السودان: مراكز البيع المخفض لا تخفف أعباء المواطنين المعيشية

في مواجهة الغلاء المتصاعد في أسعار السلع الأساسية في السودان، افتتحت ولاية الخرطوم قبل أيام مراكز “للبيع المخفض” (البيع بأسعار منخفضة) لتوفير سلع أساسية بسعر المنتج. إلا أن نجاح التجربة ما زالت تقف أمامه جمله من العقبات، ما يضع الأسر في قلب معاناة ممتدة. ومنذ سنوات، ونتيجة للأزمات الاقتصادية، يواجه السودانيون واقعاً معيشياً صعباً بسبب الزيادة المستمرة في أسعار السلع والخدمات، وهو ما تفاقم بعد الانقلاب العسكري لقائد الجيش عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وتعمل السلطات على تأسيس شركات للأمن الغذائي للمساهمة في إنتاج السلع الغذائية الضرورية، وبيعها بسعر الكلفة، مع إنشاء مراكز في الأحياء تقدم خدمة البيع المباشر للجمهور من دون وسطاء وبأسعار أقل من المراكز التجارية الأخرى. في هذا الإطار، افتتحت حكومة الخرطوم أحد هذه المراكز والذي سيليه افتتاح لمراكز أخرى في الأيام المقبله، كما أعلنت مديرة شركة الخرطوم للأمن الغذائي إنصاف أحمد دلدوم، مبينة أن المشروع سيؤدي إلى تحقيق مخزون غذائي آمن ومستدام، وتعزيز ثقافة الإنتاج الآمن للغذاء، وضمان كفاية الإمداد والجودة في مجالات الزراعة والتصنيع الغذائي والبيع والتوزيع والدعم اللوجستي، ورفع كفاءة وتنافسية الإنتاج المحلي.
وافتتحت المؤسسة التعاونية التابعة للجيش السوداني أكبر مركز للبيع المخفض بولاية الخرطوم، كما تعمل على افتتاح مراكز أخرى للحد من الضغوط المعيشية، الأمر الذي يعيد للأذهان مشاريع مشابهة نفذها نظام الرئيس المعزول عمر البشير خلال السنوات الماضية من دون أن يكون تأثيرها ملموساً. ومن بين الأسباب، كما يرى خبراء، بُعد هذه المراكز عن المناطق ذات الكثافة السكانية العالية وبالتالي تكبد المواطنين مشقة التنقل، وارتفاع أسعار السلع المستوردة بسبب إرتفاع قيمة العملات الأجنبية، وعجز الحكومة عن الإيفاء بوعودها بتخفيض الرسوم على المنتجين الأمر الذي ينعكس سلباً على أسعار السلع، بالإضافة إلى الانهيار المستمر في الاقتصاد وتحميل المستهلك كلفة الإنتاج العالية، ما أدى إلى فشل هذه المبادرات. وأظهرت المؤشرات عجز الأسر عن توفير احتياجاتها الأساسية.

