سودافاكس ـ أبدى مراقبون مخاوفهم من مآلات اتفاقية سلام جوبا ومن مصير مشابه لمصير اتفاقية نيفاشا التي أدت في النهاية لانفصال جنوب السودان عن شماله، في حين ذهب آخرون إلى أن نتائج ما آلت إليه دولة جنوب السودان لا تشجع أقاليم السودان الأخرى على المطالبة بالانفصال.
ففي التاسع من يناير/كانون الثاني 2005 وقع السودانيون في الشمال والجنوب اتفاقية السلام الشامل في منطقة نيفاشا جنوبي كينيا، والتي أنهت أطول حرب أهلية في القارة الأفريقية، وانتهت الاتفاقية بالاستفتاء على حق تقرير المصير، أحد أهم بنود الاتفاقية، باختيار الجنوبيين الانفصال عن الشمال وإقامة دولتهم المستقلة.
لكن الحرب الداخلية لم تتوقف في الدولتين، لتستمر الجهود الإقليمية والدولية من أجل التوصل للسلام الداخلي، وتوّج ذلك بعد ثورة ديسمبر/كانون الثاني 2019 ضد نظام الرئيس السوداني عمر البشير بتوقيع الجبهة الثورية السودانية وحكومة الخرطوم على اتفاق سلام جوبا في أغسطس/آب 2020.
واتفق العديد من المراقبين على أن ما قاد إلى انفصال جنوب السودان هو عرقلة المؤتمر الوطني الحاكم في السودان وقتها تنفيذ بنود اتفاقية السلام الشامل، كما كان رحيل زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان جون قرنق عاملاً مفصليا في تعزيز التوجه الانفصالي لدى قادة الحركة الشعبية.
نية مبيتة
وقال المدير العام لوزارة الإعلام في جنوب السودان فيكتور بولن بابا إن قرنق كان زعيما وحدويا، وبفقدانه تولى قيادة الحركة الشعبية زعيم انفصالي هو الرئيس الحالي لدولة جنوب السودان سلفاكير ميارديت.
ولكنه استدرك في حديثه للجزيرة نت أن اتفاقية نيفاشا وضعت اللبنة الأولى لانقسام السودان بإقرارها الاستفتاء على حق تقرير المصير. ويضيف بابا أن الطرفين -الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني- كانا يبيتان النية للانفصال، وأوضح أن سياسات حكومة الخرطوم لم تكن تشجع على الوحدة بسياساتها التي كانت تحاول فرضها بالقوة على الجنوب، مما دفع الجنوبيين لاختيار الانفصال بدولتهم منتهزين فرصة أتاحتها لهم اتفاقية نيفاشا.
من ناحية أخرى، يرى رئيس الحركة الشعبية-فرع الشمال في الخرطوم يوسف أحمد المصطفى أن الحركة وبإصرار من جون قرنق استطاعت صياغة اتفاقية نيفاشا بحيث تضمن وحدة السودان، مضيفا في تصريح للجزيرة نت أن تضمين بند حق تقرير المصير في الاتفاقية جاء تحسبا من الجنوبيين لنقض المواثيق والعهود التي لازمت حكومات المركز في السودان، وعرقلة الحزب الحاكم وقتها تنفيذ بنودها، هو ما قاد الجنوبيين إلى خيار الانفصال.
ويرى مقرر المجلس القيادي للجبهة الثورية محمد زكريا أن اتفاقية نيفاشا وقعت في ظل نظام دكتاتوري، وأنها جزّأت القضية السودانية ولم تتناولها في إطار قومي شامل، بل ركزت على جنوب السودان دون سواه. وقال زكريا في تصريح للجزيرة نت إن الاتفاقية اعتمدت حق تقرير المصير ضمن خيارات أخرى لعلاج مشكلة جنوب السودان.
وقال الخبير السياسي ماهر أبو الجوخ إن اتفاقية نيفاشا تحدثت في نصوصها عن تكريس الوحدة بين الشمال والجنوب لكنها فعليا قادت للانفصال، موضحا أن المؤتمر الوطني الحاكم في السودان كان يتحدث إبان توقيع الاتفاقية عن الوحدة، ولكنه يستبطن الانفصال بدعمه التيارات الانفصالية في الشمال، مثل حزب منبر السلام الذي تبنى قضية الانفصال في أوساط الشماليين.
ظروف مختلفة
ويرى مقرر المجلس القيادي للجبهة الثورية أن اتفاق جوبا، على عكس اتفاقية نيفاشا، جاء “استجابة لإرادة الشعب وثورته المجيدة التي طالبت بالسلام والحرية والعدالة، وتتويجا لنضالات قوى الكفاح المسلح”، وقد شارك في إنتاجه حركات مسلحة وأحزاب سياسية عديدة. وأضاف أن اتفاقية جوبا أبرمت في ظروف سياسية مغايرة، وفي ظل حكومة ثورة شعبية عكس تلك التي انعقدت فيها اتفاقية نيفاشا.
ويضيف المتحدث نفسه أن اتفاق جوبا اشتمل، ولأول مرة في تاريخ السودان، على اتفاق بشأن القضايا القومية التي تهم كل السودانيين، فهو لم يتضمن حق تقرير المصير، وإنما تضمن مبدأ فدرالية الحكم والحكم الذاتي وحق التشريع لبعض الأقاليم المتأثرة بالنزاع، مشددا على أن الاتفاق ربط بين الديمقراطية وتحقيق السلام، ويقوم أساسا على خيار تعزيز وحدة السودان.
ويعتقد فكتور بولن بابا بأنه إذا مضت حكومة الخرطوم في نهجها القديم المتمثل في فرض رؤى المركز بالقوة والسلاح، فإن للحركات المسلحة مساحات وحدودا مفتوحة مع دول أخرى، و”بالتالي ستجد الدعم السياسي واللوجستي للاستمرار في حربها على المركز”. ولا يستبعد المتحدث نفسه أن تمضي مناطق مثل دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق وشرق السودان في اتجاه الانفصال، إذا وجدت الفرصة لذلك، وإذا ما استمرت سياسات هيمنة المركز.
الجبهة الثورية
ويقول رئيس الحركة الشعبية- قطاع الشمال في الخرطوم إن فصائل الجبهة الثورية لم تكن معنية بحل قضية الحرب والسلام، بل كانت معنية أكثر باستيعاب القوات العسكرية في الجيش أو تسريحهم وتعويضهم، وكذلك معنية باستيعاب السياسيين في الوظائف الدستورية. وأشار إلى أن عدم تحقيق ذلك قد يقود لتجدد الحرب، لأنه ليس هناك خيار حق تقرير المصير في اتفاقية جوبا.
ويضيف يوسف أحمد المصطفى أنه في تاريخ مناطق جبال النوبة وبقية المناطق وتطورها السياسي، لم تكن هناك مطالب بالانفصال عن السودان، على عكس جنوب السودان الذي ظهرت فيه الأصوات المطالبة بالانفصال منذ تمرد العام 1955، مشددا على أن الحركة الشعبية- قطاع الشمال مصرة على إحداث تغيير حقيقي في السودان من خلال طرحها قضايا فصل الدين عن الدولة وإعادة النظر في موضوع الهوية.
الجزيرة