جعفر عباس : عشيقات افتراضيات وعشراقات

سودافاكس ـ عندما بدأت كتابة الأعمدة الصحفية، كانت رسائل القراء المكتوبة بخط اليد تصلني عبر البريد فأفرح بها كثيرا، وكنت أعرضها على أم الجعافر فتطرب لها حتى لو كانت “نسائية”، ثم مد الله في أيامي وصار عندي بريد الكتروني تصلني رسائل القراء عبره، ولسنوات كان من عادتي طباعة الرسائل الالكترونية التي تردني من القراء والاحتفاظ بها في ملفات.

كنت وما زلت اعتبر تلك الرسائل أكبر مكافأة أنالها من العمل الصحفي، وكنت أضع تلك الملفات حيثما اتفق في غرفة النوم. ثم صرت لا أجد في نفسي الشجاعة لفتح بريدي الالكتروني إلا وزوجتي على بعد مسافة تجيز قصر الصلاة!! لماذا؟ ذات مرة وزوجتي تجلس الى جواري لأقرأ عليها نص رسالة تخصها وردت على بريدي، وجدت رسالة عنوانها “أحبك يا أحلى أبو الجعافر” وكان المرسل امرأة كما هو واضح من العنوان الذي وردت منه الرسالة. صارت عينا أم المعارك في حجم عيني البومة، وقرأت ما تيسر من “يس” وفتحت الرسالة وكان نصها ما معناه “أنت أحب الكتاب الصحفيين الى قلبي، و”أحب” مقالاتك،.

يعني لم تكن هناك كلمة واحدة في متن الرسالة تنم عن حب لشخصي، ومع هذا فقد اعتبرت زوجتي كاتبة الرسالة قليلة أدب متسائلة: ليه ما خلت العنوان: أنت كاتبي المفضل أو حتى المحبوب؟ قلت لها أن وصف صاحبة الرسالة لي بأنني أحلى أبو الجعافر إساءة لي أكثر من كونه غزلا، لأن كون ابو الجعافر أحلى من نفسه ذم بما يشبه المدح.

ثم ظهر فسيبوك الجن، وأنشأ فيه عدد من قرائي السودانيين صفحة اسمها “عشاق كتابات جعفر عباس”!! وصار أعضاء المجموعة يسمون أنفسهم “العشاق”، وفي مناسبة اجتماعية في الخرطوم وزوجتي تجلس بالقرب مني تقدمت نحوي فتاتان وبعد التحية قالت إحداهما لزوجتي: نحن من عشاق ابو الجعافر!! كدت أصيح فيها: يا رب عشراقة تجيب أجلِك، والعشراقة هي الفواق اي الزغطة أبو الشهيق. وكانت الأقدار رحيمة بي لأن بعض قريبات زوجتي صافحن البنتين وهن يصحن: يا سلام .. فرصة طيبة.. نحن أيضا من قروب “العشاق” ونعرفكما بالاسم والصورة والحمد لله التقينا في ساعة خير
وكانت ابنتي مروة في تلك اللحظة في حالة سخاء عاطفي وشرحت لماما حكاية قروب العشاق وفيسبوك وأن بابا ليس له يد فيما يكتب في تلك الصفحة.

ثم ختمت شرحها بالقول: ما في واحدة عاقلة تعشق بابا العشق اللي في بالك يا ماما!! ورغم التجريح الظاهر في هذا الكلام فقد ابتسمت لمروة بصدق وقدمت لها هدية في اليوم التالي.

وكيف لا وقد انقذتني من سين وجيم كان سيستغرق اسبوعا يتم فيه الاستعانة بخبير محايد لفتح تلك الصفحة في فيسبوك وقراءة محتوياتها لإبراز دليل براءتي من العشق والتعشيق الالكتروني
وتذكرت تلك البنت المسكينة التي كانت تستخدم الكمبيوتر ثم تركته مفتوحا وتوجهت الى الثلاجة لتتناول كوب ماء، ومصادفة ألقى أبوها نظرة على الكمبيوتر واكتشف انها تلقت رسالة تقول: يا سلام بوستك أمس وأول أمس في منتهى الروعة.

فغادر المكان ثم عاد متسلحا بعصا وامسك بالبنت في أذنها وقال لها أقرئي هذه الرسالة، وعلى الفور فهمت البنت منشأ سوء التفاهم وصاحت: هو يتكلم عن البوست بتاعي، بوست يا ابوي آخرها تاء؛ يعني المنشور
(ولأسباب مفهومة فأم الجعافر محظورة من فيسبوك)

 

Exit mobile version