لماذا يخشى السودانيون من تفعيل الشرطة المجتمعية في البلاد؟

سودافاكس _ أثار تصريح المتحدث باسم الشرطة السودانية حول قرار بتفعيل “الشرطة المجتمعية” الكثير من ردود الفعل ما بين القبول والرفض والتوجس من أن يكون هذا إعادة لـ”قانون النظام العام” سيئ السمعة، الذي تم إلغاؤه بعد الثورة.

لماذا يخشى السودانيون من تفعيل الشرطة المجتمعية؟
بداية يقول السياسي السوداني، خضر عطا المنان، إن قانون الشرطة المجتمعية الذي أعلن مؤخرا هو الوجه الآخر بالتمام لما كان يعرف بقانون النظام العام، الذي تم استحداثه من قبل النظام السابق لمطاردة الناس في الشارع بدعوى ضبط وتنظيم الوضع المجتمعي والشارع.

الزي الفاضح
وأضاف في حديثه حسب “سبوتنيك”، إن قانون النظام العام هو الذي اضطهد المرأة ولاحق النساء في الشوارع، باعتبار أنه يتحدث عما عرف بـ”الزي الفاضح للنساء”، هذا الأمر كان مستغربا في ظل مجتمع محافظ بطبيعته كالمجتمع السوداني، وأصبح الجندي في الشارع هو الذي يحدد إلى أي مدى هذا الزي فاضح أم غير فاضح، كما كان يطارد الذين يسيرون في الطرقات والشوارع وكانوا يتحققون من أي رجل وإمرأة يسيرون في الشارع أو في سيارة خاصة.
وتابع المنان، قانون النظام العام السابق والذي يقابله اليوم الشرطة المجتمعية، كان به اضطهاد للنساء تحديدا، كما أن القانون “النظام العام”، في ظل حكم البشير كان الهدف منه الملاح ملاحقة المعارضين للسلطة والنظام.

غير مناسب
وأكد المنان أن توقيت الإعلان عن تفعيل قانون الشرطة المجتمعية غير مناسب الآن، نظرا لأن هناك تذمر في الشارع ومساعي حثيثة لتغيير الواقع نظرا لفشل السلطة العسكرية على مدى الأشهر العشر الماضية في اختيار رئيس للوزراء كوجه آخر للسلطة التنفيذية، هذا وضع غير طبيعي نظرا للهيمنة العسكرية على كل السلطات، حيث انفرط عقد الأمن والاقتصاد والسياسة بعد استقالة الدكتور عبد الله حمدوك رئيس الوزراء بعد الثورة، فهو الشخص الوحيد الذي استطاع ضبط الإيقاع خلال الفترة الوجيزة التي تولى فيها مهام المنصب.

واختتم بقوله: أرى أن الشرطة المجتمعية سيكون الضرر منها أكثر من النفع وأنها سوف تزرع المزيد من الأحقاد بين المواطنين، كما نود التذكرة أنه قد تم إلغاء قانون النظام العام الذي كان سائدا وفقا للقانون، لذا تم التحايل وإعادة التسمية “الشرطة المجتمعية”، والجميع يعلم أن هذا القانون سيئ السمعة.

قوانين مهمة
في المقابل يرى السياسي والحقوقي السوداني، الدكتور محمد الزين، بالنسبة لقوانين النظام العام أو الشرطة المجتمعية أو مسمى من هذا القبيل، هى قوانين موجودة في كل الدول سواء كانت نامية أو متقدمة، وفي كل الأحول نجد أن كل دولة من تلك الدول لها تقاليدها وعادات، حيث أن العمل الشرطي متعلق بالأمن والطمأنينة العامة، فليس هناك مواطن يرفض النظام والانضباط العام في المجتمع.

وأضاف في حديثه، إن الإشكالية التي صادفت قانون النظام العام الذي تم إلغاؤه بعد الثورة هى الغلو وطريقة التنفيذ، علاوة على أن التدخل السياسي في القضاء والقوانين يفسد الهدف التي تم سنها من أجله.
وأكد الزين على أن قوانين المجتمع والنظام العام هى ضمن المشروعات المهمة التي يجب مناقشتها في البرلمان، ودائما ما تكون قوانين النظام العام أداه مقبولة مجتمعيا لأنها تعمل على ضبط الأوضاع الداخلية والعلاقات المجتمعية والحريات وغيرها من الأمور التي تحتاج إلى ضبط وتوجيه، والعقبة تكمن في عملية الغلو في التطبيق، وكانت هذه الأمور تحدث في السابق، ويخشى الناس من تكرارها بواسطة الشرطة المجتمعية الجديدة.

