خلل الميزان التجاري بالسودان … إنخفاض متوسط دخل الفرد الحقيقي بالسودان من ١٧٦٠ دولاراً في ٢٠١٥ إلى   ٣١٤ دولاراً في ٢٠٢١

ستهجن وزير المالية د.جبريل إبراهيم خلال ورشة مؤخراً عن الصادرات إمتلاك البلاد مقومات كثيرة بينما يعاني الشعب من الجوع والفجوة الغذائية والعجز في الميزان التجاري ،تحدث في تصريحات سابقة  بهذه العبارات قائلاً ” ربنا حبانا بخيرات ليس لها أول ولا آخر ولم يبق إلا وأن يمطر علينا ذهباً من السماء ”  مستنكراً العجز المستمر  ولعل مثل هذه التصريحات من قبل مسؤولين بالدولة تؤكد وجود خلل ما خاصة من المسؤول  الأول من حالة الخلل نفسه ولا سيما وزير المالية ، هذا الأمر يحتاج إلى حلول جذرية للمعوقات التي تواجه الصادرات السودانية من أجل تعزيز القدرات التنافسية في الأسواق العالمية .

وعلى خلفية العجز المستمر في الميزان التجاري الذي كشف عنه الموجز الإحصائي للتجارة الخارجية الذي أصدره بنك السودان المركزي وغطى حركة التجارة في الفترة من يناير إلى سبتمر ٢٠٢١ م . (الإنتباهة ) أجرت استطلاعاً مع ذوي الشأن الإقتصادي والخبراء حول تأثير إختلال الميزان التجاري وميزان المدفوعات على آداء الإقتصاد.
التجارة الخارجية
وكان الموجز الإحصائي للتجارة الخارجية فى الفترة من يناير حتى سبتمبر 2021م مؤخراً كشف عن العجز فى الميزان التجاري  بلغ  2.5 مليار دولار، حيث بلغ إجمالي الصادرات لنفس الفترة حوالى 3.2 مليارات دولار، فى حين بلغت  الواردات 5.7 مليار  دولار، واستعرض الموجز الإحصائي للتجارة الخارجية الصادر عن بنك السودان المركزي، قيمة العائد من الصادرات السودانية في التسعة أشهر من العام الجاري، إذ بلغت من الذهب  1.5 مليار دولار ، الماشية 395 مليون دولار السمسم 339 مليون دولار، القطن 110 ملايين دولار، الصمغ العربي 92 مليون دولار، أما قيمة الواردات فبلغت من سلع مصنعة قيمة 1.1 مليار دولار والآلات والمعدات بقيمة 1.1 مليار دولار القمح والدقيق حوالي  385 مليون دولار، السكر 344 مليون دولار، مواد غذائية أخرى بحوالي 413 مليون دولار، وسائل النقل حوالي 520 مليون دولار.

أرقام غير دقيقة

ويقول الخبير الإقتصادي د. محمد الناير الواضح أن عام ٢٠٢١م حتى الآن لم تكن الأرقام فيه دقيقة بصورة كاملة خاصة في نسبة الصادرات تقريباً بحوالي 5 مليارات دولار والواردات أكثر من 6 مليارات دولار ، مردفاً بأن هناك حديثاً بأن العجز فقط   1.97 مليار دولار ، واستنكر الناير خلال حديثه لـ(الإنتباهة) أمس  قائلاً ” لايعقل أن ينخفض العجز  من حوالي 5 إلى 4 مليارات دولار سنوياً إلى هذا المعدل بإعتبار أن هناك عواملاً أخرى أسبابها غير طبيعية منها رفع الدولار الجمركي ، بصورة كبيرة في العام الماضي مما أدى إلى الإحجام عن الاستيراد وبالتالي فإن هذه المؤشرات غير حقيقية وأردف هذه بنيت عليها موازنة 2022م بإعتبار أن حجم العجز  في الميزان التجاري في الموازنة الجديدة    1.6 مليار دولار ، وأضاف  لا أعتقد أن يكون هذا الأمر حقيقياً خاصة في ظل المشهد الآن في ظل ضعف الإنتاج والإنتاجية والأزمة الروسية الأوكرانية وإرتفاع تكلفة الاستيراد على السلع الأساسية والضرورية، لا أعتقد أن ما تم في وضع (هش) في العام الحالي فيما يخص الصادرات والواردات وعجز الميزان التجاري دقيق وفقاً للتطورات التي تشهدها البلاد والمنطقة الإقليمية والعالمية.

