حرائق مجهولة المصدر تلتهم قرابة الأربعين منزلًا بقرية علوان

سودافاكس / – أكثر من ألفي شخص بينهم أطفال ونساء وكبار سن يواجهون أقسى الظروف ويعيشون في العراء بلا مأوى

– المتضررون من الحرائق يناشدون المنظمات الخيرية نجدتهم وإغاثتهم

– أهالي القرية يوجهون لومًا وعتابًا لوالي شمال كردفان وحكومته

في مشهد مأساوي وواقع إنساني مزرٍ عنوانه المعاناة يجسد ويصور حال أكثر من ألفي مواطن من سكان قرية علوان التابعة لإدارية أم سيالة بمحلية بارا في ولاية شمال كردفان حيث أصبحوا بين ليلة وضحاها مشردين بلا سكن يقضون كل يومهم في العراء بمنطقة ترتفع فيها درجات الحرارة طيلة ساعات النهار مع موجات الغبار والأتربة والعواصف وشدة أشعة الشمس اللاسعة والحارقة وليلًا تزيد برودة الأجواء وتنخفض درجات الحرارة لتحاصر موجة الزمهرير الشتوية مواليد ورضع وأطفال ونساء ورجال من كبار السن فالحرائق مجهولة المصدر قضت ألسنتها الملتهبة على قرابة 40 منزلًا احترقت بالكامل علاوة على بيوت أخرى احترقت جزئيًا والتهمت النيران الأثاث المنزلي والملابس بل وقضت حتى على الأواني ولم يصمد أمامها إلا المواد المصنعة من الحديد الصلب. (السوداني) وقفت على هذا الواقع المأساوي وتجولت داخل المنازل المحترقة التي تحولت إلى أكوام من الرماد وتفقدت أحوال المتضررين ووثقت هذه الكارثة بالكلمة والصورة فمعًا نتابع تفاصيل هذه النكبة.

(1)
تقع قرية علوان وفقًا لإفادة ابن المنطقة أبوبكر عبيد الماحي في شمال كردفان وتتبع إداريًا لأم سيالة بمحلية بارا وتحديدًا في اتجاه الشرق وتبعد عن عاصمة الولاية الأبيض حوالي 70 كلم وعن منطقة زريبة البرعي 18 كلم وأقرب موقع لها منطقة أم دم حاج أحمد وهي منطقة كبيرة تعتمد على زراعة محصولي الدخن والسمسم ويمتهن بقية سكانها رعي المواشي خاصة الماعز والضأن والإبل هذا فضلًا عن تجارة المحاصيل كما أن غالبية شبابها من المغتربين والمهاجرين خارج البلاد والبعض منهم مقيم بالخرطوم ويتكون سكانها من قبائل الحسانية والجعليين والكواهلة ودار حامد (نواهية) وتشهد المنطقة اجتماعًا – كما يقول محدثي أبوبكر الماحي – تعايشًا سلميًا يمثل نسيجًا اجتماعيًا متماسكًا عبر التاريخ وتكثر في المنطقة أشجار الهجليج “اللالوب” والنيم والسيال والعشر فهي منطقة رملية سهلية منبسطة.

(2)
من على البعد وقبل الوصول لقرية علوان بدأت تظهر الأدخنة الكثيفة التي تغطي سماء المنطقة جراء الحرائق التي بدأت منذ نهاية شهر فبراير بصورة متقطعة ثم ازدادت وتيرتها بداية شهر مارس وعند دخولنا للقرية من الاتجاه الشرقي وجدنا آثار النيران، بيوتًا كاملة تحولت إلى أكوام من الرماد وسكان هذه المنازل يقيمون في الشارع وبالقرب منهم وضعوا ما تبقى من (عفش) فوجوه الأطفال وصغار السن تكتسي بالحزن والنساء يجلسن في حيرة على الرمال مع ظهور الخوف والهلع والجزع وكبار السن يستظلون تحت ظلال ما تبقى من أشجار ابتعدت عنها شرارة النيران مجهولة المصدر مثلما حدث قبل فترة في واحدة من قرى حلفا الجديدة وظاهرة الحريق التي أصبحت حديث أهل القرية والمناطق المجاورة لها ليس لها أي تفسير عند سكان القرية المنكوبة وما يتداوله الناس أمر اختلطت فيه الأساطير والخرافات ورواية القصص والحكايات مع تفاصيل الواقع فبعضهم يذهب خياله بعيدًا مؤكدًا أن مصدر الحريق هو (أبو كليقة) و (أبو لمبة) حيث يتم إشعال النيران في القصب والعشب تم تنتشر في الهشيم وتلتهم الرواكيب و (القطاطي) و (العرائش) والبيوت المشيدة من القش والأخشاب وتمتد ألسنتها لتأكل الأسوار و(الحيشان) وغالبها من المواد المحلية والخوص والقنا والحصير والأعواد الخشبية وسيقان الأشجار الجافة فتزداد النيران قوة على قوتها مع اشتداد الرياح الذي يؤدي لسرعة انتقالها من منزل لآخر فالرواية على لسان البعض أن (أبو كليقة) أو (أبولمبة) يظل مختبئًا بالليل في أشجار الهجليج (اللالوب) ليبدأ في إشعال الحريق بشكل مفاجئ بعد الفجر وتحديدًا بعد الانتهاء من أداء صلاة الصبح ثم خلال ساعات النهار وتبدأ دائرة النيران في الانخفاض بشكل تدريجي بعد محاصرتها بالتراب حيث تقل المياه التي يتم نقلها من مصدرها الذي يبعد حوالي اثنين كلم. بينما يردد آخرون أن الحرائق مصدرها الجن الذي يرغب في الانتقام من أهل المنطقة فحينما تشتعل النيران يبدأ مواطنو القرية الذين يتجمعون في رفع أصواتهم بصيحات التكبير والتهليل والحوقلة والاستعاذة ورفع والأذان في محاولة منهم لطرد مردة الجن والشياطين التي تتشكل على هيئة القطط.

