سودافاكس ـ لا شيء مما قرأته عنهما يجعلني أحب قيس بن الملوح أو ليلى، كما أنني لا أحب عبلة (وحبي لعنترة لأسباب عرقية وعنصرية بحتة)، ولكن كلما تقدم العمر تذكرت قول قيس لليلى: صغيرين نرعى البَهْم يا ليت أننا/ إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهمُ! بيت ينضح بالحنان الجميل لمرحلة من العمر (الطفولة والصبا) خلت من الرقباء، وكان مسموحاً فيها بالخطأ، وهناك شاعر سوداني مجيد اسمه محمد المكي لإبراهيم لديه قصيدة يلعن فيها خاش قيس، عنوانها «إساءات شخصية لابن الملوح» يقول فيها: على ليلى يطول أساك منتعلاً وسامة قلبك الشاعر/ ومطروداً أمام الريح محتملاً جراحات الهوى الخاسر/ وممدوداً على سجادة التاريخ مائدة لكل حزين/ على ليلى تجرجر في الدواوين العتيقة حزنك الشحاذ/ تُنشّر راية العجز الذليل عن المنى والأخذ والإنجاز/ وتفتح صدرك الدامي لأجيال المحبين اليتامى في شعاب الأرض/ بأسماء الهوى العذري تطعمهم تعازيك العفيفة/ أحابيل الزمان وعن قصور اليد/ وعن ذل السؤال وعن هوان الصد/ وعن طول الجوى والوجد إن صدّ الحبيب وضَنْ… ويختتم القصيدة بشتائم مباشرة من طراز كروز: أهينك ها أنا عبر القرون.. أهين حلمك بالخلود العذب/ أهين نذالة الكسب الذليل على حساب القلب.
وما أوصلني إلى الاستشهاد بشعر محمد المكي إلا إعجابي ببيت الشعر الذي يحن فيه قيس إلى عهد الطفولة عندما كان يلعب مع ليلى من دون خوف من عتاب أو ملامة (هل خطر ببالك أنه رغم كل ما يقال عن قيس والحب العذري النظيف أنه في واقع الأمر فضح بنت الناس وجعلها على كل لسان ومضغة في الأفواه ما يجعل موقف أهلها العدائي منه مبرراً؟ ولي صديق يعتقد أن ما يسمى بالحب العذري أكذوبة لأن الحب بين الجنسين يقوم على «الاشتهاء»، ويتطرف في وجهة نظره هذه ويقول إن جميع من نصفهم بالشعراء العذريين، كانوا «معذورين» من حيث الفحولة).
تذكرت الطفولة وقيس وليلى ومحمد المكي وأنا أتذكر عينات من المواقف المحرجة التي يقع فيها الأطفال أو يوقعون فيها الكبار، ولكنها تصبح «لاحقاً» مادة للتندر، وقد يعاقب طفل ما على كلمة أو تصرف محرج، ولكن من عاقبوه «يموتون» من الضحك فيما بعد، أذكر أنني وفي ذات مرة، وبعد مماطلات طويلة قررت الوفاء بوعد لعيالي باصطحابهم إلى حديقة، وقضاء الوقت في كافتيريا يتناولون خلاله بعض الأطايب، وفي نحو الرابعة عصرا ارتدينا ملابسنا، و…رن جرس الباب.. كان أحد أقاربي، ونظر إليه ولدي بكل حقد واستنكار وقال له: هل دي مواعيد زيارة؟ ورغم وجاهة السؤال واقتناعي بأن الوقت ليس وقت زيارة، فقد صحت في ولدي: اسكت يا قليل الأدب، ولكن ومن دون لف أو دوران شرحت لقريبي ما دفع الولد إلى عدم الترحيب به، فضحك متفهما المسألة، فودعنا وخرجنا إلى الحديقة بلا تأخير!! ويقال إنه في عز سطوة الرئيس العراقي صدام حسين رأى طفل كان في صحبة أبيه في مطار صدام (بغداد) صورة ضخمة لصدام فقال لأبيه: بابا مو هذا اللي قلت عليه حمار؟ فلم يجد الأب مناصا من أن يصيح: ابن من ها الولد يا إخوان؟
ونصيحتي للكبار، وخاصة الذين يهوون النميمة، هي أن يمسكوا ألسنتهم أمام الصغار، فمثلاً قد تمارس امرأة «البكش» مع جارتها التي تزورها، وتطلب منها أن تبقى معها فترة أطول والجارة تتمنع، وهنا قد يدلي صغير يعرف رأي أمه في جارتها بدلوه ويقول كلاماً مثل: ليش ما تخلينها تروح وأنت تقولين عنها أنها لئيمة وعينها حارة؟ وكتبت مرارا عن ابنتي مروة التي لم تكن في طفولتها تستطيع كتمان سر، وكيف أن هاتف منزلي رن ذات يوم، فصحت في ولدي الأكبر: رد على التلفون وإذا كان المتصل فلان الفلاني، قل له إنني غير موجود، ولسوء حظي كانت مروة قريبة من التلفون ورفعت السماعة، وكان المتصل كما توقعت فلان الفلاني ذاك، فقالت له مروة: أبوي مش عايز يكلمك، وعندما التقيت بصاحبي ذاك قلت له إن مروة هي من قررت حرماني من الرد على مكالمتك وأنني قررت حرمانها من الميراث.