سودافاكس ـ من طبع ابن آدم انه في غالب الأحوال يتوقع لنفسه الأمور الطيبة ويستبعد إصابته بمكروه، وقد يعزى ذلك لـ«الغفلة» أو عدم احتساب عواقب الأمور، وبالمقابل فإن الإنسان المتفائل بطبعه لا يضع أسوأ السيناريوهات أو الاحتمالات للأمور التي يخوض فيها، وهناك من يحسب نفسه مهيئا فقط للنجاح، فلا يقبل الإخفاق ولا يعترف بأنه مخطئ، حتى لو كان الإخفاق ناتجا عن أفعاله أو حساباته الخاطئة، وقد يحمل هذا الإفراط في التفاؤل، الذي هو ضرب من الثقة الزائدة بالنفس، البعض إلى الحسد لأن هذه النوعية من البشر قد تعتقد أنها أحق من غيرها بالترقية والثروة والسلطة والوجاهة والمكانة الاجتماعية، ورغم أنني أحمد الله لأنه أعطاني أكثر مما كنت أحلم به في الدنيا: زوجة طيبة وعيال أولاد ناس ومال يلبي احتياجات عائلتي الضرورية، بل وبعض الكماليات، ورغم أن الرضا بما أنا فيه عصمني من الحسد والغيرة المرضية، فإنني اعترف بأنني «حسدت» السيدة الأمريكية ليلى لوتورنو المقيمة في ولاية تكساس.
قبل حين من الزمان دخلت هذه السيدة دورة المياه (لا مؤاخذة- أتوقف قليلا عند تسمية المرحاض دورة المياه!! أليست هذه تسمية بلهاء؟ أحسب أننا نقلناها بالمسطرة من الإنجليزية ووتر كلوسيت water closet التي يشكل الحرفان الأوليان منهما مصطلح دبليو سي WC واختار الإنجليز تلك التسمية لأنه عند البدء في إنشاء أنظمة الصرف الصحي في أواخر القرن التاسع عشر، ما يتطلبه ذلك من تمديدات لأنابيب المياه والتصريف، وقع اختيار كل البيوت على الغرفة التي كان يتم فيها غسل الملابس، وبهذا ارتبطت تلك الغرفة بتدوير المياه، وقمنا نحن بنقل التسمية بالمسطرة)، المهم أن السيدة لوتورنو تلك دخلت الحمام في بيتها لتلبية نداء الطبيعة، وسحبت سلسلة الشفط الخاصة بنظام السايفون (وليس السيفون بكسر السين كما هو شائع بيننا)، وهنا حدث أمر عجيب، فبدلا من أن يندفع الماء إلى أسفل لتصريف محتويات دورة المياه بدأ الحمام يمتلئ عبر كل فتحة فيه بسائل اسود لزج، فخافت السيدة ليلى واتصلت بسلطات الدفاع المدني، التي استكشفت الأمر وبشرت ليلى بأحلى الكلام: هذه المادة السوداء «نفط»؟ صاحت ليلى: واط؟ قالوا لها مجددا: نفط.. بترول.. بنزين.. نفتا.. سولار.. كيروسين!!
ألا تعذرني أيها القارئ إذا أحسست ببعض الحسد؟ ناس حماماتها تطلع بترول، وناس.. (بلاش!)، طبعا الأمريكان «يعجبونك» في شؤون المال والثروة، فقد صارت دورة المياه تلك مزارا لأصحاب شركات النفط في تكساس، وكل بضع دقائق يرن جرس التلفون في بيت ليلى لتجد أمامها رجلا أنيقا على فمه سيجار سمكه خمس بوصات تم تهريبه من كوبا التي تخضع لعقوبات اقتصادية أمريكية، ينحني أمامها في أدب ويسألها: ممكن أروح الحمام يا أبلتي؟ كل هذا وليلى لوتورنو تلجأ إلى دورات المياه العامة بعد أن أصبح حمام بيتها عضوا في كارتيل النفط، بعد أن ثبت أن الحمام مشيد عند فوهة بئر تم استكشافه قبل نحو ستين سنة، وإغلاقه لعدم توافر أجهزة دقيقة لقياس كميات النفط الكامنة فيه، والمهم في الموضوع أن مدام ليلى هذه دخلت الحمام وهي تعاني من الإمساك وخرجت منه مليونيرة!
ونبقى في عالم المراحيض، فنطير من أمريكا إلى الصين وبالتحديد إلى بلدة شنغدو حيث يقيم السيد «هي مينغ»، الذي ضاقت به الدنيا على اتساعها، ولم يجد سبيلا لزيادة دخله لإعالة أسرته سوى التقدم بطلب إلى سلطات المجلس البلدي لتحويل بيته بأكمله إلى دورة مياه، لأنه اكتشف أن الجمهور الذي يوجد في منطقته القريبة من الأسواق يعاني من عدم وفرة دورات المياه، فأجرى دراسة جدوى اتضح له بعدها أن تأجير بيته كدورات مياه يعينه على استئجار بيت أفضل وتوفير طعام وملابس أفضل!! سبحان من قسم الحظوظ فلا عتاب ولا ملامة/ أعمى وأعشى ثم ذو بصرٍ وزرقاء اليمامة!! دورة مياه صغيرة في بيت أمريكي يطلع منها بترول فتتحول إلى كنز، وعائلة صينية تكتشف أن من الخير لها أن تحول بيتها إلى دورة مياه!