ويقول أمير أحمد، وهو من سكان منطقة جبرة، جنوب الخرطوم، إن فكرة إنشاء مراكز البيع المخفض كان لها أثر إيجابي كبير على أسرته، لافتاً إلى أنها تساهم على المدى البعيد في تخفيف الأعباء المعيشية في ظل الغلاء الكبير في أسعار السلع. ويوضح في حديثه لـ “العربي الجديد” أنه يوجد مركز واحد في منطقته تتسوق منه الكثير من الأسر، مشيراً إلى أن الأسعار أقل من تلك المعتمدة في المحال التجارية الأخرى بنسبة تتراوح ما بين 30 و40 في المائة. كما أن المركز يضم أنواعاً مختلفة من السلع لكن المشكلة تكمن في بعده عن أماكن سكن المواطنين. ويحث الدولة على إنشاء المزيد من مراكز البيع المماثلة وخصوصاً أن غالبيتها تعتمد نظام البيع المباشر من دون الحاجة إلى سماسرة ومضاربين.
أما أمينة الحاج، وهي ربة منزل تعيل أربعة أطفال، فتقول لـ “العربي الجديد” إنها تشجعت في البداية على التوجه إلى مراكز البيع المخفض في منطقتها بمدينة أمبدة (غرب الخرطوم)، لكنها اكتشفت أن الفرق في الأسعار طفيف جداً ولا يوازي كلفة الذهاب إليها بأي وسيلة نقل. كما تشير إلى وجود بعض الغش في أوزان السلع. وتطالب بفرض رقابة أكبر على هذه المراكز في حال أردات الدولة فعلاً تخفيف الأعباء المعيشية على مواطنيها وزيادتها لتشمل كل الأحياء، وتحديد أسعار معقولة للسلع الضرورية مثل السكر والبسكويت والدقيق والزيت والبصل والبقوليات لأنها عماد حياة الأسرة، حتى ولو على حساب السلع الكمالية الأخرى، لافتة إلى أن غالبية الأسر تعيش تحت خط الفقر وتهتم بعدد قليل من السلع.
أما عبد اللطيف عبد الباسط (57 عاماً)، وهو أب لأربعة أبناء، فيشكو صعوبات الحياة يوماً بعد يوم، لافتاً إلى أنه لم يقصد هذه المراكز كونها لا تسمن ولا تغني من جوع، كما أنها بعيدة عن المناطق السكنية، ويكلف الذهاب إليها أكثر من الشراء من أقرب محل تجاري من المنزل في منطقة الدروشاب (شمال الخرطوم).

واعتمدت أسرته على سياسة ترشيد الاستهلاك اليومي، وتخلت عن الاستهلاك اليومي للحوم لتكتفي بمرة واحدة شهرياً وتكثر من تناول مرق الدجاج، مع تخفيض استخدام الخبز بنسبة تصل إلى 50 في المائة، والتوقف عن شراء الفاكهة، مؤكداً أن أحداً من أفراد عائلته لم يتذوق الفاكهة منذ شهرين.
ويرى عبد الباسط أن الحل للأزمة المعيشية الضاغطة يكمن في إصلاح اقتصادي شامل، ووقف تدهور العملة الوطنية في مقابل العملات الأجنبية، ومنح الطبقات والشرائح الضعيفة اهتماماً أكبر، وزيادة نسبة الدعم الاجتماعي في الموازنات العامة.
في المقابل، تقول شادية مصطفى وهي ربة منزل، في حديث لـ “العربي الجديد”، إن لمراكز البيع المخفضة فوائد عدة، منها الحد من المنافسة بين التجار، مشيرة إلى إيجابيتها على حياة الأسر والأفراد، لا سيما في ظل الوضع الاقتصادي الذي يزداد سوءاً يوماً بعد يوم. وترى أن هذه المراكز هي جزء من البدائل التي إنتهجها السودانيون في الآونة الأخيرة بهدف تقليل الأعباء وتوفير الاحتياجات الأساسية فقط.

من جهته، يقول الخبير في مجال الأمن الغذائي عمار الأمين، لـ “العربي الجديد”، إن التجارب الحالية والسابقة في مجال البيع بأسعار مخفضة فشلت ولم تلعب دورها المطلوب، لتبقى الأسعار كما هي تقريباً مع فروقات بسيطة. ويرى أن الحل يتمثل في تقليل الوسطاء بين المستهلكين والمنتجين، لتصل السلع الغذائية للأسر من حقول الإنتاج مباشرة. ويوضح أن شركات الأمن العذائي ومراكز البيع المخفضة في السودان تقوم على أساس تجاري بحت وتعتمد على عوامل الربح والخسارة، وليست معنية بالمسؤولية الاجتماعية، وتحصل على أرباحها من المواطن. في هذا الإطار، يقترح إنشاء شركات للتوزيع المباشر للسلع الضرورية. ويحذر من خطورة تأثير الواقع الحالي على الأمن الغذائي وصحة الإنسان، وخصوصاً أن المستهلك سيلجأ إلى سلعة متدنية من حيث القيمة الغذائية والجودة في حال غلاء الأسعار، الأمر الذي سيؤدي إلى ظهور الكثير من الأمراض.

العربي الجديد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.