سودافاكس/ وكالات – مع قدوم شهر رمضان كل عام تطفو على السطح دعاية ملفتة لمساندة جهات رسمية وشعبية للغارمين والغارمات في مصر، وهم المحبوسون بسبب دين تعثروا في سداده نتيجة الظروف الاقتصادية، وذلك عبر سداد ديونهم وإطلاق سراحهم.
وطالب مختصون تحدثوا للجزيرة نت السلطات المصرية بإيجاد بدائل ناجعة لحبس الغارمين والغارمات، منها تحسين درجة الوعي والوضع الاقتصادي وسرعة إصدار تعديل تشريعي بعقوبات بديلة وإطلاق مساحات أكبر في المجال العام، حيث لا تزال الاستجابة مركزة غالبا في إنقاذ المدين بعد سجنه وليس قبل ذلك.
حكايات مريرة
أمل (52 عاما) حكم عليها وابنتها (22 عاما) بالسجن سنة مع غرامة ألف جنيه، وتحتاج سداد مبلغ 16 ألفا و600 جنيه، معها من المبلغ ألفا جنيه، وسبب الدين قرض لزواج الابنة، رغم أن الأم كانت تسدده لكنها أصيبت بمرض ولم تعد قادرة على السداد، في حين تعمل الابنة وتصرف على علاج والدها (62 عاما) وهو مريض بتليف الكبد وغير قادر على العمل.
بهذه المعلومات استطاعت جمعية “مصابيح الهدى للتنمية” (شمال العاصمة القاهرة) أن تسدل الستار على إحدى الحكايات المريرة التي تعاني من الديون، بعد تعاطف فاعل خير معها، وفق تدوينة على صفحتها الرسمية على موقع فيسبوك.
وفي حديث للجزيرة نت، تشير الموقوفة السياسية السابقة بمصر “روميساء عادل” إلى أن سجن النساء يضم بين جنباته حكايات كثيرة مريرة للغارمات اللاتي يبددن حياتهن بسبب أقساط أجبرتهم عليها الظروف الاقتصادية.
وتضيف “روميساء” -وهو اسم مستعار لها بناء على طلبها- أنها عاشت في السجن مع سيدة تعرضت للحبس بعدما وقّعت على إيصالات أمانة لتشتري لابنتها مستلزمات زواجها بثمن مرتفع، موضحة أنها لا ترى ضرورة لحبسها وسط قاتلات وتاجرات مخدرات وغيرهن، لكن لا ترى مبررا للاستدانة في تجهيزات زوجية مبالغ فيها في ظل الظروف الصعبة اقتصاديا.
سوء الأحوال الاقتصادية
ويرى الخبير الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي أن ظاهرة الغارمين عرَض لمجموعة من الأمراض في المجتمع المصري، وعلى رأسها سوء الأحوال الاقتصادية وطبيعة العلاقات الاقتصادية السلبية في البيع والشراء بين المصريين.
ويشير -في حديث للجزيرة نت- إلى أنه يتم استخدام “إيصالات الأمانة” في البيع بالأقساط لدى شريحة من المصريين، وعادة تتم كتابة الحقوق بأكثر من قيمتها بعشرات المرات، وأحيانا مئات المرات، بل تتم كتابة “إيصال الأمانة” على “بياض” دون قيمة محددة وهنا تتضخم الأزمة، فهناك مدين عليه ألف جنيه، ولكن تم حبسه في إيصال أمانة بـ100 ألف جنيه، وهو ما يحتاج إلى تدخل تشريعي لمنع الحبس واستبداله بعقوبات بديلة يحددها رجال القانون.
ويوضح الصاوي أن هناك عادات اجتماعية سلبية ضاغطة على البعد الاقتصادي، وتسهم في تصاعد الأزمة، وهنا لا بد من التوعية بعدم المغالاة في شراء مستلزمات العروسين، لأن من يدفع الثمن في نهاية المطاف رب الأسرة أو المرأة المعيلة.
ويؤكد الخبير الاقتصادي أن ظاهرة الغارمين ستنتهي عندما يتم تحسين الظروف الاقتصادية في مصر، مقترحا أن تبادر هيئة الوقف في مصر إلى إطلاق مشروع لتجهيز العروسين غير القادرين، مشيرا إلى أن هذا عرف موجود في التراث العربي والإسلامي.
ويدعو الصاوي الحكومة المصرية لما وصفه بفتح المجال العام ورفع يدها عن الجمعيات الخيرية التي يرى أن الحكومة تعيق عملها، وهو ما تنفيه الحكومة عادة، مشددا على أهمية تصاعد مساهمة الجمعيات الخيرية في الأمان الاقتصادي للفقراء بشكل أرحب لتجنب سقوط ضحايا جدد، مؤكدا أن الأزمة ظهرت في السنوات الأخيرة على نحو كبير بعدما تعرضت الجمعيات لموجة ضغوط وقيود.
