الإيجارات في منطقة الفردوس (500) دولار للشهر، والشقة في تركيا (300).. العقارات في الخرطوم.. مَنْ يستغل الأزمات..؟

كما قال أن هنالك أفراد من المحلية يأتون سنوياً لتخليص ضريبة المبنى السنوية (العتب) وهو عبارة عن قيمة ايجار المبنى كاملاً لمدة شهر، مع العلم أن (العتب) قيمة معينة تُودع بالمحلية ولا علاقة لها بالضرائب.

في الآونة الأخيرة، شهدت العاصمة الخرطوم ازدياداً جنونياً في أسعار العقارات بكل أنواعها، تحديداً الشقق العادية والمفروشة، ويمكن تقدير حجم الزيادة في الفترة منذ 2020 إلى 2021 إلى ما يفوق 10 أضعاف سعر الايجارات المُتعارف عليها، بحسب ما أفاد عدد من المستأجرين، البلاد تواجه بصورة عامة تدهوراً اقتصادياً حاداً، لكن يرى مراقبون أن الزيادات التي طرأت على أسعار العقارات، تفوق حجم التضخم. وتفيد متابعات (الجريدة) أن بعض الأحياء في الخرطوم بلغت أسعار الشقق لأكثر من (700 ) دولار شهرياً للشقة الواحدة، وتحولت المباني العقارية من وسيلة لحفظ الأموال والربح المعقول، إلى طريق مختصر للثراء والمحافظة على نمط حياة ينعم من خلاله المُلاك بالرفاهية.. تُرى.. هل من المتوقع صدور قانون لتنظيم الإيجارات؟ هل القيمة المُعلنة، هي القيمة الحقيقية للإيجارات؟ هل تفاقم الضرائب المفروضة على العقارات قيمة الإيجار..؟ مجموعة من التساؤلات طرحتها (الجريدة) على عدد من المسؤولين والمهتمين..

المالك مظلوم!

إلى جانب منْ يقف القانون.. المالك أم المستأجر؟ في رده على التساؤل السابق قال المالك محمد حسن الطيب: أنه يملك بناية مكونة من دور ارضي و 3 طوابق بحي الأقصى جنوب الخرطوم، كانت قد شُيدت في الفترة من 2013 الى 2015 وان التكلفة الكاملة لبناء هذا المبنى 800,000 ألف دولار، كما قال أن هنالك أفراد من المحلية يأتون سنوياً لتخليص ضريبة المبنى السنوية (العتب) وهو عبارة عن قيمة ايجار المبنى كاملاً لمدة شهر، مع العلم أن (العتب) قيمة معينة تُودع بالمحلية ولا علاقة لها بالضرائب. ويمضي الطيب: آخر مرة تم فيها اخذ العتب منه كانت في 2020، كما اوضح أن عدداً كبيراً من المتحصلين فاسدين ومتحايلين يضرون بالمالك والدولة على حد سواء، فهم يعرضون عليه ان يدفع قيمة اقلّ من المفروضة، ولكن الايصالات الرسمية سيتم استخراجها بأصل القيمة، ولكن يتوجب على المالك الدفع لهم مقابل ذلك “تحت التربيزة”، مضيفاً أن الاوضاع الاقتصادية في البلاد تتدهور جداً، ولكن هذا لا يعني أن المالك ينبغي تحمل التبعات وحده، فهو قد انفق لتشييد هذا العقار مئات الدولارات، فكم هي قيمة الايجار التي يجب ان يحددها لكي يجني ثمرة استثماره. أي قيمة ستكون غير منصفة له اذا كانت مُنصفة للمستأجر، كما اشار الى ان القانون لا ينصف المالك بل يكون في صف المستأجر، وان المالك جزء من المجتمع ويتضرر من تردي الوضع الاقتصادي الراهن، كما أيّد ضرورة وجود قانون يضبط اسعار المواد الانشائية منذ البداية وعدم احتكارها، وتقييد هامش الربح وتحجيم دور الوسطاء، الذي يعتبر السبب الرئيس لارتفاع أسعار تشييد المباني في المقام الأول.

المستأجر في خطر..!

على الجانب الآخر افاد (ب.أ) احد المستأجرين بضاحية الموردة، بأم درمان انه استأجر منزل ارضي يحتوي على صالون مقسوم الى غرفتين وحمام داخلي وحوش، وانه كان قد استأجر المنزل في 2020 كان الايجار ابتدائياً 12,500 بناء على عقد شفاهي مدته عام ثم بعد 3 اشهر احتج المالك بسبب فقدان النقود قيمتها، نظراً للوضع الاقتصادي للبلاد، وطالب بزيادة قيمتها الى 25 الف جنيه وبعد انقضاء خمسة أشهر على هذه الزيادة، طالب المستأجر بزيادة قيمتها 10 الف ليصل المبلغ من 25,000 الى 35,000. طالب (ب.أ) بإعفائه من الزيادة بعد أن يقوم باصلاحات على المبنى وتم الاتفاق على ذلك (شفوياً) وبعد ان قام (ب.أ) بصيانة قدرها 323,000 الف جنيه وفي نفس الشهر طالبه المالك بزيادة في الايجار قدرها 10,000 وقام بدفعها، عندما طالب المالك في الشهر التالي بزيادة قدرها 20 الف ليصبح سعر الايجار 65,000 رفض المستأجر دفع الزيادة، وخيّره المالك بين دفع الزيادة او اخلاء العقار، وافق المستأجر على الاخلاء بشرط تعويضه المبلغ الذي دفعه في الصيانة، كما قال (ب.أ) ان الجزء الاخر من المنزل مستأجر كذلك من قبل اسرة أخرى وقد أخلت الاسرة المنزل في آخر شهر، وان المنزل بشقيه محاط بسلك شائك ماعدا الجدار الفاصل بين الجزئين من الداخل وفي آخر أيام بعد اخلاء ذلك الجزء بدأ (ب.أ) فقدان اغراض وجزء من أدوات المنزل الاساسية فقرر الخروج واخلاء المنزل واغلاقه ريثما يعوضه المالك عن خسارته ولا زالت الحكاية لم تنتهي.. وأردف: هذه قصة تعكس الاستغلال السييء للوضع الراهن للاقتصاد وفساد الشريحة الأكبر من المُلاك.

