جعفر عباس : الشحوم في الطعام الملغوم

أتحدى‭ ‬من‭ ‬يزعم‭ ‬أنه‭ ‬قرأ‭ ‬لي‭ ‬سطرا‭ ‬واحدا‭ ‬أتباهى‭ ‬فيه‭ (‬على‭ ‬نحو‭ ‬جدي‭)‬،‭ ‬بإنجاز‭ ‬أو‭ ‬عمل‭ ‬ما،‭ ‬ما‭ ‬عدا‭ ‬البقاء‭ ‬والصمود‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬الثالثة‭ ‬والثلاثين،‭ ‬ولكنني‭ ‬سأتباهى‭ ‬اليوم‭ ‬بأعلى‭ ‬صوتي‭ ‬بأنني‭ ‬لا‭ ‬أجامل‭ ‬أحدا‭ ‬في‭ ‬أمور‭ ‬صحتي‭ ‬أو‭ ‬بالأحرى‭ ‬في‭ ‬أمور‭ ‬طعامي‭ ‬وشرابي‭: ‬أتيتك‭ ‬ضيفا‭ ‬وقدمت‭ ‬لي‭ ‬مشروبا‭ ‬غازيا‭ ‬من‭ ‬فئة‭ ‬الكولا؟‭ ‬شكرا،‭ ‬فأنا‭ ‬ممتنع‭ ‬طوعا‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬مشروب‭ ‬حرام‭ ‬أو‭ ‬حلال‭ ‬داخل‭ ‬زجاجة‭ ‬أو‭ ‬علبة‭ ‬معدنية‭ ‬أو‭ ‬بلاستيكية،‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬أمانع‭ ‬في‭ ‬شرب‭ ‬عصير‭ ‬الفواكه‭ ‬المغشوش‭ ‬لأنني‭ ‬أعرف‭ ‬أن‭ ‬نسبة‭ ‬منه‭ ‬ولو‭ ‬ضئيلة‭ ‬مفيدة‭ ‬للصحة‭! ‬تدعوني‭ ‬إلى‭ ‬عشاء‭ ‬سيمتد‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬منتصف‭ ‬الليل؟‭ ‬مش‭ ‬جاي‭. ‬فأنا‭ ‬لا‭ ‬أضع‭ ‬طعاما‭ ‬صلبا‭ ‬في‭ ‬فمي‭ ‬بعد‭ ‬التاسعة‭ ‬مساء‭! ‬تحلف‭ ‬علي‭ ‬بالطلاق‭ ‬كي‭ ‬أتناول‭ ‬قطعة‭ ‬الكنافة‭ ‬الثالثة؟‭ ‬طلق‭ ‬مثنى‭ ‬وثلاث‭ ‬ورباع،‭ ‬ولا‭ ‬تنس‭ ‬أن‭ ‬تدعوني‭ ‬عندما‭ ‬ترد‭ ‬زوجتك‭/ ‬زوجاتك‭ ‬أو‭ ‬تتزوج‭ ‬بأخرى‭ (‬تذكرت‭ ‬ذلك‭ ‬الذي‭ ‬تزوج‭ ‬بواحدة‭ ‬ليس‭ ‬بها‭ ‬مسحة‭ ‬من‭ ‬جمال‭ ‬فوق‭ ‬زوجته‭ ‬الأولى‭ ‬الجميلة،‭ ‬وبرر‭ ‬ذلك‭ ‬بأن‭ ‬الثانية‭ ‬هذه‭ ‬للحلفان‭ ‬بالطلاق‭)‬،‭ ‬المهم‭ ‬أنني‭ ‬لن‭ ‬أجاملك‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬وليمة‭ ‬الزواج‭ ‬بأكل‭ ‬أشياء‭ ‬قررت‭ ‬الامتناع‭ ‬عنها‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭. ‬

دعوتني‭ ‬إلى‭ ‬الغداء‭ ‬ووضعت‭ ‬أمامي‭ ‬خروفا‭ ‬كاملا‭ ‬فوق‭ ‬عشرة‭ ‬كيلوغرامات‭ ‬من‭ ‬الرز،‭ ‬ثم‭ ‬أكرمتني‭ ‬بقطع‭ ‬ضخمة‭ ‬تنز‭ ‬شحما؟‭ ‬شكر‭ ‬الله‭ ‬سعيك‭ ‬ولكنني‭ ‬لن‭ ‬أدخل‭ ‬قطعة‭ ‬لحم‭ ‬فيها‭ ‬أي‭ ‬درجة‭ ‬من‭ ‬البياض‭ ‬في‭ ‬فمي‭. ‬يا‭ ‬عزيزي‭ ‬حتى‭ ‬اللحوم‭ ‬التي‭ ‬نسميها‭ ‬حمراء‭ ‬ملغومة‭ ‬بالدهون‭ ‬فلا‭ ‬تغلب‭ ‬حالك‭ ‬معي‭ ‬وتقدم‭ ‬لي‭ ‬لحما‭ ‬مكسوا‭ ‬بالشحم‭!! ‬وأتحدى‭ ‬من‭ ‬يزعم‭ ‬أنه‭ ‬رآني‭ ‬اشتري‭ ‬حلويات‭ ‬شرقية‭ ‬لعائلتي‭!! ‬أشتري‭ ‬بقلاوة‭ ‬وكنافة‭ ‬وبسبوسة‭ ‬عمدا‭ ‬ومن‭ ‬حر‭ ‬مالي؟‭ ‬مستحيل‭!! ‬أما‭ ‬إذا‭ ‬وجدتها‭ ‬أمامي‭ ‬في‭ ‬مناسبة‭ ‬ما‭ ‬فإنني‭ ‬أتناول‭ ‬منها‭ ‬قطعة‭ ‬أو‭ ‬ثلاثة،‭ ‬وقد‭ ‬يحدث‭ ‬ذلك‭ ‬مرتين‭ ‬أو‭ ‬أربعا‭ ‬في‭ ‬السنة‭.‬

 

وما‭ ‬أود‭ ‬أن‭ ‬أؤكده‭ ‬هو‭ ‬أنني‭ ‬لست‭ ‬من‭ ‬النوع‭ ‬الذي‭ ‬يحسب‭ ‬السعرات‭ ‬الحرارية‭ ‬في‭ ‬الطعام،‭ ‬ولكنني‭ ‬أعاف‭ ‬الشحوم‭ ‬والدهون‭. ‬وأحب‭ ‬الحلويات‭ ‬كثيرا‭ ‬و«أموت‮»‬‭ ‬في‭ ‬الآيسكريم،‭ ‬ولكنني‭ ‬لست‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬لـ«أموت‮»‬‭ ‬بسبب‭ ‬الآيسكريم،‭ ‬ولا‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬نظري‭ ‬أشهى‭ ‬من‭ ‬التمر‭ ‬ولكنني‭ ‬تعلمت‭ ‬مؤخرا‭ ‬‮«‬ضبط‭ ‬نفسي‮»‬‭ ‬فلا‭ ‬أتناول‭ ‬إلا‭ ‬قطعا‭ ‬معدودة‭ ‬من‭ ‬التمر‭ ‬يوميا‭. ‬وكثيرا‭ ‬ما‭ ‬أوصف‭ ‬بأنني‭ ‬قليل‭ ‬الذوق‭ ‬خاصة‭ ‬عندما‭ ‬أكون‭ ‬ضيفا‭ ‬واعتذر‭ ‬عن‭ ‬تناول‭ ‬أصنافا‭ ‬معينة‭ ‬تعرض‭ ‬عليّ،‭ ‬ولكنني‭ ‬أرفض‭ ‬أكل‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬أستسيغه‭ ‬بكل‭ ‬تهذيب‭.‬

 

