هل يسد السودان الفجوة الغذائية في العالم بسبب الحرب الأوكرانية؟

ما إن اندلعت الحرب الروسية – الأوكرانية في 24 فبراير (شباط)، بدأ كثير من التقارير الدولية يحذر من حدوث فجوة غذائية في حال استمرار الصراع واتساع رقعته، بخاصة أن الدولتين ارتبطتا بعلاقات تجارية كبيرة مع عدد من دول العالم في مجال الأمن الغذائي لا سيما واردات القمح.

وبما أن السودان يملك الموارد الطبيعية المطلوبة لإنتاج الغذاء بمختلف أنواعه، فهل بإمكانه سد هذه الفجوة الغذائية التي يعاني منها العالم حالياً ومستقبلاً، ما يجعله يحقق مكاسب اقتصادية هائلة، بخاصة أن كل الأسواق العالمية سوف تكون مفتوحة أمام منتجاته الزراعية بعيداً من نظام الحصص المانعة للدخول في بعض الأسواق؟

شراكات ذكية

الخبير السوداني في التخطيط الاستراتيجي محمد حسب الرسول، قال، “الحرب الروسية – الأوكرانية أثرت بشكل مباشر على أزمة الغذاء عالمياً، فالدولتان تعدان من أكبر منتجي القمح في العالم، واستمرار هذه الحرب ستحرم البلدين من مواصلة دورهما في إمداد كثير من دول العالم بالقمح السلعة الرئيسة على موائد معظم سكان المعمورة، ولهذا انعكاس سلبي على أوضاع الغذاء وإمداده، كما أثر الاحتجاب القسري عن تصدير القمح على أسعار هذه السلعة التي بدأت في الارتفاع بدءاً من هذا الموسم، الأمر الذي سيرتب تداعيات كبيرة على المستويين الاقتصادي والسياسي على دول الجنوب بشكل رئيس، كون أوضاعها الاقتصادية والسياسية تعاني من مستوى هشاشة يعلمها الجميع”.

وتابع الرسول، “على الرغم من حال التفكك التي أصابت السودان بعد التغيير المستحق الذي حدث في أبريل (نيسان) 2019، وسوء الأوضاع التي يعيشها هذا البلد الآن، إلا أن ثمة فرصة كبيرة لقيامه بدور معتبر في تأمين غذائه والمساهمة في تحقيق الأمن الغذائي على المستويين الإقليمي والدولي”. وأكد أن هناك فرصة متاحة لاستثمار أراض كبيرة خلال هذا العام، تتوزع بين شمال السودان، ونهر النيل، ونهر عطبرة والجزيرة، وبالإمكان زراعة هذه المساحة في الموسم الشتوي المقبل بالقمح، وفي حال تم ذلك، فإن محصول هذه الرقعة الجغرافية سيؤمن بشكل كامل احتياج السودان، وثلث حاجة مصر من القمح، لكن الأمر يحتاج إلى إقامة شراكات ذكية بين القطاع الخاص في السودان الذي يمتلك هذه المساحات الشاسعة، وبين القطاع الخاص العربي، الذي ينتظر منه توفير مدخلات الإنتاج كاملة مع العمالة المتوافرة في مصر، وذلك من خلال توفر الشركات السودانية والمزارعين السودانيين أراضيهم في إطار شراكات تعاقدية، يتقاسم فيها أصحاب الأرض المحصول بنسب يتفق عليها مع أصحاب رؤوس الأموال العرب، وبهذا يمكن ضمان مساهمة السودان في تحقيق أمنه الغذائي وبشكل خاص من سلعة القمح ذات الأهمية الاستثنائية، وتؤمن مصر ثلث حاجتها من السلعة ذاتها، ويحقق الممولون العرب فوائد مالية معتبرة من مثل هذه الشراكة.

ونوه، الخبير الاستراتيجي إلى أن تجربة الشراكة التعاقدية بين القطاع الخاص السوداني ونظيره العربي يمكن ان تتوسع ابتداء من العام 2023 وذلك بمضاعفة المساحات المزروعة ومضاعفة رؤوس الأموال والأيدي العاملة، ثم تنويع المنتجات الزراعية باستغلال كل العروات الزراعية، مع التركيز على جانبي الإنتاج الزراعي، النباتي منه والحيواني، وبهذا يمكن أن يساهم الإنتاج السوداني في سدّ الأسواق العربية من المنتجات النباتية والحيوانية في الوقت ذاته، لا سيما أن السودان بمقدوره توفير أراض كبيرة تزرع بمحاصيل مختلفة، وأيضاً كمراع طبيعية توظف فيها ثروة السودان الحيوانية التي تزيد على 100 مليون رأس يمكن توظيف جزء معتبر منها لصالح تحقيق الأمن الغذائي العربي.

