نهب واغتصاب في وضح نهار الخرطوم.. هل هو فعل منظم للإذلال أم تصرفات فردية؟

بمجرد أن تنفض المواكب الجماهيرية في الخرطوم، تحتشد وسائل التواصل الاجتماعي بالعشرات من مقاطع الفيديو والصور والشهادات الإفادات التي تكشف انتهاكات جسيمة يمارسها أفراد من القوات النظامية في ساحات التظاهر وداخل الأحياء القريبة من مواقع الاحتجاجات، كما ازدادت بنحو مضطرد حوادث النهب تحت تهديد السلاح في الطرقات العامة بنحو أشاع قلقا واسعا دفع كثيرين للتسلح لمواجهة الوضع الأمني المتردي.

وقبل أن تستفيق الخرطوم من هول جريمة اغتصاب جماعي لشابة من دولة جنوب السودان، وقعت الاثنين الماضي أسفل جسر المسلمية وسط الخرطوم، ونفذتها قوة ترتدي زي شرطة الاحتياطي المركزي، حسب رواية الضحية، فجعت الأوساط السودانية أول أمس الأربعاء بمقتل شاب يبلغ من العمر 20 عاما بعد خروجه من البنك بلحظات، حيث اعترضته قوة بزي نظامي وأوسعته طعنا، واستولت على مبلغ مالي كان بحوزته أمام مرأى عشرات المارة في الطريق.

وتتزاحم الروايات يوميا عن مظاهر انفلات أمني كبير في العاصمة السودانية أبطاله في الغالب أفراد بزي قوات نظامية، في حين تعزز الانتهاكات التي تشهدها المواكب اليقين باستفادة العسكر من حصانة بعدم المساءلة، بموجب قرار أصدره رئيس مجلس السيادة ديسمبر/كانون الأول الماضي وفقا لأحكام قانون الطوارئ.

ومنح أمر الطوارئ رقم (3) القوات النظامية -وبينها جهاز المخابرات- سلطات “اعتقال الأشخاص، والتفتيش، والرقابة على الممتلكات والمنشآت، والحجز على الأموال، وحظر وتنظيم حركة الأشخاص”، كما نص الأمر على منع اتخاذ إجراءات في مواجهة أفراد القوات النظامية التي تنفذ أمر الطوارئ وحماية السلامة العامة المعلن في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

ومنذ ذلك التاريخ، ينتظم آلاف السودانيين في مظاهرات شبه متكررة بالعاصمة والولايات للاحتجاج “على سيطرة الجيش على السلطة التي كان نتاجها عزلة دولية وإقليمية للسلطة العسكرية، التي رغم اجتهادها في تطعيم مجلس السيادة بعناصر مدنية فإنها عجزت عن التوافق على رئيس وزراء وحكومة مدنية، مما فاقم حالة الفراغ التي تعيشها البلاد”، يقول نشطاء.

وتثير الانتهاكات المستمرة لقوى الأمن المكلفة بقمع الاحتجاجات ردود أفعال غاضبة وسط السودانيين، لا سيما مع صمت الجهات الرسمية حيالها في حين تستمر حوادث السلب والنهب والقتل والاستهداف الدامي للمتظاهرين، إذ وصل عدد ضحايا الاحتجاجات خلال الـ5 أشهر الماضية إلى 87 قتيلا بحسب لجنة الأطباء المركزية، بينما أحصت منظمة “حاضرين” الطوعية 3400 مصاب بينهم 500 لا يزالون يتلقون العلاج داخل السودان وخارجه.

وتتولى تشكيلات عديدة من القوات النظامية التصدي للمتظاهرين، وتشمل قوات الشرطة والاحتياطي المركزي والدعم السريع والجيش الذي توجد عناصره في العادة بمحيط القصر الرئاسي والقيادة العامة والمؤسسات الحكومية المهمة.

وبرغم ردود الفعل العنيفة التي خلفتها حادثة الاغتصاب الجماعي في الخرطوم، فإن رئاسة الشرطة تجاهلت الواقعة، ثم أصدرت -في اليوم ذاته- بيانا بشأن مقطع فيديو ظهر فيه عدد من منسوبيها يعتدون على مُعلم في نيالا عاصمة جنوب دارفور وهو ما فجر غضبا عارما هناك، مما دفع لجنة الأمن التي يرأسها الوالي إلى تقديم اعتذار رسمي للمعلمين والإعلان عن توقيف قائد القوة التي اقتحمت المدرسة واعتدت على المعلم.

وأكدت رئاسة قوات الشرطة -في بيانها- أن المعلمين محل احترام وتقدير، وتعهدت بمتابعة نتيجة التحقيق العاجل في المقطع واتخاذ الإجراءات الرادعة والحاسمة تجاه مرتكبيه.