إختلالات

وفي السياق ذاته عرج الخبير الإقتصادي د. وائل فهمي قائلاً أن الإختلالات الخارجية هي إختلالات لا يمكن التحكم فيها إلا من خلال السياسات الإقتصادية الوطنية بالداخل وليس من الخارج كما أثبتت العقود السابقة وما تثبته بشكل جلي للغاية من توقف التعامل مع السودان بعد أحداث ٢٥ أكتوبر وحتى تاريخه.
وتنعكس أهمية المساهمة السلبية للإختلالات الخارجية ليس فقط في تفاقم، ليس فقط في أزمات الديون الخارجية بل أيضاً، في تدهور سعر الصرف الذي ينعكس بدوره في أسعار الواردات ومنها وبصورة مضاعفة إلى المستوى العام للأسعار عبر مدخلات الإنتاج المستوردة. والسودان يعتمد على ٩٥% في إنتاجه واستهلاكه على الواردات حسب بعض المصادر.
مشيراً إلى إرتفاع المستوى العام للأسعار (بالجنيه السوداني) يؤثر سلبياً على الآداء الإنتاجي للإقتصاد. حيث يؤدي الإرتفاع المتواصل للمستوى العام للأسعار إلى استمرار إضعاف القوة الشرائية للجنيه السوداني (أي الطلب الفعلي) بما ينعكس في إضعاف النمو الإيجابي للإنتاج القومي أولاً، ثم مروراً بكل من حالة الركود والكساد إلى حد دخوله مرحلة إنكماش حجمه وذلك بمقياس متوسط دخل الفرد الحقيقي. فتزداد البطالة وتتسع قاعدة الفقر والهروب لرؤوس الأموال بما يفاقم من الإختلالات الخارجية وتدهور سعر الصرف.
دخل الفرد
ولفت وائل قائلاً ” بحسب المصادر الدولية، وفي ظل استمرار تفاقم الإختلال الخارجي ومعه سعر صرف الجنيه السوداني وتفاقم أزمة التضخم الجامح (أي تواصل إرتفاع المستوى العام للأسعار بالداخل بمستويات جامحة)، خاصة منذ إنفصال الجنوب، فأن متوسط دخل الفرد الحقيقي من الدخل القومي قد إنخفض من ١٧٦٠ دولاراً في ٢٠١٥ إلى ٥٤٠ دولاراً في ٢٠١٩ إلى ٣١٤ دولاراً في ٢٠٢١م. إلى جانب استمرار تفاقم الديون الخارجية الناتجة عن استمرار إحتياج السودان للمعونات والمنح والقروض والاستثمارات الأجنبية.
وهذه المساهمات السلبية المضاعفة للإختلالات الخارجية طبعاً ليس الوحيدة ولكن لا يمكن علاجها إلا من الداخل بسياسات إقتصادية كلية متعددة ومتشابكة ومتكاملة.

خلل مستمر
وأوضح المستشار الزراعي  حامد عبداللطيف عثمان أن الميزان التجاري أو التوازن التجاري
( Balance of trade )
هو الفرق بين قيمة واردات وصادرات البلد ؛ بل يعتبر الميزان التجاري من المؤشرات الإقتصادية الهامة الدولة على استقرار الإقتصاد و توازنه أو إختلاله و تدهوره ، وقال في حديثه لـ( الإنتباهة ) ظل السودان ولسنوات طويلة يعاني إختلالاً مريعاً و مرعباً و مخيفاً بين صادرات السودان والتي لا تتعدى 4 مليارات دولار في أفضل الظروف والحالات و بين الواردات التي تفوق 9 مليارات دولار و ذلك كل عام
وجزم بأن الخلل الإقتصادى الكبير ظل يئن وينوء به السودان دون السعي الجاد لإيجاد معالجات بنيوية أساسية يمكن أن تقود إلى تخفيض هذا العجز الكبير بين الصادرات والواردات ،  حيث تفوق نسبة الواردات الضعف و أكثر من ذلك كل عام بينما يتدهور مستوى الصادرات و العائد من تلك الصادرات إلى أقل من سابقه و ذلك بسبب عدة عوامل يمكن أن نذكر بعضاً منها على سبيل المثال لا الحصر و ينحصر ذلك في السياسات الإقتصادية الخاطئة تجاه الصادرات قبل الواردات و ذلك بسبب اللجوء إلى تصدير المواد الخام للمنتجات الزراعية و الحيوانية و عدم اللجوء إلى الاستفادة من الصناعات التحويلية التي يمكن أن تضيف قيمة مضاعفة  للصادرات ؛ أيضاً ليس هناك رقابة ولا متابعة لعودة عائد الصادر إلى بنك السودان بل يمكن استغلال عائد الصادر من قبل المصدرين في توريد واردات خارج نطاق سياسة بنك السودان و خارج نطاق مواصفات وزارة التجارة ..
الواردات السودانية في غالبها واردات غير ضرورية ولا تقتصر ولا تلتزم بساسيات الوارد التي تقرها و تعتمدها وزارة التجارة الخارجية .
تقصير الفارق الكبير و البون الشاسع في الميزان التجاري بين الصادرات و الواردات يعتمد في الأساس على تحسين مستوى الإنتاج و على تحسين جودة المنتج المنافس للأسواق العالمية و كذلك إنشاء مصانع للصناعات التحويلية التي ترفع من قيمة المنتج الخام ..
كل ذلك لا يتأتى إلا بدعم قطاعات الإنتاج الزراعي و الحيواني و دعم مدخلات الإنتاج و تشجيع المنتج على الإنتاج.
واضاف لابد من وضع سياسة استيراد واضحة و صارمة تمنع استيراد كل السلع غير الأساسية وغير الضرورية و التي تعمل على إحداث فجوة كبيرة في الميزان التجاري.
وأردف ما لم تكن هناك سياسة صادر صارمة تلتزم بإعادة الصادر إلى بنك السودان مع تحسين جودة الصادر و إضافة قيمة مضافة للصادر بالصناعات التحويلية مع دعم  الإنتاج و الصناعات التحويلية و تصنيف الواردات وفق أسس وضوابط محددة لن يتوقف تدهور الميزان التجاري و لن يتوقف التضخم و لن يتوقف الغلاء
وأشار حامد إلى  خلل وتدهور الميزان التجاري في مقارنة إلى خمسة أعوام ماضية  بحسب أرقام الصادر و الوارد وبحسب ما هو صادر عن بنك السودان المركزي للفترة من عام 2015م و حتى عام 2019م و ذلك لتوضيح الفارق الكبير بين الصادر و الوارد للأعوام الخمسة مشيراً إلى عام 2015م كان إجمالي الصادر 3,169.7 مليار دولار بينما كان إجمالي الواردات 9,509.1 حيث كان خلل الميزان التجاري 6,340.1 مليار لهذا العام  .
أما  عام 2016م كان إجمالي الصادرات 3,093.6 بينما كان إجمالي الواردات 8,310.6 مليار دولار .
بينما في عام 2017م كان إجمالي الصادرات 4,100.4 بينما كان إجمالي الواردات 9,133.7 مليار دولار.
ولفت إلى عام 2018م كان إجمالي الصادرات 3,484.7 بينما كان إجمالي الواردات 7,850.1 مليار دولار.
أما عام 2019م كان إجمالي الصادرات 3,973.3 مليار بينما كان إجمالي الواردات 9.290.5 مليار دولار.
وقطع بأنه من خلال  البيان أعلاه بأن إجمالي الفارق التجاري بين الصادرات و الواردات هو مبلغ 26,273.1 مليار دولار لفترة خمسة أعوام أي بمتوسط مبلغ 5,254.62 مليار للعام الواحد .
وجزم بالقول هذا الخلل في الميزان التجاري ما زال مستمراً ولا يقل عن 5 مليارات دولار سنوياً .

