الزئبق بنهر النيل.. الخطر الماثِل

سودافاكس / مدير شركة المعادن: الأنشطة المُتّبعة مُخالفة ولم يتم التصديق لها

صحة الولاية: المادة تُسبِّب العقم لدى الرجال

مجلس البيئة: استخدامه المفرط قنبلة موقوتة

مدير مستشفى بربر: الزئبق يُسبِّب خللاً في وظائف الكلى وحالات الإجهاض طبيعية

تحقيق: عمر حسين النور 27 مارس2022م

عُرفت ولاية نهر النيل بالتعدين الأهلي في مجال الذهب، وظلت الولاية تتصدّر ولايات السودان من حيث الإنتاج وأعداد المُعدِّنين الذين وصل عددهم في آخر إحصائية حوالي مليوني معدن في محليات شرق الدامر وبربر وأبو حمد، وانعكست عمليات التعدين الأهلي سلباً على مواطن الولاية، لا سيما بعد استخدام مادة الزئبق السامة التي تؤثر على الإنسان والحيوان والنبات، وهناك أضرار صحية بالغة على الإنسان كشفت عنها تصريحات سابقة خاصةً للنساء، حيث تسببت في عمليات اجهاض خلال الفترة الماضية.

دراسة علمية

كشفت دراسة علمية أجراها مختصون من عدد من الجامعات السودانية في مجال البيئة عبر نتائج فحص مخبري لعينات مختلفة من البول والدم والتربة بالمناطق التي ينتشر فيها التعدين التقليدي وتواجد غسّالات وخلاطات “الكرتة” بجنوب محلية بربر عن نتائج مُخيفة تتمثل في كثير من الأمراض التي تنجم عن الاستخدام غير الآمن للزئبق والسيانيد عن طريق الاستخدام المباشر لهذه المواد السامة أو التعرُّض إليها عبر طرق غير مُباشرة كمثال في الخضروات أو الرياح التي تحمل هذه المواد بين طياتها، وأكدت الدراسة التي اطلعت عليها “الصيحة” ان صحة المواطن في خطر.

أمراض متعددة

في حديثها لـ”الصيحة” قالت مدير إدارة صحة البيئة بوزارة الصحة ولاية نهر النيل حفصة محجوب مدير صحة البيئة، إن الزئبق من العناصر السامّة، والتي لها تأثيرٌ سالبٌ على الإنسان والحيوان والبيئة، وذكرت أن الزئبق يستخدم بصورة عشوائية في التعدين حيث يسكب في أحواض لغسيل مسحوق الصُّور المُتوقّع فيها الذهب لفصله وجمعه ويتم بالأيدي، ونجد أن العمال يضعون أرجلهم داخل الأحواض فيتلوث جسد العامل بالزئبق، الأمر الذي يُعرِّضه للتسمم، وأضافت: هذا يعتبر أثراً مباشراً وله آثار تراكمية وتتمثل في مهاجمة الزئبق للجهاز التنفسي، الى جانب أمراض الجهاز العصبي، حيث يسبب الاكتئاب وتتطور حسب الكمية التي يتعرض لها العامل والفترة الزمنية التي تعرض لها، فضلاً عن انه يسبب حالات إغماء وأعراض أمراض الرعشة في الأطراف والرعشة الكاملة التي تسمى بـ”المنياماتا”، وكشفت حفصة أيضاً أنّ الزئبق يتسبّب في مشاكل في الكُلى قد تصل الى الفشل الكلوي. وقالت إن الزئبق كذلك يسبب العقم للرجال والإجهاض للمرأة الحامل.

ضرورة قصوى

وشدّدت حفصة محمود، على ضرورة استخدام بدائل الزئبق أو استخدام وسائل الحماية الشخصية وعدم استنشاق أو مُلامسة الزئبق لأجزاء الجسم، وطالبت بأن يتم التعدين بمواقع بعيدة عن السَّكن وتحت الرقابة الصحية، ونادت بضرورة التوعية الصحية بمخاطر الزئبق واستخدام القانون لأيِّ نشاط تعديني بالقرب من السكن أو الزراعة أو مياه الشرب، وتكوين لجنة لمحاربة الغسّالات بجنوب بربر وعكس المُشكلة عبر وزارة الصحة ومن ثَمّ الولاية.

نفيٌّ طبيٌّ

بدوره، نفى المدير الطبي بمستشفى بربر الدكتور محمد إبراهيم، وجود نسبة كبيرة للإجهاض وسط النساء بمدينة بربر بسبب الزئبق، وقال إنّها حالات عادية، وأشار إلى عدم وجود دراسة علمية تؤكد أن الإجهاض يتم بسبب الزئبق، مؤكداً وجود خلل في وظائف الكلى ناتج عن تلوث المياه، وشدد على ضرورة إيقاف التعدين العشوائي بإنشاء أسواق مدروسة مُنظّمة من طواحين وصرف صحي بخُطط هندسية وبمُشاركة خُبراء مُختصين.

أحكام ضد المخالفين

أصدرت محكمة جنايات عطبرة، أحكاماً قضائية وُصفت بالرَّادِعَة في مُواجهة عدد من المُخالفين للمرسوم الولائي المُؤقّت الذي يمنع استخدام خلاطات الذهب في المناطق السكنية، حيث ما زالت تستخدم خلطات استخلاص الذهب بالمناطق السكنية الزراعية والرعوية بمناطق جنوب بربر فيما ينتظر نحو (٢٢) متهماً آخرين تقديمهم للمحاكم لصدور أحكام في مواجهتهم.

