سودافاكس ـ كان فيروس كوفيد 19 المسبب لعلة الكورونا ديمقراطيا، وانتشر في كل بلاد الدنيا، ولم يستهدف الفقراء وحدهم كما تفعل العديد من الفيروسات والباكتيريا والجراثيم، فقد صرع في محيطنا الجغرافي عددا من الأغنياء وأهل السياسة والمشاهير، من بينهم المطرب المغربي محمود الإدريسي، والموسيقار اللبناني بسام سابا، الذي كان رئيس المعهد الوطني العالي للموسيقى في لبنان، ورئيس الوزراء السوداني الأسبق، الصادق المهدي، وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وكبير المفاوضين الفلسطينيين السابق، صائب عريقات، والممثلة المصرية رجاء الجداوي، ولاعب كرة القدم العراقي الفذ أحمد راضي.
وفي أوروبا والولايات المتحدة جندلت الكورونا لحين من الدهر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وحرمه ميلانيا، والأمير تشارلس ولي عهد بريطانيا ونجله وليام، ورئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون، والممثل الأمريكي البارع توم هانكس، وأشهر الراكضين في مضامير الألعاب الأولمبية الجامايكي يوسين بولت، ولاعب كرة القدم البرتغالي كريستيانو رونالدو.
وبالمقابل وجدت العديد من الحكومات في الكورونا ذريعة لممارسة القهر والقمع والكبت، وتقول منظمة مراقبة حقوق الانسان (هيومن رايتس ووتش) إن 83 حكومة على الأقل حول العالم استغلّت الجائحة الناتجة عن فيروس كورونا” لتبرير انتهاك حرية التعبير والتجمع السلمي. ومنها من جعل من حظر التجمهر للتقليل من احتمالات انتقال الفيروس بالمخالطة، ذريعة لتقييد حركة المواطنين تماما بحيث لا تخرج مسيرات ترفض سياسات هذه الحكومة أو تلك أو تطالب بسقوطها؛ وبموازاة الكمامة الواقية من الفيروس فرضت تلك الحكومات على مواطنيها كمامات افتراضية تمنعهم من الجهر بآرائهم حول القضايا العامة، كما هاجمت المنتقدين لسياساتها في مواجهة الجائحة وزجت ببعضهم في السجون، بل تعرض البعض للقتل، ومن بين الضحايا صحفيون، ونشطاء، وعمال الرعاية الصحية، وجماعات سياسية معارضة، وخصت المنظمة بالانتقاد الصين، وكوبا، ومصر، والهند، وروسيا، وتركيا، وفنزويلا، وفيتنام، وبنغلاديش.
ظل فيروس كوفيد 19 ديمقراطيا من حيث أنه لم يمارس التمييز بين ضحاياه على أساس اللون أو العرق أو الدين أو الطبقة الاجتماعية، ولكن انتشاره فضح بؤس النظام العالمي القائم اليوم،
وكانت الصين التي نشأ فيها فيروس كوفيد 19 وترعرع، الأكثر شططا في استغلال الجائحة لقمع معارضي الحكم فيها، وكانت أولهم الصحفية المواطنة جانغ جان (الصحفي المواطن هو الذي يمارس المهنة دون الانتماء إلى مؤسسة صحفية، ويقوم بذلك تطوعا)، والتي نالت حكما بالسجن أربع سنوات بتهمة “إثارة الخلافات والمشاكل” لأنها سافرت الى ووهان مسقط رأس الفيروس في مطالع عام 2020 وأذاعت أمره، بينما كانت السلطات الصينية تتكتم عليه.
