سودافاكس ـ ثَمّةَ صفاتٍ يجب أن يَتّصِف بها من يتولى مقاليد الحكم.. من أهمها أن يُحْسِن الحاكم، في أيٍّ من مستويات الحكم، الإصغاء لأصوات المحكومين.
منذ فجر الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي لم يتوقف ملايين السودانيين – في العاصمة والولايات – عن الخروج إلى الشوارع والساحات يسدُّون عين الشمس وهتاف حناجرهم يَشُقُّ عنان السماء رفضاً لانقلاب ٢٥ أكتوبر واتفاق ٢١ نوفمبر، وقدّموا في مواجهتهما أكثر من أربعين شهيداً ومئات الجرحى والمعتقلين.. ومع ذلك وقف قائد الانقلاب الأسبوع الماضي خطيباً ليؤكد عدم التراجع عن انقلاب ٢٥ أكتوبر وأعقبه رئيس وزراء الانقلاب بمنشور إسفيري يفيد بتمسكه باتفاق ٢١ نوفمبر، وكأنّ الملايين التي تهتف برفض الانقلاب والاتفاق ليست سوى جرادٍ منتشر!!
ربما يُراهن الانقلابيون، ومَنْ يساندهم على عنصر الزمن، بحسبانه سيفتُّ في عضد الثوار أو يحقن إرادتهم بجرثومة اليأس والتراجع، وبالتالي يتوقف نهر الحراك الثوري عن الجريان، ولكنهم إنما يخدعون أنفسهم بهذا الرهان الخاسر، لأنّ هذا الجيل أثبت – بصموده الأسطوري وبما قَدّمه من تضحياتٍ جسام – أنه يدافع عن وطنه وحقه في الحياة الكريمة ببسالة طائرٍ قرّر أن يموت قبل أن يسمح للثعبان أن يلتهم صغاره في العُش، وأنّ نهر حراكه الثوري لن يتحوّل إلى مستنقعٍ راكد مهما راكموا في مجراهُ من عوائق وطحالب وسَرْخَسِيّات، ولن يتوقف عن عنفوانه السلمي رغم محاولات زراعة الفرقة بين قوى الثورة، ورغم تفريق المواكب وفضِّ الندوات بقنابل الغاز – أو حتى الرُّصَاص – وإغلاق الجسور وقطع الاتصالات وغير ذلك من أساليب قمع حرية النشاط السياسي السلمي.
وقد وَفّرَ التاريخ الانساني، العديد من الذرائع لحكّامٍ صَمُّوا آذانهم عن أصوات شعوبهم وضربوا صَفْحاً عن مطالبها وفضّلوا خداع أنفسهم، لكنّه انتهى بهم إلى مصائر بائسة لم تنفع معها محاولات الاستدراك في اللحظات الأخيرة، مثلما حدث لذلك الرئيس العربي الذي لم تنفعه عبارته الشهيرة “الآن فهمتكم”، لأنها جاءت بعد فوات الأوان وتلاشتْ وسط هدير الجموع التي أرادت الحياة، فكسرت القيد وراحت تنتزع حقّها في الحرية والسلام والعدالة وسائر شروط الوجود الكريم.
وأيّاً كان الأمر، غداً ١٩ ديسمبر، سيخرج الملايين في ملحمةٍ وطنيةٍ ليقولوا بملء أفواههم وكامل إرادتهم: لا لانقلاب ٢٥ أكتوبر ولا لاتفاق ٢١ نوفمبر.. فهل يسمعون؟!