الشقق المفروشة

أحد ملاك الشقق المفروشة قال انه كان قد شرع في تحويل عقاره ذو الخمسة طوابق من شقق عادية الى شقق مفروشة وقام باخلاء المستأجرين القدامى عن طريق مذكرة من المحكمة، وعلل لذلك بأن الزيادة السنوية التي تفرض بالعقد أقل بكثير من سعر السوق وقيمة العقار التي وصلت 80 الف جنيه، وانه في الوقت الراهن يمكن تأجير هذه الشقق بما يقارب 4 أضعاف سعرها الحالي او يزيد، وانه يعتبرها خسارة. والجدير بالذكر ان المبنى تم انشاؤه قبل تسعة أعوام وليس مبنى جديداً.
في ذات الموضوع أفاد أحد ملاك العقارات بمحلية الخرطوم (فضل حجب اسمه)، قائلاً: “من أسباب ارتفاع أسعار العقارات ارتفاع أسعار مواد البناء والأراضي” وأضاف في حديثه لـ(الجريدة) أن الطلب مرتفع جداً ويفوق قيمة العرض، إضافة إلى ذلك نفى التقارب المهول بين أسعار العقارات في الوقت الراهن، ورجح المالك ان التفاوت في أسعار العقارات لا يزال موجوداً ويختلف حسب الموقع وان قيمة الضرائب أصبحت مرتفعة، وأردف: لا يوجد تأثير لثبات سعر صرف الدولار في أسعار العقارات، وليس شرطاً لأن يخلق نوعاً من الاستقرار في الأسعار.

حقيقة نظرية العرض والطلب

هل ارتفاع نسبة العرض تُبرر ارتفاع الاسعار؟ تنص نظرية العرض والطلب على ان العرض هو السلعة المعروضة من قبل المُنتج (صاحب العقار) والطلب هو كمية المُنتج التي يرغب بها المستهلكون (العقارات/الشقق). فالزيادة في الطلب على السلعة يزيد من سعرها والانخفاض فيه يقلل من سعرها، ولكن لهذه الزيادات قوانين تحكمها ومن الواضح تماماً ان المُلاك لا يتقيدون بها فلا يمكن لزيادة الطلب مضاعفة سعر المُنتج بصورة جنونية مالم يكن هنالك فساد.

الضرائب لا تتسبب في الزيادة !

سواء كان العقار سكني أم تجاري فهو يخضع للضرائب المفروضة ولكن الضرائب لا تعتبر سبباً مٌبررا لهكذا زيادة . والجدير بذكره أن نسبة الضرائب تبلغ 10% فقط من الدخل السنوي للمبنى السكني تخصم منها 35% في حالة قيام صاحب المبنى بصيانة دورية كما تخصم منها نسبة 25% اذا كان صاحب المبنى يدفع الزكاة. كما ان نسبة ضرائب الشقق المفروشة هي 15% من صافي الدخل تخصم منها كذلك نسب الصيانة والزكاة .
لتوضيح ما يُشاع حول أن قيمة الضرائب يمكن أن تسهم في زيادة قيمة الايجار، أفاد مصدر مسؤول بمصلحة الضرائب ان العقارات شريحة يصعب جداً الوصول إليها لتحصيل الضرائب، وانه يستحيل أحياناً الوصول لمعلومة حقيقية عن اسعار الايجارات في اغلب المباني والابراج السكنية وأضاف أن أصحاب العقارات يهددون المستأجرين بأن لا يتحدثوا مع محصلي الضرائب ولا يناقشوهم عن السعر الحقيقي للايجار والا سيتم طردهم من المبنى، وانهم يواجهون صعوبة في مصداقية الحصر الميداني للمباني لهذه الأسباب. كما اضاف ان جزءاً كبيراً من مُلاك المباني متهربين ضريبياً وكذلك جزء مُقدر منهم يتحايلون على قانون الضرائب بعقود موثقة قانونياً ولكنها زائفة مما يجعل ضبطهم مهمة صعبة. والتراخي في دفع الضرائب وفساد جزء من المحصلين يزيد من عدم امكانية الدولة على توفير الخدمات لأن الضرائب المباشرة في الأصل هي أخذ النقود من الاغنياء، وتحويلها لصالح الشرائح الضعيفة، وأوضح انهم يسيرون الآن في اتجاه لتصحيح هذه للعبور من مثل هذه الازمات، عن طريق إلزام جميع عقود المباني السكنية أن تمر عبر الضرائب كخطوة أساسية لبناء جميع عقود المباني السكنية وغيرها من أنواع العقارات، وتحويلها خدمات مباشرة للفقراء.

الجريدة

Exit mobile version