تعاطي المخدرات
واختتم بقوله: خلال الفترة الماضية حدثت الكثير من الطفرات في بعض الملفات والتي من بينها على سبيل المثال تعاطي المخدرات، حيث أن شرطة المخدرات غالبا ما تكون مهامها تعقب الشحنات والتجار، لذا فإن تواجد الشرطة اليوم في الشارع شيء مهم، ولا أظن أن أي أسرة يمكن أن ترفض الشرطة المجتمعية وتترك أولادها للمخدرات وقس على ذلك الكثير من الملفات.

قال المتحدث باسم الشرطة العميد عبد الله بشير البدري، إن قرارا صدر عن وزارة الداخلية ورئاسة الشرطة قضى “بتفعيل” عمل الشرطة المجتمعية، وتحدث لبرنامج “كالآتي” على فضائية النيل الأزرق الأسبوع الماضي ردا على سؤال ما إذا كانت هذه الشرطة ستعيد تجربة شرطة النظام العام بالقول: “صدر قانون أو لم يصدر، نحن بأعرافنا وتربيتنا الدينية، لا نقبل اللبس الفاضح والتصرفات غير الكريمة”، لكنه عاد وقال إن من مهام هذه الشرطة المجتمعية؛ “تنظيم المحاضرات والأنشطة الرياضية والثقافية، وإبرام المصالحات، وتسخير أفراد المجتمع لمد الشرطة بالمعلومات حول أي أنشطة إجرامية بما يمكنها من إكمال ملفاتها”.

وفجرت تصريحات المسؤول الشرطي جدلا واسعا باعتبار أن الشرطة المجتمعية هي إعادة تسمية لشرطة النظام العام التي تميزت بسمعة سيئة لملاحقتها الفتيات في الشوارع بحجة الزى غير المحتشم علاوة على مداهمة المقاهي والأماكن العامة وانتهاك الخصوصية والحد من الحريات العامة بشكل مقلق”بحسب صحيفة سودان تربيون”.

ومع احتدام الانتقادات لحديث المسؤول أصدر المكتب الصحفي للشرطة قبل أيام بيانا استدرك على تعليقات المتحدث جاء فيه “إن الشرطة المجتمعية ليست لها علاقة بالنظام العام وليست أداة تنفيذية بل إسناد لتطوير علاقة الشرطة بالمجتمع وهي تجربة تحكمها معايير دولية وتجارب لمهام تتطلب إشراك المجتمع لمعالجة بعض القضايا بأساليب تختلف عن الضبط والجزاء”.
وأكدت الشرطة علمها التام أن “التشريع حصريا هو سلطة البرلمان للقوانين الاتحادية ومجالس الولايات والمحليات للقوانين الولائية والأوامر المحلية التي تتكامل وتتواءم مع الدستور ولا تخالف الدستور”.

ومع ذلك تتزايد المخاوف من تفعيل الشرطة المجتمعية وتحولها لنسخة ثانية من شرطة النظام العام في ظل النهج الموغل في العداء الذي تتعامل به عناصر شرطية مع العامة وهو ما تبدى خلال الاحتجاجات السلمية التي تنتظم البلاد من نحو عشرة أشهر للمطالبة برحيل العسكر عن السلطة وتسليمها للمدنيين.
وكانت السلطات الانتقالية، ألغت في خواتيم العام 2019، قانون النظام العام والآداب العامة الذي سنّ في العام 1996، أثناء حكم الرئيس المعزول “عمر البشير، ويتكون من 25 مادة، تحدد الضوابط والقواعد المتعلقة بالسلوك العام في المناسبات والأسواق وغيرها ويمنح أفراد الشرطة سلطات واسعة للقبض على أي شخص، ويستهدف النساء على وجه خاص ويعمل لفرض الآداب العامة ويعاقب المخالفين بالجلد”.

ولقي إلغاء القانون وقتها إشادات كبيرة واعتبرته منظمة العفو الدولية خطوة إيجابية كبرى للحفاظ على حقوق المرأة في السودان.

Exit mobile version