سودافاكس ـ ظللت سنوات طويلة حائراً في تفسير عادة عجيبة يمارسها أهلي النوبيون خلال مراسيم الزواج، فهناك طقس يسمى «كلودن كاشي»، وكلود في النوبية هو العدد سبعة، والنون في آخرها للملكية والنسبة، فإذا أردت أن تقول «كتاب جعفر» تقول «جعفرن كتاب»، وعلى وجه الدقة تكون «جافرن كتاب» لأن العين لا تنطق عندنا إلا عندما ينحشر شيء ما – مثل شوكة سمك- في حلوقنا فنجاهد لإخراجه، و«كاشي» تعني يمزج أو يخلط أو يلخبط ويخربط.
المهم أنه وفي ذلك اليوم ينتظر العريس عروسه عند باب غرفة مفروشة بالحصير الملون المصنوع من سعف النخل ونسميه في السودان «بِرِش»، وما إن تدخل عليه حتى يحملها بين يديه ثم… يسير بها قليلاً ويلقي بها أرضا في أحد أطراف الغرفة، طبعاً يقوم معظم العرسان برمي عرائسهم برفق، ولكن ذلك لا يمنع وصف تلك الممارسة بالقسوة والغلظة، (فقد تعني ضمنا: وقعتك سودة يا بنت الناس)، وبعد ذلك يجلس الاثنان قبالة بعضهما البعض ويتبادلان بالأكف خليطاً من الحبوب المحمصة، سبع مرات ومن ينتهي عنده الدور يقوم بإلقاء الحبوب في وجه الآخر، فيختلط الحابل بالنابل ويتبادل جميع الحضور رمي الحبوب في الوجوه، ويعم الضحك والسرور، وقالوا إن ذلك من باب التفاؤل بوفرة الخير والطعام.
أذكر أنه وفي سياق مراسيم زواجي طلبوا مني أن أتوجه في موكب مهيب إلى نهر النيل لأغسل وجهي من مائه، فيما يسمى «السيرة» بإمالة حرف السين، والكلمة من «سار يسير»، وتتخللها أهازيج نسائية تتردد فيها عبارة «عريسنا/ عروستنا سار/ سارت» منغمة، ولما رفضت ذلك قالوا لي إنني لن أنجب ما لم أفعل ذلك، فأخبرتهم بأنني لا أعتزم إنجاب فاصوليا أو قمح أو حمص، وتساءلت: لماذا لا نستثمر مياه النيل في السياحة الطبية ونشجع جميع الذين يعانون من العقم على زيارة بلادنا وغسل وجوههم في النيل «بدل المرة ألف» فيمتلئ العالم بالعيال!! وإذا كنت أجد تفسيراً لعادة غسل الوجه في النيل، على أنها امتداد لتقديس النوبيين القدماء للنيل (والسودان الشمالي والأوسط كانا نوبيين لقرون طويلة)، باعتباره مصدر الخصوبة، فلا تفسير لعادة إلقاء العروس أرضاً سوى أنها إشارة إلى سطوة الرجل وقدرته على أن «يمسح بزوجته الأرض»!!
وتلقيت عبر البريد الإلكتروني رسالة توضح بعض عادات الزواج لدى مختلف الشعوب، ومعظمها تؤكد ضرورة إعطاء الزوجة العين الحمراء منذ «اليوم الأول»، ففي بلد إفريقي عربي، يقوم العريس بضرب عروسه أمام الضيوف لتأكيد أنه الآمر الناهي، وفي جزيرة جرينلاند الواقعة في المنطقة القطبية الشمالية يسحب الزوج عروسه من شعرها على الأرض ليدخل بها مكان الاحتفال، ولحسن حظ النساء هناك فإن الأرض مغطاة بالجليد طوال السنة ما يجعل عملية الجرجرة ضرباً من التزلج،.. أما في بورما التي صار اسمها ميانمار، حيث ظل كبار جنرالات الجيش يتعاقبون على كراسي الحكم عبر السنين الطوال، فإن رجلاً كبيراً في السن يتوسط حلبة حفل الزفاف ويقوم بثقب أذن العروس بينما تتولى الموسيقى الصاخبة دفن صرخاتها ومعنى ذلك: اسمعي يا بنت الناس… حياتك اعتبارا من اليوم عذاب ولن يستمع أحد إلى صرخاتك فاستري حالك و«انكتمي»!! ولكن بعض قبائل بولينيزيا أكثر ديمقراطية لأن العروسين يقفان أمام زعيم القبيلة فيمسك برأسيهما و… طاخ… يضرب رأسها برأسه، ربما تذكيراً لهما بوجع الرأس الذي سيتعرضان له، ولكن جزر كوك هي التي تعطي طقوس الزواج فيها الانطباع بأن المرأة هي الكل في الكل، لأنها وخلال موكب الزفاف تمر فوق أجساد مجموعة من الشبان يستلقون أرضاً متراصين!! أما في العالم العربي فيصعب الحديث عن تقاليد زواج ثابتة، ففي كل شهر تظهر موضة جديدة، ومعظم تلك التقاليد «تقليد» أي تفتقر إلى الأصالة!!