ولقد رصدت “الصيحة”، استجابة عدد من العاملين في تعدين الذهب للمرسوم الولائي، القرار الذي حدّ كثيرًا من الأضرار التي قد يسببها استخدام الزئبق بالقرب من مساكن المواطنين.

قنبلة موقوتة

فيما وصف رئيس المجلس الأعلى للبيئة سامي مصطفى وجود الخلاطات بالقرب من المناطق السكنية بالقنبلة الموقوتة، وأشار الى قرارات مرتقبة لتقنين عمليات التعدين الأهلي وترشيد استخدم المواد السامة، وفق ضوابط وسقف زمني محدد، مؤكداً وجود جهود لإزالة الخلاطات والغسّالات المُنتشرة بمناطق جنوب بربر ودراسة الأثر البيئي المُترتِّب على الإنسان والحيوان وكافة المكونات البيئية.

تقليل المخاطر

وأشار مدير الشركة السودانية للموارد المعدنية فى الولاية الدكتور أسامة محمد عبد الله الماحي الى ان هذه الأنشطة تعد مخالفة للبيئة ولم يتم التصديق لها بالعمل من أي جهة رسمية، واصفاً ظاهرة الغسّالات والخلاطات بالمتفشية، داعياً لتكامُل كافة الجُهُود للقضاء عليها والمُحافظة على سلامة البيئة، وأعلن عن تفعيل الدور الرقابي والتوعية بمخاطر المواد التقليدية المستخدمة في تعدين الذهب، واصفاً التعدين بأنه من أهم دعائم الاقتصاد ولا يمكن إغلاقه بصورة كاملة ولكن يمكن تقنينه وتقليل مخاطره، عبر فرض عقوبات رادعة على المخالفين للضوابط والاشتراطات الصحية على حد قوله.

دراسات دولية

أظهرت عدة دراسات عالمية بأن العديد من الأشخاص الذين يتواجدون بالقرب من مواقع استخراج الذهب الحرفي ضيق النطاق يملكون مستويات مرتفعة من الزئبق في الدم والشعر والبول وحليب الثدي، لأن الزئبق يكون قد لوّث السلسلة الغذائية.

وقد أظهرت دراسة حديثة العهد في عدد من البلدان، وجود مُستويات عالية من الزئبق لدى النساء في سن الحمل في البلدان التي تجرى فيها عمليات استخراج الذهب الحرفي ضيق النطاق، بحيث بلغت تلك المُستويات ستة أضعاف المُستوى الآمن الذي توصي به منظمة

الصحة العالمية.

وفي إندونيسيا، عُثر على عدة حالات متطرفة يُرجّح أنها ناجمة عن

التلوث بالزئبق، كما عثر على عدة حالات لتشوُّه خلقي وذلك في المناطق الساخنة التي تجرى فيها نشاطات استخراج الذهب الحرفي ضيق النطاق، ويجب أن تتضمن خطة العمل الوطنية للقضاء على الزئبق في قطاع استخراج الذهب الحرفي ضيق النطاق كلاً من أصحاب الشأن المحليين وجمعية عُمّال المناجم، كما يجب أن تراجع هذه الخطة إدارة قطاع استخراج الذهب الحرفي ضيِّق النطاق وتحدد سُبُل عيش بديلة، ويجب أن تتضمّن خُطة العمل أيضاً تدخلات ومراقبة طبيتين.

إن القضاء السريع على الزئبق أمرٌ مُمكنٌ، لأن عمليات استخراج الذهب الفيزيائية والميكانيكية – مثل المركِّزات والاستخراج الكهربائي وعمليات الجاذبية، متاحة بأسعار معقولة.

ويطالب المُختصون بحظر استخدام الزئبق وتجارته فوراً في عمليات استخراج الذهب الحرفي ضيق النطاق من أجل حماية عمال المناجم والمُجتمعات المحلية، وتوفير تكنولوجيا بديلة ضمن إطار إضفاء صفة رسمية على قطاع استخراج الذهب الحرفي ضيق النطاق وتحسين إداراته.

الخطر

تجرى عمليات استخراج الذهب الحرفي ضيِّق النطاق في أكثر من سبعين بلداً ويشارك فيها من عشرة إلى خمسة عشر مليون من عمال المناجم بما في ذلك وفق دراسات دولية (حوالي أربعة إلى خمسة ملايين امرأة وطفل، ويعتمد أكثر من عشرين مليون شخص على هذا القطاع في تأمين سبل معيشتهم.

وعلى المستوى العالمي، يعاني 52% إلى 33% من عمال المناجم

في عمليات استخراج الذهب الحرفي ضيق النطاق من التسمم المُعتدل المُزمن بأبخرة معدن الزئبق، عَلاوةً على ذلك، يُعتبر أكثر من مائة مليون شخص يعيشون بالقرب من مواقع استخراج الذهب الحرفي ضيق النطاق أو في اتّجاه مجرى الأنهار منها، على أنهم

مجموعات سكانية مُعرّضة للخطر. كما تعد النساء في سن الحمل والأطفال الصغار من المجموعات السكانية المُستضعفة التي تتأثّر أكثر من غيرها.

كما أوردت الصيحة

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.