(3)
من الغرائب حسبما يحكي المتضررون الذين فقدوا منازلهم أن النيران تشتعل من الأعلى للأسفل واعتبروا أن هذه ظاهرة نادرة كما أن النيران حينما تبدأ يعجز الناس عن إخمادها وإطفائها نظراً لقوتها هذا فضلًا عن عدم وجود المياه الكافية التي يتم جلبها بواسطة الأطفال والنساء إما عبر حملها في باقات على أظهر الحمير أو الكارو في البراميل أو عن طريق (القِربْ) الجلدية ولا توجد سيارات المطافئ في هذه المنطقة والمناطق المجاورة لها ولا خط أو شبكة مياه ومما يزيد من حجم الكارثة وجود القطاطي مع الهواء والرياح كما أن المنطقة مفتوحة وتكثر فيها الأشجار وزرائب القصب فتستمر النيران طيلة ساعات النهار وتلتهم كل محتويات ومكونات المنازل والأثاث والأواني المنزلية ويفيد من قمنا باستطلاعهم أن هذه الظاهرة تحدث في القرية لأول مرة في تاريخها غير أنها وقعت حادثة مماثلة بأضرار أقل في قرية تسمى أبو قرين والتي تم ترحيل سكانها إلى قرية أخرى فأول منزل وقفنا عليه وبدأت فيه النيران هو منزل عبد الخالق محمد عبد الله، ورأينا بقية العفش في الشارع العام بينما أكلت النيران كل محتويات منزله. بينما أكد حسن عيسى محمد إدريس أنه فقد كل الأثاث أما والدته خديجة عبد الرحمن فهي امرأة أرملة قالت إنها على هذه الحال لأكثر من شهر تجلس بالنهار في الشمس وبالليل تحت رحمة الشتاء والبرد وأنها حاليًا تعاني بسبب تغير الطقس والأجواء من أمراض الرطوبة ووجع المفاصل والالتهابات والكحة والنزلات وأن كل الأغطية والفرش من مراتب ولحافات وملاءات قد احترقت واختتمت حديثها بأنه لا يوجد علاج لانعدام الرعاية الصحية والطبية.

(4)
منازل أخرى تحولت إلى رماد مثل منزل نور الدين عبد الوهاب الذي اشتعلت فيه النيران أكثر من مرة، وكذا الحال بالنسبة لمنزل صالح عبد الوهاب محمد إدريس حيث تحكي سيدة المنزل الحاجة فاطمة مبارك أنهم الآن أصبحوا مشردين لا يملكون من حطام الدنيا شيئًا بل النار قضت حتى على (عدة المنزل والأواني وهشمت زير المياه والأسرّة) بل قدمت لنا المكواة وقالت هذه هي الناجي الوحيد في (العِّدة) وأصبحوا ضيوفًا معدمين في قريتهم بعد أن فقدوا كل ما يملكون وهو ذات حال آخرين رأينا بيوتهم محروقة بالكامل مثل منزل عبد الباقي الأمين عبد الله وعلي محمد طاهر.

(5)
فإذا كان حريق النيران يشكل مأساة إنسانية خلفت معاناة فإن زيارتنا للمنطقة كشفت جوانب قصور أخرى فهناك أزمة مياه حيث تنعدم محطات المياه الصالحة للشرب وتقل الخدمة الطبية والرعاية الصحية ووجه سكان المنطقة اللوم للمسؤولين الذين تجاهلوا هذه الكارثة، حيث يقول أبو بكر عبيد الماحي إن الشخص المسؤول الوحيد الذي زارهم هو المدير التنفيذي لكنه لم يقدم لهم شيئًا وأنهم كانوا يتوقعون أن يتفقدهم والي شمال كردفان أو من ينوب عنه ليقف بنفسه على حجم الكارثة والمحنة وفي الختام أطلق أبو بكر عبيد الماحي مناشدة للمنظمات الخيرية العاملة في الحقل الإنساني لنجدة المنكوبين وتقديم خدماتها للمتضررين من أهالي المنطقة وطالب هيئة الأبحاث الجيولوجية لزيارة القرية للتعرف على الظاهرة بفحص التربة والأرض وطبيعة جغرافيتها وإيجاد تفسير علمي ومنطقي لهذه الحرائق.

كما أوردت السوداني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.