العفو والتعديل التشريعي
ويرى رئيس مركز الشهاب لحقوق الإنسان المحامي والحقوقي خلف بيومي -في حديث للجزيرة نت- أن التعديل التشريعي هو الحل الأفضل في التعامل مع الغارمين والغارمات، وهو الذي يسمح ببدائل عن الحبس، إذ إن الحبس يحول دون سداد الدين عن الغارم وكذلك يخلق آثارا سلبية على الأسر والأطفال بصفة خاصة.
ويفضل المحامي والحقوقي خلف بيومي أن تقوم مؤسسة الأزهر الشريف بدور أكبر في توفير بدائل لإنقاذ ضحايا الديون، وذلك عبر توجيه الناس لصرف زكاة أموالهم وصدقاتهم للغارمين، سواء تحت إشراف بيت الزكاة أو بدعم معنوي من المشيخة يثير الاهتمام الشعبي بتلك الأزمة.
ويؤكد بيومي أهمية استمرار العفو عن الغارمين والغارمات وخروجهم في المناسبات الرسمية.
واقع ضاغط
وتحت ضغط الواقع، بات الغارمون والغارمات على الأجندة الرسمية والشعبية، ولا يوجد حصر رسمي بأعداد الغارمين والغارمات في مصر، لكن تقديرات غير رسمية تذهب إلى أن أعداد الغارمات تقترب من 30 ألفا فقط مع زيادة بشكل يومي.
ووفق تقرير حقوقي حديث أصدره “ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان” تحت عنوان “التوقيع على بياض.. الطريق إلى السجن” فإن أعداد الغارمات المسجونات فقط تصل إلى 30 ألف سجينة غارمة.
ورصد التقرير ازدياد أعداد الغارمين بشكل يومي، خاصة مع انتشار فيروس كورونا وما تبعته من مخاطر فقدت معها أسر كثيرة مصدر دخلها، موضحا أن الإحصاءات كشفت عن أن 90% من الغارمات تكون لزوجة ضامنة لزوجها.
وفي المقابل، نفت وزارة الداخلية المصرية في مايو/أيار الماضي هذا العدد على لسان مصدر مسؤول، ولم تعلن أرقاما رسمية.
ووجه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أواخر الشهر الماضي الحكومة بشأن تدقيق قوائم الغارمين ومنح الأولوية للسيدات المعيلات والأرامل والمسنين، والتنسيق مع المجتمع المدني والمؤسسات الدينية من أجل مساعدة الأسر غير القادرة على تسيير شؤون الزواج والإسهام في سداد الديون.
وأطلق السيسي مبادرتين: “مصر بلا غارمين وغارمات” عام 2015، و”سجون بلا غارمين” عام 2018، وذلك عبر أموال صندوق “تحيا مصر”.
ولا يزال من المشروعات المؤجلة رسميا -حتى الآن- مشروع قانون العقوبة البديلة لحبس الغارمين الذي قُدم قبل أكثر من عام، بهدف تحويل عقوبة الحبس قصير المدة لبدائل عدة، وتمت إحالة مشروع القانون إلى اللجان النوعية المختصة في مجلس النواب لمناقشته، وتسود حالة من الترقب مع تزايد المناشدات لصدور القانون في العام الحالي، وفق تقارير إعلامية محلية.
وبرز الجهد كذلك في سداد الديون عبر عدد من مؤسسات المجتمع المدني.
وقرر شيخ الأزهر رئيس مجلس أمناء بيت الزكاة والصدقات الدكتور أحمد الطيب مضاعفة المنحة الشهرية التي تقدم لمستحقي الزكاة والصدقات، ومن بينهم الغارمون وغير القادرين على تجهيز بناتهم، وذلك بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.
وتحت شعار “رمضان الخير”، أعلنت المبادرة الرئاسية “حياة كريمة” مطلع أبريل/نيسان الجاري تسديد ديون بعض الأسر المتعثرة في السداد.
وكشفت مؤسسة “مصر الخير” الخيرية في بيان على موقعها الرسمي عن أنه تم فك كرب أكثر من 86 ألف غارم وغارمة منذ بدء مشروعها في 2010 وحتى الآن.
وحسب بيان المؤسسة، فإنه توجد معايير لاختيار الغارمين، كما توجد لجنة للتفاوض مع الدائن لتقليل قيمة الدين، مع وجود حالات استثنائية، والأولوية للمسجونين الذين عليهم أحكام نهائية واجبة النفاذ، موضحة أنها قامت بإنشاء 5 مصانع لتعليم صناعة السجاد اليدوي للغارمين بعد فك كربهم.