زيادة الإنتاج

وأشار رئيس مجلس إدارة مشروع “الرهد” الزراعي السابق في السودان، عبدالله محمد عثمان إلى أن آثار وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على الجانب الغذائي تتطلب وصفة ذات بعدين، الأول تطوير وزيادة إنتاج السلع الغذائية والنقدية التي يتمتع فيها السودان بمزايا نسبية، وذلك بإحلال الوارد وتعظيم الصادر، والبعد الثاني يكون بتأمين شراكة استراتيجية مع الأقربين وتحديداً مع الجانب المصري، وأضاف، “في البعد الأول، إذا ركزت الحكومة السودانية على تطوير قدراتها الإنتاجية، في محاصيل معينة مثل الذرة والقمح والدخن والفول السوداني وفول الصويا والسمسم والصمغ العربي والقطن، فمن المؤكد أن اقتصاد البلاد سيقطع مشواراً كبيراً نحو الاستقرار والنمو، وتزداد قدرته على الثبات وامتصاص الصدمات”.

وأوضح، أنه بنظرة سريعة للسوق العالمية، سنجد أن محصول الذرة ينمو سوقه بمعدل ستة في المئة سنوياً، ونجد أن تنافسية السمسم السوداني تتفوق على السمسم الإثيوبي والهندي في كثير من الأحيان، كما نجد أن الطلب العالمي على دقيق الدخن في زيادة مستمرة، وكذلك هناك أسواق ضخمة مضطردة النمو للصويا والفول السوداني، بالتالي، إذا تدخلت الدولة ورعت إنتاج هذه المحاصيل، من خلال إنشاء مجلس سلعي لكل محصول، فمن المؤكد أن اختراقاً كبيراً سيحدث في الاقتصاد السوداني وحياة المواطن. وزاد عثمان، “وفي ما يتعلق بالبعد الثاني الخاص بالشراكة والتعاون مع الدول الصديقة، كمصر مثلاً، أرى من الضروري والمهم التعامل معها في توفير مدخلات الإنتاج سواء عبر الصفقات المتكافئة أو غيرها، فمصر التي كانت تستورد قمحها بالأمس من أوكرانيا وروسيا، أصبحت تستورده اليوم من الهند، ونحن على مرمي حجر منها، فالأولى أن نبني معها شراكة تتجاوز أوهام السياسة، إلى تعاون استراتيجي”.

تجارب ناجحة

في حين ذكر الكاتب إبراهيم شقلاوي في مقال له أن من بواعث القلق الحديث عن أزمة الغذاء التي بدأت تطرق الأبواب وتحيط ببلادنا في الفترة المقبلة، وقد مضت الخطط والدراسات في وقت مبكر لتشير إلى أن السودان سلة غذاء العالم وأن بإمكانه أن يحقق الاكتفاء الذاتي له ولجيرانه إذا أحسن استغلال موارده بصورة صحيحة، إذ إن 80 في المئة من سكانه يعتمدون على الزراعة. وتابع شقلاوي، “بات من المرجح أن تخلق الحرب الروسية- الأوكرانية واتساعها زيادة في الطلب على الغذاء والحبوب من العديد من دول العالم، وكذلك دولتنا التي تعتمد على واردات القمح والزيوت من روسيا وأوكرانيا وبعض المدخلات الزراعية الأخرى، لذلك يجب أن تستعجل حكومتنا باتخاذ التدابير اللازمة للسيطرة على هذه الأزمة المتوقعة بإعلان التحضير المبكر والجيد للموسم الزراعي حتى إذا لزم الأمر إعلان حال الطوارئ في قطاعات الزراعة والصناعة والري والغابات واستنهاض الخبراء والمختصين للاتجاه نحو استصلاح الأراضي وفتح قنوات الري وتوفير مدخلات الانتاج والقيام بأقصى جهد وعمل وبالتحضيرات اللازمة لزيادة فرص نجاح الموسمين الصيفي والشتوي”.