ظهر السفينة

ويوضح الخبير الجمركي اللواء شرطة معاش خليل باشا سعيد  أن الميزان التجاري جزء من ميزان المدفوعات ويبين صادرات الدولة بقيمتها أي قيمة البضاعة زائد جميع النفقات التي تنفق عليها حتى تصل ظهر السفينة وتكون جاهزة للإبحار كما يبن وارداتها من الخارج بقيمة (CIF) أي تكلفة البضاعة زائدا قيمة التأمين وتكلفة نقلها للدولة،موضحاً أن ميزان المدفوعات هو حساب أو جدولة المدفوعات أو المقبوضات الناتجة بين الدولة وبقية دول العالم وتشمل تجارة السلع والخدمات (الميزان التجاري) وتحويلات رأس المال من وإلى الدولة المعنية،وبين أنه في حالة كانت نسبة صادرات الدولة اقل من قيمة وارداتها  وكذلك قيمة الخدمات المشتراة داخل الدولة أكبر من الخدمات الصادرة منها فهذا يعني وجود عجز في الميزان التجاري وأيضاً إذا كانت تحويلات رأس المال من الخارج أكبر  من التحويلات للداخل فهذا يعني عجز  ميزان المدفوعات في جانب حساب رأس المال.

وقال أن الوضع الطبيعي والأمثل لإقتصاد أية دولة أن تكون قيمة صادراتها  من السلع والخدمات أكبر  أو مساوياً لقيمة وارداتها من السلع والخدمات لجهة أن عجز الميزان التجاري  إذا كان كبيراً بنسبة تتجاوز 10% سوف تترتب آثار سالبة عديدة على إقتصاد الدولة،مشيراً إلى أن موقف السودان يشير إلى أنه يستورد بضائع بقيمة 9 مليارات دولار في حين أن قيمة الصادرات لا تزيد عن 4 مليارات دولار مما يعني أن العجز حوالي 55% في الميزان التجاري لقيمة السلع،وذكر أن العجز يؤثر على الإقتصاد الكلي  في جوانب كثيرة أهمها عدم استقرار سعر الصرف للعملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية الحرة القابلة للتحويل إلى جانب إنخفاض قيمة العملة الوطنية وإرتفاع تكاليف السلعة المستورة، فضلاً عن إرتفاع تكاليف السلعة المنتجة محلياً سواءً كانت زراعية أو صناعية،إلى جانب إرتفاع الأسعار للمستهلك بصورة مستمرة وإرتفاع معدلات التضخم  وتآكل رؤوس الأموال للمستثمرين  والعزوف عن النشاط الإنتاجي إلى شراء العملات الحرة والذهب والأراضي للمحافظة على قيمة العملة الوطنية إضافةً إلى ركود عام في النشاط الإقتصادي.

الخرطوم: هنادي النور

المصدر: صحيفة الانتباهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.