العديد من الرؤساء الأفارقة عمدوا إلى التهوين من أمر الفيروس، بل منهم من قال إن الأفارقة محصنون ضده بحكم تركيبتهم الجينية، وكان من بين هؤلاء يوري موسفيني رئيس يوغندا المزمن (يجلس على كرسي الحكم منذ كانون الثاني/ يناير 1986)، الذي كان يردد إن كورونا فزاعة تستخدمها القوى الاستعمارية لتحقيق غايات خاصة، ثم ما أن خرج معارضوه في مظاهرة تطالب بالحريات العامة وبانتخابات شفافة في تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 2020 حتى صب عليهم نيران عساكره وقتل 54 منهم، ووجدها فرصة لاعتقال روبرت كياغولاني الذي كان مرشح المعارضة في آخر انتخابات رئاسية، حيث وجه إليه تهمة عدم التقيد باشتراطات مكافحة الكورونا، وعلى رأسها بالطبع “التباعد الاجتماعي” الذي لا يمكن الالتزام به خلال المواكب الجماهيرية.
وحتى في الدول ذات الأنظمة القمعية التي “اعترفت” بأن الكورونا خطر حقيقي دون أن تبذل حكوماتها أي جهد لمكافحتها وتلقيح المواطنين ضدها، تعرض عدد كبير من الصحفيين، والمدونين، للاعتداء من قبل الشرطة لأنهم انتقدوا ضعف استجابة الحكومات لمهمة التصدي للفيروس، وعلى ذمة هيومن رايتس ووتش تعرض العديد منه للقتل رميا بالرصاص أو تحت التعذيب في 18 دولة.
تجلى تحالف العقلية الاستعمارية الاستعلائية مع الفيروس في مناداة جان بول ميرا، رئيس قسم العناية المركزة في مستشفى كوشين في باريس، بتجريب لقاحات الكورونا قبل تعميم استخدامها على الأفارقة، مبررا ذلك بأن “الأفارقة لا يعرفون الكمامات ولا العناية المركزة ولا حتى العلاج”،
وتفننت العديد من الدول في استخدام فزاعة الكورونا لممارسة القمع ولكن باسم القانون، وذلك بأن جعلت من التهويل من أمر الكورونا جريمة، ومن التهوين من أمرها جريمة أيضا، وابتدعت نصا مطاطيا بتجريم نشر المعلومات الكاذبة حول الكورونا، كما فعلت المغرب والأردن وكمبوديا وفيتنام والمجر وميانمار والشطر الهندي من كشمير، أما الرئيس التركمانستاني سردار بردي محمدوف، فقد حرم على شعبه ووسائل الإعلام في بلاده استخدام عبارة “فيروس كورونا”.
وكما أسلفت فقد ظل فيروس كوفيد 19 ديمقراطيا من حيث أنه لم يمارس التمييز بين ضحاياه على أساس اللون أو العرق أو الدين أو الطبقة الاجتماعية، ولكن انتشاره فضح بؤس النظام العالمي القائم اليوم، ففي مجال لقاح الكورونا كان التمييز واضحا وفاضحا، فلأن من قام بإنتاج اللقاحات المعتمدة هي المصانع الغربية والتي جنت من وراء ذلك ما يزيد عن 40 مليار دولار حتى الآن (الجرعة من لقاحي فايزر وموديرنا بـ 30 ـ 35 دولار)، فقد استأثرت الدول الغربية بمعظم اللقاحات المُنتَجة، ولم يكن اأمام شعوب آسيا وإفريقيا سوى الركون لما يسمى “مناعة القطيع”، وهي أن يصاب عدد كبير من الناس بالمرض فتتعزز عند مجتمعاتهم المناعة الجماعية.
ثم تجلى تحالف العقلية الاستعمارية الاستعلائية مع الفيروس في مناداة جان بول ميرا، رئيس قسم العناية المركزة في مستشفى كوشين في باريس، بتجريب لقاحات الكورونا قبل تعميم استخدامها على الأفارقة، مبررا ذلك بأن “الأفارقة لا يعرفون الكمامات ولا العناية المركزة ولا حتى العلاج”، ومذكرا بأنه تم تجريب أدوية متلازمة الإيدز في مراحلها الأولى على البغايا، وهكذا فالأفارقة في نظره كبغايا فرنسا يقومون مقام فئران التجارب لضمان سلامة الإنسان “الغربي” الصحية.