وما‭ ‬أود‭ ‬التنبيه‭ ‬إليه‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬السمنة‭ ‬أصبحت‭ ‬وباء‭ ‬بين‭ ‬جيل‭ ‬الصغار‭ ‬بسبب‭ ‬إدمانهم‭ ‬الوجبات‭ ‬السريعة،‭ ‬وفي‭ ‬وقتنا‭ ‬الراهن‭ ‬يموت‭ ‬عشرة‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬بسبب‭ ‬تعقيدات‭ ‬مرض‭ ‬السكري‭ ‬وذوي‭ ‬الأوزان‭ ‬الزائدة‭ ‬هم‭ ‬الأكثر‭ ‬عرضة‭ ‬للسكري‭ ‬وأمراض‭ ‬القلب‭ ‬والشرايين،‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬البديل‭ ‬لتلك‭ ‬الوجبات؟‭ ‬الكبسة؟‭ ‬المنسف؟‭ ‬الكسكسي؟‭ ‬الكوارع؟‭ ‬الثريد‭/‬الفتة؟‭ ‬المندي؟‭ ‬أم‭ ‬علي؟‭ ‬القطايف؟‭ ‬وجميعها‭ ‬أكلات‭ ‬ملغومة‭ ‬بعناصر‭ ‬تفتك‭ ‬بالأوردة‭ ‬والشرايين‭ ‬والأمعاء‭! ‬وبقية‭ ‬الأكلات‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬أورد‭ ‬أسماءها‭ ‬تطبخ‭ ‬أو‭ ‬تحمر‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الزيت‭ ‬مضافا‭ ‬إليه‭ ‬تشكيلة‭ ‬من‭ ‬البهارات‭ ‬تجعل‭ ‬الغازات‭ ‬تخرج‭ ‬عبر‭ ‬الأذن‭ ‬والأنف‭ ‬والحنجرة‭!!

‬والشاهد‭ ‬هو‭ ‬أننا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬حملة‭ ‬طبية‭ ‬توعوية‭ ‬تقول‭ ‬لنا‭ ‬صراحة‭ ‬إن‭ ‬معظم‭ ‬أكلاتنا‭ ‬الشعبية‭ ‬رغم‭ ‬حلاوتها،‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬خطرا‭ ‬على‭ ‬الصحة‭ ‬عن‭ ‬الشيشة‭.. ‬ومن‭ ‬المضحكات‭ ‬المبكيات‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يزعم‭ ‬أنه‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬حجر‭ ‬شيشة‭ ‬كي‭ ‬يهضم‭ ‬وجبة‭ ‬دسمة‭ ‬وغيره‭ ‬يقول‭ ‬إنه‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬كولا‭ ‬كي‭ ‬يهضم‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬الوجبة‭.. ‬يا‭ ‬عزيزي‭.. ‬أولا‭: ‬لو‭ ‬أكلت‭ ‬قدر‭ ‬طاقة‭ ‬بطنك‭ ‬فإنها‭ ‬ستتولى‭ ‬بنفسها‭ ‬عملية‭ ‬الهضم‭ ‬بكفاءة،‭ ‬وثانيا‭: ‬لماذا‭ ‬تكبس‭ ‬بطنك‭ ‬حتى‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مساعدة ‭‬خارجية‭ ‬للهضم؟

‭ ‬ثالثا‭: ‬الشيشة‭ ‬تدخل‭ ‬الرئة‭ ‬ولا‭ ‬يوجد‭ ‬دليل‭ ‬علمي‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الرئة‭ ‬تلعب‭ ‬دورا‭ ‬في‭ ‬الهضم‭ ‬ورابعا‭: ‬الكولا‭ ‬تسبب‭ ‬عسر‭ ‬الهضم‭ ‬وشربها‭ ‬بعد‭ ‬وجبة‭ ‬شعبية‭ ‬مشبعة‭ ‬بالدهون‭ ‬والنشويات‭ ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬محاولة‭ ‬إطفاء‭ ‬نار‭ ‬في‭ ‬زيت‭ ‬مشتعل‭ ‬بصب‭ ‬الماء‭ ‬عليها‭.‬

 

Exit mobile version