرير تيغراي ارتكبت جرائم ترتقي للإبادة الجماعية، وقتلت بوحشية مئات المدنيين الأبرياء في بلدتي غاشينا وأنصوكيا غمزا وفي أجزاء أخرى من إقليم أمهرة أجبرت الناس على النزوح. وقالت إنه تم العثور على “مقابر جماعية” بالمنطقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.