سودافاكس ـ ظللت نحو عشرين سنة أعاني من «صداع الجمعة»، لاقترانه بالعطلة الأسبوعية التي كانت وحتى قبل سنوات قليلة يوما واحدا فقط، هو الجمعة. ولكن ما أن صارت العطلة يومي الخميس والجمعة حتى اختفى صداع الجمعة، وحل محله صداع الخميس. ثم صارت العطلة الأسبوعية يومي الجمعة والسبت فاسترد صداع الجمعة موقعه بجدارة.
ولاحظت أيضا أن اليوم الأول من أي عطلة، عامة كانت أم عارضة أم سنوية يأتيني بالصداع، فاقترح علي أفراد أسرتي أن أحصل على عمل خلال العطلات، لأن إصابتي بالصداع خلال العطلات دليل على أنني «مش وش نعمة بل وش بهدلة»، المهم، حاولت إيجاد تفسير منطقي لإصابتي بالصداع في أيام معينة: طيب أنا لا أحشش، ولا أشرب الخمر، ولا أشرب القهوة ليلا أو نهارا – خصوصا القهوة العربية التي من دون سكر والتي شربتها مرة بالتمر فطارت حشوة دفعت فيها الشيء الفلاني من أحد أضراسي- حتى الوجبات المسائية التي أتناولها لا تتغير:
غالبا فول بزيت السمسم لأنه يحوي بنجا طبيعيا يساعد على النوم، ويسبب الخرف المبكر! ثم جلست أفكر: هل أنت فعلا يا أبو الجعافر «مش وِش نعمة» ومن ثم فإن الإجازات تسبب لك وجع الرأس؟ تذكرت أمرا مهما وهو أنني «أزود» عيار النوم حبتين في العطل والإجازات! وهكذا جربت أن أصحو من النوم في المواعيد المبكرة المعتادة أيام العطل، وكانت النتيجة مدهشة
. اختفى الصداع. يعني: كان الصداع ناتجا عن خلل في برمجة جسمي، وكان منشأ الخلل هو النوم ساعات إضافية. ولم أخبر أحدا باستنتاجي الغريب هذا، إلى أن قرأت كلاما يفيد بأن استنتاجي صحيح، في مواد نشرتها الصحف البريطانية خلال فعاليات أسبوع التوعية بالصداع النصفي migraine awareness week حيث جاء أن الراحة مدة لم يعتدها الجسم قد تسبب الصداع تماما كما الإجهاد. ومن يصحو متأخرا في أيام العطلات، يغير برنامج النوم ومواعيد الإفطار، والشاي، مما يربك الروتين الذي اعتاد عليه الجسم..
وعانيت قبل سنوات من ألم شديد في الرسغ الأيسر ولجأت الى أطباء العظام والجهاز العصبي، وجماعة أمراض النساء والولادة (لأن شخصا حاقدا قال لي إن ذلك قد يكون من أعراض بلوغ سن اليأس) فلم يكتشفوا سر العلة، ثم جلست أفكر: لماذا الألم في اليد اليسرى وليس في اليمنى، رغم أن كليهما من مواليد نفس اليوم والشهر والسنة؟ ثم صحت: يوريكا. وجدتها. وهو أن المسافة بين الفتحة اليسرى لمكيف السيارة والكف، لا تزيد على 20 سنتيمترا، مما يجعل هواء المكيف يضرب في الرسغ مباشرة، واليد اليسرى لا تبارح عجلة القيادة مطلقا بينما قد نستخدم اليمنى لتغيير ناقل السرعة أو استخدام الموبايل أو نتركها مرتاحة بعيدا عن تلك العجلة، وهكذا عطلت فتحة التكييف اليسرى في السيارة وبدأ الألم في التلاشي إلى أن زال تماما.
ولو حاول الواحد منا إيجاد تفسيرات لإصابته بأمراض معينة، قد يجد المفاتيح التي قد تغنيه عن زيارة الطبيب او تعين الطبيب على التشخيص الصحيح ووصف الدواء المناسب.. خذ مثلا التهاب القولون الذي يعاني منه نحو 80% من بني البشر، والذي حصلتُ فيه على الدكتوراه الفخرية بعد أن صرت مرجعا وحجة فيه.. بنصيحة من الأطباء صرت أراقب نفسي: متى يهيج قولوني ويصدر تلك الأصوات المنكرة ثم يثور كالتسونامي ويفضحني و«يفشلني» ويجعلني انطوائيا خاصة بعد الوجبات؟.. واكتشفت أن قولوني يشوف العمى ولا يشوف الملوخية، مما يدل على أنه قولون متحضر، فالملوخية تحتوي على ألياف سيليولوزية تعجز معدة الجمل عن هضمها.. وهكذا حرمت نفسي منها رغم اقتناعي بأنها من أشهى الأكلات، وأتناولها بين الحين والآخر بعد قراءة المعوذتين وتناول مضادات التهاب القولون، ثم اكتشفت أنني أعاني من حساسية الألبان ومشتقاتها فتجنبتها، وشيئا فشيئا صارت عندي قائمة سوداء للمأكولات، ثم زودني طبيب حاقد بقائمة أخرى للأطعمة الممنوعة: البصل (اوكي نو بروبليم)، والباذنجان (قلت: ما يخالف وعموما فنحن في السودان نسميه براطيش) ولكنه أضاف إليها التمر الرطب والبطيخ والبرتقال والطماطم! والتزمت على مضض بتوجيهاته، (في ما عدا الامتناع عن تناول التمر) وصار قولوني أكثر هدوءا، ومحترما بعض الشيء ولا يحرجني في الأماكن العامة.
المهم يا عزيزي هو أن رصد الأشياء التي تسبب لك الصداع أو العطس أو ضيق التنفس أو التسونامي الهضمي، قد يغنيك هذا عن اللجوء إلى الطبيب.