أعلنت الحكومة الإثيوبية أن قواتها لن تتقدم داخل منطقة تيغراي التي انسحب نحوها المتمردون هذا الأسبوع، لكنها أضافت أن هذا الموقف قد يتغير إذا تعرضت “سيادة أراضي” البلاد للتهديد.
وقال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إن السلطات المختصة تمكنت من إلقاء القبض على من سماهم قادة المجموعة الإرهابية، في إشارة إلى الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي.
وكشف أن الحكومة أمرت الجيش بالبقاء في المناطق التي حُررت بعد طرد قوات الجبهة من إقليمي أمهرة وعفر.
وفي مؤتمر صحفي، قال المتحدث باسم الحكومة ليجيسي تولو إن الحكومة ستتخذ أي إجراءات ضرورية لضمان ألا يشكل الحزب الحاكم في إقليم تيغراي تهديدا.
وأضاف ليجيسي “بحسب تقييمنا الحالي، فقد تعرض العدو لضربات شديدة، ولم يعد قادرا على تنفيذ تطلعاته”.
يأتي ذلك بعد يوم من تداول أنباء عن ضربات جوية استهدفت محطة طاقة رئيسية في الإقليم المتمرد، وقالت مصادر منظمات الإغاثة لرويترز إن الكهرباء انقطعت في أنحاء ميكيلي عاصمة الإقليم بعد الضربة الجوية.
وكان متمردو تيغراي أعلنوا الاثنين انسحابهم إلى منطقتهم، تاركين أمهرة وعفر المجاورتين بعد تقدمهم فيهما في الأشهر الأخيرة، مما فتح مرحلة جديدة في هذا النزاع الدامي.
ورغم عدم تأكيد الأمر بعد، فإن انسحاب جبهة تحرير شعب تيغراي قد أحيا الأمل في بدء محادثات سلام، بعد حرب مستمرة منذ أكثر من 13 شهرا تسببت في أزمة إنسانية خطيرة.
وقال المكتب الإعلامي للحكومة الجمعة إن القوات الفدرالية سيطرت على شرق أمهرة وعفر، وتلقت أوامر “بالبقاء في المناطق الخاضعة لسيطرتنا”.
وجاء في بيان المكتب: “قررت الحكومة الإثيوبية عدم إصدار أوامر لقواتها بالتقدم أكثر في منطقة تيغراي”.
قد يعني هذا القرار توجها نحو التهدئة بعد أشهر من المعارك العنيفة التي أعلن خلالها الطرفان السيطرة على قسم كبير في الأراضي.
اغتنام الفرصة
وحثَّ أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش -بعد إعلان الأطراف- “على اغتنام هذه الفرصة ووقف الأعمال العدائية في هذا النزاع المستمر منذ عام، واتخاذ جميع الخطوات لضمان توفير المساعدات الإنسانية التي توجد حاجة ماسة إليها، وسحب المقاتلين الأجانب، ومعالجة الخلافات السياسية من خلال اتفاق موثوق به وحوار وطني شامل”.
ومن جانبه، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية دينا مفتي إن الحوار الوطني الشامل المزمع عقده قريبا، لن يشمل جبهة تيغراي المصنفة جماعة إرهابية، على حد وصفه.
وفي مؤتمر صحفي عقده بمدينة “بحر دار” في إقليم أمهرة، أشار مفتي إلى أن الحوار يهدف إلى تحقيق التوافق بشأن القضايا المختلَف عليها. وقال إن “إثيوبيا على مر التاريخ خاضت العديد من الصراعات بسبب اختلاف شعبها من عدة نواحٍ، كالاختلاف الثقافي واللغوي.. و لحل هذه الخلافات أسسنا للحوار الوطني، لذا فالحوار سيكون بين الشعوب وليس حوارا بين جبهات معينة”.
وأضاف مفتي “جبهة تيغراي مصنفة جماعة إرهابية من قبل البرلمان ولن يشملها الحوار، ولن يكون لها مكان فيه، يجب الفصل بين الحوار الوطني وجبهة تيغراي، لأن القضيتين منفصلتان”.
وقال وزير الدولة بالخارجية الإثيوبية رضوان حسين إن الحوار الوطني الشامل الذي تستعد الحكومة لإطلاقه قريبا، من شأنه أن يفضي إلى سلام دائم.
وأشار الوزير إلى أن عملية الحوار ستتوج بقرارات ومخرجات قد تحتاج إلى نوع من الاستفتاء لإجازتها من قبل الشعب.
وأوضح أن الحكومة قررت إنشاء هيئة للحوار الوطني، “ولجنة خاصة من البرلمان تعمل الآن على إقرار هيكلها ومهامها دون تدخل من السلطة التنفيذية، ويحق لكل إثيوبي الانضمام لهذا الحوار.. أعتقد أنه قد يستغرق شهورا قبل أن يتوّج بقرارات ربما تحتاج لنوع من الاستفتاء لإجازتها من قبل الشعب”.
يشار إلى أن القوات الحكومية حققت في الأسابيع الأخيرة انتصارات ميدانية ضد الحركات المتمردة التي كانت تهدد باقتحام العاصمة أديس أبابا، وأعلنت الحكومة عن هذه الانتصارات بعد وصول رئيس الوزراء آبي أحمد إلى خط الجبهة لقيادة “هجوم مضاد” في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وقالت بيلين سيوم المتحدثة باسم رئيس الوزراء إن إعلان جبهة تحرير شعب تيغراي الذي اعتبر أنه يهدف “لفتح الباب” للمساعدات الإنسانية، يستخدم في الواقع للتستر على هزائم عسكرية.
جذور النزاع الإثيوبي
وتعود جذور النزاع الحالي إلى عام 2018، عندما تولى آبي أحمد السلطة في أديس أبابا وأعلن إصلاحات سياسية.
وشملت هذه الإصلاحات تنحية قادة في الجيش والمخابرات من أبناء إقليم تيغراي، وتعيين قادة من قوميتي الأمهرة والأورومو في مواقعهم.
وتعمقت الأزمة بعد تأجيل الانتخابات التي كانت مقررة في أغسطس/آب 2020 بسبب جائحة كورونا، مما أدخل البلاد في نزاع دستوري.
واتهمت قوى المعارضة -ومنها جبهة تحرير تيغراي- آبي أحمد باستغلال الجائحة لتمديد ولايته، ونُظمت الانتخابات في الإقليم من جانب واحد في 9 سبتمبر/أيلول 2020، لكن الحكومة المركزية رفضت الاعتراف بنتائجها.
واشتدت حدة الخلاف بين أديس أبابا وجبهة تحرير تيغراي، وتحولت إلى نزاع مسلح منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2020. إثر ذلك تدخل الجيش الإثيوبي في الإقليم ونظمت فيه الحكومة المركزية انتخابات جديدة لتشكيل حكومة محلية جديدة.
وفي يونيو/حزيران 2021، استعادت جبهة تحرير تيغراي السيطرة على ميكيلي عاصمة الإقليم، وشهدت المدينة احتفالات لأنصار الجبهة، بينما أعلنت الحكومة وقفا لإطلاق النار.
وأعلنت الجبهة وحركات متحالفة معها زحفها باتجاه العاصمة أديس أبابا، لكن القوات الفدرالية حققت انتصارات ميدانية ضد المتمردين في الأسابيع القليلة الماضية، وطردتهم من مناطق مهمة كانت تحت سيطرتهم.
المصدر : الجزيرة + وكالات