سودافاكس ـ العنوان أعلاه مثل سوداني شائع وعظيم الدلالات، ويعني أن القلم أي التعليم وعلى وجه التحديد القدرة على القراءة والكتابة قد لا تزيل «البلم» الذي هو البله والغباء والعبط وسوء التقدير، وتأسيسا على هذا المثل استعيد اليوم حكاية الفرنسي الذي اضطر إلى حرق جثماني أمه وأبيه بعد أن «باظت» الثلاجة؟ وأصل الحكاية أن الزوجين أوصيا بحفظ جثتيهما في ثلاجة على درجة حرارة معينة بعد وفاتهما على أمل أن ينجح الطب في تاريخ لاحق في إعادة بث الحياة فيهما، وكانت الزوجة قد توفيت أولا فوضعها زوجها في الفريزر، ولحق هو بها بعد أربع سنوات، فوضعه ولده في نفس الفريزر مع أمه، في انتظار توصل العلم إلى طريقة يتم بها وضع الميت المجمد في مايكروويف لـ«يسيح» ويعود إلى الحياة، وبعدها بعدة سنوات انقطع التيار الكهربائي عن البيت وبالتالي عن الفريزر ساعات طويلة، ما جعل الجثتين تذوبان وتتعرضان للتلف، فما كان من الابن إلا أن قام بحرق جثماني والديه منعا لتحللهما وتعفنهما. العجيب في الأمر أن الزوج الذي سبقته زوجته إلى الموت كان يعرض جثمانها المثلج على الزوار والسياح نظير مبلغ معلوم، وأوصى ابنه أيضا بأن يجعل جثمانه هو أيضا «فُرجة» للسياح إلى حين حدوث المعجزة الطبية (قبل يوم القيامة!!) وبث الحياة فيهما مجددا. ولا تسألني: أين كانت الشرطة والسلطات الأمنية الفرنسية، وهناك اتجار بالبشر وهو أموات.
ويقولون لنا إن الغربيين عقلانيون ويتعاملون مع الموت بعقلانية لكونه مصيرا حتميا لكل ابن آدم، ومن ثم لا يبكون موتاهم كما نفعل نحن الشرقيون «العاطفيون». دعونا من الفرنسيين وتعالوا نقرأ (معليش للمرة الـ567 بعد الألف)، حكاية رجل مسلم حسبما يفيد اسمه هو محمد الفايد المليونير المعروف وصاحب فندق الريتز في باريس وحتى قبل سنوات، محلات هاردوز في لندن، حيث كيلو اللحم العجالي بنحو 65 دولارا أمريكيا. فعندما نجح إيان ويلموت في أحد معاهد البحوث في اسكتلندا (هكذا ينبغي أن تُكتب أي بدون ألف قبل السين، مع بذل الجهد لجعل السين ساكنة) عندما نجح في استنساخ النعجة دوللي، وطرح العلماء إمكان استنساخ البشر كان الفايد أول من قال انه يريد استنساخ نفسه كي يعيش دورة حياة جديدة. والفايد بكل ثروته الهائلة ورغم السنوات الطويلة التي قضاها في الغرب «العقلاني» لا يفهم أنه حتى لو نجح في استنساخ نفسه فإن الفايد المستنسخ لن يكون «هو»، إلا من حيث الشكل. يعني لا سبيل إلى الخلود المنشود فقد يكون المستنسخ أكثر رجاحة عقل من الأصل أو أكثر بلها، بحسب الظروف التي يمر بها وبحسب الأحداث التي تسهم في تشكيل الشخصية.
بعض الأغنياء يأتون أفعالا تدل على قلة العقل، فقد اشترى أحدهم لوحة نساء الجزائر للرسام الاسباني بابلو بيكاسو بـ180 مليون دولار، فهل كان سيدفع واحدا على الألف من هذا المبلغ للزواج بامرأة حية من الجزائر؟ واشترى آخر لوحة مخلص العالم للرسام سلفاتور مندي بـ450 مليون دولار، ومن يدفعون تلك المبالغ الفلكية في اللوحات الفنية يفعلون ذلك بغرض احتكارها أي لعرضها فقط في بيوتهم وليس في متاحف بحيث تكون متاحة لمحبي الفنون التشكيلية، أي أنهم يسارعون إلى بذل المال ليس حبا في الفنون بل على سبيل التباهي (مثل المليونير الذي عرض ملايين الدولارات على ممثلة آسيوية تعمل في الأفلام الفاضحة نظير تناول وجبة العشاء معه، ولكنها أثبتت أنها «محترمة» ورفضت العرض) ولكن الفايد «غير».. شكل تاني.. فقد أعلن أنه لا يريد لجثمانه أن يدفن أو يحرق، بل ان يتم تحنيطه (ربما على أمل أن يتم وضعه في متحف مع خوفو وأمون ونفرتيتي)، أي أنه مستعد لفعل وقول كل شيء ليظل في دائرة الضوء ويحسب انه بأمواله قادر على أن يقهر الموت: طيب يا فايد نشوف، والأيام بيننا! ولعلمك فالنعجة دوللي التي اتخذت منها مثلا أعلى شبعت موتا في 14 فبراير 2003، ومع هذا سيظل التاريخ يذكرها على مر عصور كثيرة بينما أشك في أن يكون هناك من يريد أن يرى ميتا محنطا لم يقدم للبشرية خدمة ولم يرتبط اسمه بإنجاز يهم البشرية.