سودافاكس ـ في الثامن من مارس الجاري مثل مواطن يمني أمام محكمة لأحد القضاة الحوثيين متهما بسرقة مواد غذائية من مستودع حكومي وبعد مداولات استغرقت نصف ساعة كاملة صدر الحكم بإعدامه، وبعدها بنصف ساعة كاملة تلقى الرجل نحو عشرين رصاصة في مختلف أجزاء جسمه، وتذكرت واقعة كان مسرحها أحد بلدان الغرب «الكافر»، فقد ألحق «دينو» أذى جسيماً بالسيدة البريطانية إليزابيث كاول، وبعدها بخمسة أشهر أصدر القضاة حكماً بالإعدام على دينو (نعم ألغت بريطانيا عقوبة الإعدام قبل أكثر من 40 سنة، ولكن دينو مسكين ولم يكن «مسنودا»، وعند استئناف الحكم بعد صدوره بستة أسابيع أمام محكمة نورثامبتون، رُفض الاستئناف وتم تأييد الحكم، فكان لابد من الاستئناف أمام المحكمة العليا، ولكنها أيدت إعدام دينو، ثم بعد شهر واحد أصدرت محكمة الاستئناف العليا قراراً يؤيد حكم الإعدام أيضا، وبما أن هذه المحكمة هي أعلى سلطة قضائية في بريطانيا، لم يكن أمام المعنيين بأمر دينو سوى اللجوء إلى مجلس اللوردات، ولكن المجلس رفض قبول الاستئناف شكلاً وموضوعاً، فكانت الخطوة التالية في المسعى الرامي لإنقاذ حياة دينو هي اللجوء إلى محكمة حقوق الإنسان الأوروبية في ستراسبورج، ولسوء حظ دينو فقد رفضت هذه المحكمة مجرد النظر في القضية باعتبار أن قرار إعدام دينو سليم، وبعد صدور الحكم الابتدائي بإعدام دندون الحنون ذاك أُحيلت قضية دينو إلى المجلس المنوط به إعادة النظر في القضايا الجنائية التابع لوزارة الداخلية البريطانية، فأمر بإعادة النظر فيها من قبل محكمة نورثامبتون، وبعد مداولات استغرقت أسابيع قليلة أسقطت تلك المحكمة حكم الإعدام عن دينو، وكلفت هذه القضية السيد برايان لامونت وزوجته كارول نحو تسعين ألف دولار، ولكنهما ليسا حزينين على المال الذي ضاع في القضية بل سعيدان لأن دينو الحبيب سيبقى حياً (وصوتت كارول وزوجها لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي لأن محكمة حقوق «الإنسان» الأوروبية لم ترفع عقوبة الإعدام من دينو)
.
ودينو هذا كلب ابن ستين كلب، وابن سفاح مثل كل الكلاب، ومن فصيلة جيرمان شيبرد، وكان قد هاجم كلب السيدة كاول، التي تعيش في منزل مجاور لأسرة لامونت، ولما حاولت مسز كاول التدخل قام بعضّها، فرأى القضاة أنه شرس بدليل أنه سبب الأذى الجسيم لتلك السيدة وبالتالي يجب إعدامه، فكان ما كان من أمر لجوء صاحبي الكلب إلى ست محاكم استئناف في بريطانيا وأوروبا، حتى استطاعا أن يقنعا مجلس إعادة النظر في القضايا الجنائية بأن حكم الإعدام استند إلى معطيات باطلة.
أدعوك مجددا للانتباه إلى أن محكمة حقوق الإنسان الأوروبية كانت طرفاً في قضية المتهم الوحيد فيها كلب وحيوان ابن حيوان، ولاحظ أن محاكم دنيا وعليا ومجلس اللوردات الذي يجيز التشريعات التي تتم إجازتها في البرلمان، نظرت في القضية ست مرات خلال أقل من سنة. للمرة الثالثة انتبه إلى أن الأمر يتعلق بموت أو حياة كلب، وأن القضية التي مرت على عدة هيئات عدلية لم تستغرق أكثر من سنتين غير كبيستين، ثم تذكر قضية صديقك التي تتعلق بشراء قطعة أرض بطرق قانونية ثم اكتشف أن صاحب الأرض باعها بعد ذلك لشخصين آخرين، بمستندات مزورة، وأن صفقة بيعها الأولى هي الصحيحة، بينما عمليتا البيع التاليتين باطلتان.
يعني حتى لو استشرت شخصاً ظالماً باغيا مثل أرييل شارون أو نتنياهوـ فإنه سيقول لك خلال بضع ثوان إن الأرض ملك من اشتراها أولاً، وإن عقاب صاحب الأرض الأصلي هو السجن والغرامة معاً، ولكنك (أو صديقك) مع هذا ما زلت تغشى المحاكم طوال سبع سنوات وتتناول مضادات الاكتئاب كل ليلة، بعد أن أنفقت جزءا كبيرا من المبلغ الذي كان مخصصاً لبناء بيت على تلك الأرض، على المحامين. بعبارة أخرى فإن كلاب بعض البلدان تجد من العدالة الناجزة ما لا يجده البشر في بلدان أخرى.. واللهم لا اعتراض.