وتنفي سليمى إسحق، رئيسة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة في وزارة التنمية الاجتماعية، علمها بما خلصت إليه لجنة تقصي أعلن مجلس السيادة تكوينها للتحقيق في مزاعم اغتصاب مورست بحق متظاهرات خلال موكب 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وتؤكد للجزيرة نت أنه لم يجر معهم أي تواصل في هذا الخصوص.

ووقتها أعلن مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تلقيه إفادات بوقوع 13 حالة اغتصاب، في حين أكدت وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل الحكومية وقوع 9 حالات في محيط القصر الرئاسي في أثناء قمع احتجاجات 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي.

إذلال ممنهج

ويؤكد الصحفي بهرام عبد المنعم -الذي تعرض في الثامن من مارس/آذار الجاري لعملية سلب من مجموعة نظامية سرقت منه هاتفه وأمواله- أن الجهة التي ترتكب التجاوزات من نهب واغتصاب، غالبا تنتمي للشرطة، خاصة قوات “الاحتياطي المركزي”.

ويضيف -للجزيرة نت- أن القوة ذاتها أوقفته تحت تهديد السلاح بغرض “النهب والسلب”، رغم إبرازه بطاقته الإعلامية، كما يعتقد أن القوات تريد من تلك التصرفات إذلال وكسر إرادة المتظاهرين والإعلاميين. ويتابع “قال أحدهم بلهجة حاسمة عندما أعلمته بأنني صحفي، نحن نبحث عن الصحفيين تحديدا”.

وحاول بهرام -كما يقول- الاستنجاد بدورية للشرطة قريبة من مكان الحادثة، ساردا لهم الواقعة، غير أن أحد أفرادها انتحى به جانبا ودعاه إلى تناسي الأمر وأن يسأل الله تعويضه عما فقده.

ويفسر الصحفي صمت الجهات الرسمية عن التجاوزات بأنه محاولة لتفادي التذمر وسط تلك القوات، التي تشترط منحها الحصانات والضمانات في أثناء ملاحقة المتظاهرين والإعلاميين، وهو ما أدى إلى تزايد الانتهاكات من قتل واغتصاب ونهب.

محاكمات علنية

يعتبر الخبير الأمني اللواء، أمين إسماعيل مجذوب، الانتهاكات سواء كانت ممن يتبعون لجهات نظامية أو من طرف ثالث منظمة وتسعى للوقيعة بين القوات النظامية والشعب، ووصفها بأنها “حوادث مزعجة ولا تشبه أخلاق السودانيين، علاوة على أنها مستهجنة ومستنكرة إقليميا ودوليا وتدخل في باب انتهاكات حقوق الإنسان”.

ويستدرك الخبير بالقول -في حديثه للجزيرة نت- إن حالة السيولة الأمنية وانشغال القوات النظامية بمكافحة الحراك والاحتجاجات اليومية قد يؤدي إلى تقصير “هنا وهناك إلا أن ذلك لا يعفي الدولة من مسؤولياتها؛ وبالتالي، لا بد من التحقيق والمحاكمات العلنية حتى يطمئن المواطن وتعود الخرطوم آمنة”.

انتهاكات ونفي

ويؤكد رئيس مفوضية حقوق الإنسان، رفعت الأمين، رصد المفوضية لجميع الانتهاكات والتواصل مع الجهات المختصة لمعالجتها، ويقول للجزيرة نت إنهم “لا يملكون معلومات موثقة بخصوص مزاعم الاغتصاب”، لكنه أكد مطالبة “السلطات بالتحقيق الفوري في هذه المزاعم، وحال ثبوتها ندعو لتقديم المتورطين للعدالة من دون إبطاء”.

ويشدد كذلك على وجوب اتخاذ السلطات التدابير الوقائية الخاصة بمنع الانتهاكات، وحال وقوعها فإن الدولة ملزمة بالتحقيق وتقديم كل من يثبت تورطه للمحاكمة.

بدوره، ينفي القيادي في حركة العدل والمساواة العميد حامد حجر مشاركة قوات الجماعات المسلحة في فض الاحتجاجات والتورط في التجاوزات المثارة، ويقول للجزيرة نت “هذا محض افتراء، لا توجد أي قوة للحركات في الخرطوم أو بمدن دارفور. كل قوات حركات الكفاح المسلحة في مناطق التجميع حسب اتفاق جوبا للسلام”.

ويتهم حجر جهات بالسعي لإشعال حرب أهلية في السودان من دون استطاعة دفع كلفتها، ويختم بأن “هناك من لديه معركة سياسية مع المكون العسكري ويريد كسبا سياسيا علي حساب حركات الكفاح المسلح. السودان وطن الجميع وحماية أمنه وسلامته مسؤولية الجميع”.

المصدر : الجزيرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.