ولفت إلى أن السودان يمتلك مشروعات منتجة مثل “الجزيرة” و”حلفا” و”الرهد” و”السوكي”، فضلاً عن امتلاكه نسبة مقدرة من الأراضي الزراعية الشاسعة التي لم تفلح بعد والتي تحتاج إلى قليل من الجهد المتمثل في تسخير الموارد المالية والبشرية، ولدينا تجارب ناجحة مع الصناديق العربية، وبنك التنمية الأفريقي، وعدد من المستثمرين العرب بخاصة مشروعات “الراجحي” الناجحة الواقعة شمال البلاد، وهي نموذج لتضافر الجهود السودانية السعودية في القطاعين العام والخاص.

وأكد الكاتب السوداني أنه آن الأوان للاتجاه إلى مشروعات جديدة عن طريق الشراكات مع الأصدقاء لأنها ستحول بلادنا إلى منتج بديل للغذاء في العالم العربي ما يجعل الجميع في مأمن من عدم استقرار الأوضاع العالمية وتأثر سلاسل الإمداد من الدول الكبرى جراء الحروب والتقلبات السياسية، فضلاً عن تحسين موقف السودان وجعله مبعثاً للطمأنينة لشعبه وشعوب المنطقة قاطبة.

ارتفاع الأسعار

وفي وقت سابق، حذر البنك الدولي من أن الحرب في أوكرانيا ستتسبب في أكبر ارتفاع مفاجئ في أسعار السلع بخاصة القمح منذ سبعينيات القرن الماضي، فضلاً عن ارتفاع حاد في تكاليف العديد من السلع الغذائية، إذ أظهر مؤشر أسعار الغذاء التابع للأمم المتحدة أنها وصلت بالفعل إلى أعلى مستوياتها منذ أن بدأ توثيق الأسعار قبل 60 عاماً، وتوقع البنك في آخر تقرير له، ارتفاع سعر القمح بنسبة 42.7 في المئة ووصوله إلى مستويات قياسية جديدة، وستكون الزيادات الأخرى الملحوظة 33.3 في المئة في أسعار الشعير، و20 في المئة لفول الصويا، و29.8 في المئة للزيوت، و41.8 في المئة للدجاج، وتعكس هذه الزيادات حقيقة أن الصادرات من أوكرانيا وروسيا قد انخفضت بشكل كبير.

وكان البلدان قبل الحرب يمثلان 28.9 في المئة من صادرات القمح العالمية، و60 في المئة من إمدادات زيت دوار الشمس العالمية، وهو عنصر رئيس في العديد من الأطعمة المصنعة.

قوتان زراعيتان

وتعد روسيا وأوكرانيا قوتين زراعيتين كبريين، وتمثلان أول ورابع أكبر مصدرين للقمح في العالم على التوالي، وسادس ورابع مصدرين للذرة، وتساهم روسيا وأوكرانيا بـ 30 في المئة من صادرات القمح العالمية، التي ارتفعت أسعارها منذ الحرب، في حين حظرت الحكومة الأوكرانية بعد مرور أسبوعين من اندلاع النزاع بين البلدين تصدير القمح والشوفان والسكر وغيرها من المواد الغذائية الأساسية لضمان قدرتها على توفير الطعام للمواطنين خلال الحرب مع روسيا، ومن المرجح أن يؤدي حظر الصادرات إلى خفض الإمدادات الغذائية العالمية، إذ وصلت الأسعار إلى أعلى مستوى لها منذ عام 2011، كما علقت روسيا صادراتها من القمح والشعير والذرة، إلى دول الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، التي تضم إضافة إلى روسيا، أرمينيا، وبيلاروس وكازاخستان، وقيرغيزستان، حتى 31 أغسطس (آب) المقبل، في خطوة لتأمين سوقها المحلية بما يكفي من الغذاء، كذلك، تلقت الأسواق العالمية ضربة ثانية بفرض الحكومة الهندية حظراً على تصدير القمح إلى خارج البلاد إلا لتلبية عقود بخطابات ائتمان صدرت بالفعل وللدول التي تحتاج بشدة لتلك الواردات لضمان أمنها الغذائي.

إندبندنت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.