سودافاكس _ بعد سنوات من التوقف، عادت هيئة مياه النيل لعقد اجتماعاتها في العاصمة السودانية الخرطوم، مما يعني بداية مرحلة جديدة من توافق آراء البلدين حول مشاكل وقضايا حوض النيل.
ويرى مراقبون أن عودة الاجتماعات تعني العودة إلى اتفاقية عام 1959، التي تنص على ضرورة التوافق على كل القرارات التي تخص شؤون النيل بين البلدين وأن تكون تلك الآراء متطابقة تماما، ما يعني أن مرحلة جديدة في ملف سد النهضة قد تبدأ من تلك الاجتماعات لتحريك المياه الراكدة واستعادة الحقوق، وإلزام إثيوبيا باتفاقات قانونية ملزمة تراعي حقوق كل الأطراف.
بداية، يقول خبير الموارد المائية، مستشار وزير الري المصري الأسبق، نائب رئيس المركز القومي لبحوث المياه، الدكتور ضياء الدين القوصي، إن “عودة اجتماعات هيئة مياه النيل في الخرطوم بعد 4 سنوات من التوقف هو أمر من المفترض أنه طبيعي، لأن هذه الهيئة تم إنشاؤها بناء على اتفاقية تمّت بين مصر والسودان في عام 1959”.
اتفاقية 1959
وأضاف في حديثه وفق “سبوتنيك”، أن “اتفاقية هيئة مياه النيل تنص على أن أي شأن من شؤون مياه النيل، لابد أن تتقدم مصر والسودان بآراء متطابقة، وكون أن هذه الآراء في فترة من الفترات لم تكن متطابقة، هذا يعني أن هناك اختلافات بين الجانبين، وعندما تعود اليوم الهيئة لعقد اجتماعاتها بعد هذا التوقف الطويل، هذا يعني ضمنيا تطابق الآراء بين القاهرة والخرطوم مجددا فيما يتعلق بشؤون النيل، وأن المياه عادت إلى مجاريها ، وعاد الطرفان مجددا إلى اتفاقية العام 1959، وأن صوت مصر والسودان أصبح موحدا أمام أي شيء آخر، سواء على مستوى النيل الشرقي أو على مستوى النيل بشكل عام”.
وأشار الخبير المصري إلى أن “النيل الشرقي به 3 أطراف، هي مصر والسودان وإثيوبيا، فعندما تتفق مصر والسودان على رأي واحد وفقا لإتفاقية 59 وترفض إثيوبيا، هنا سيكون هناك حديث آخر”.
وتابع لافتا إلى أن “مصر تقدمت مؤخرا بشكوى جديدة إلى مجلس الأمن بخصوص الإجراءات الأحادية التي تقوم بها إثيوبيا على النيل “سد النهضة”، تلك الشكوى لم يتم اتخاذ قرار بشأنها حتى اليوم ، وكل ما يتعلق بتلك الإجراءات معروضة الآن على مجلس الأمن، والذي لن يكون قراره هذه المرة كالمرة السابقة بالإحالة إلى الاتحاد الأفريقي، لأن الاتحاد لم يأخذ القرار المناسب عندما تم إحالة القضية له في المرة السابقة”.
وتوقع القوصي أن “يتم تحويل الشكوى المصرية إلى محكمة العدل الدولية أو إلى محكمين دوليين”، مشيرا إلى أن “مصر تبحث عن حقوقها المائية ولا ترغب في هدم سد النهضة، إنما تسعى مصر إلى التوافق حول موضوع إدارة وتشغيل السد والتنسيق الفني”.
أزمة المياه
في المقابل، يرى ممثل المجموعة المدنية السودانية لمناهضة مخاطر السدود، وليد علي، أن “دلالة العودة إلى اجتماعات هيئة مياه النيل وبعد انقطاع لفترة طويلة، توحي بأن الاهتمام بالقضايا المرتبطة بالمياه في منطقة حوض النيل أصبح على درجة من الحساسية”.
وأضاف في حديثه : “يبدو أن المشاكل الكثيرة التي تتعرض لها دول حوض النيل في توفير مصادر المياه، مع ازدياد حاجتها للتنمية ومع ازدياد حاجتها للزراعة، علاوة على زيادة الكثافة السكانية و قضايا النزوح واللاجئين الموجودة في دول حوض النيل المختلفة بسبب كثرة الحروب، كل هذه الأشياء تعتبر من أوائل أجندة البحث في قضايا مياه النيل”.
مفاوضات جديدة
وأكد ممثل المجموعة المدنية أن “سد النهضة وعدد من السدود الأخرى المشابهة لها في المنطقة، قد تؤدي لصيغة معينة أو لشكل من الاتفاقيات التي تحصى حقوق الدول في حوض النيل بشكل عام، لا سيما أن سد النهضة قد أوجد نوع جديد من طرق المفاوضات المتمثلة في المراوغة وعدم الالتزام من الجانب المعني ببناء السد، بجانب عدم التقيد بالقوانين والأعراف والمواثيق الدولية المتعلقة بالمياه والأنهار في البلاد المتشاطئة والمتعارف عليها، وقد يفتح المنهج الذي اتبعته إثيوبيا الباب أمام اتفاقات أخرى، قد تكون غير مريحة للدول الموجودة في حوض النيل بشكل عام”.
وأوضح علي أنه “بعد كثرة السدود على الأنهار في الدول الأفريقية، يجب البحث عن قوانين وصيغ قانونية جديدة يلتزم بها الجميع، وتتعلق بقضايا وحقوق الدول المطلة على حوض النيل ودول المنبع والمصب، وبالتأكيد قضية سد النهضة التي نعيشها هي قضية لم يعد العالم بعدها كما كان قبلها، لأنها مسألة غيّرت كثير جدا من المفاهيم حول قضايا المياه في العالم، وهي مسألة مهمة جدا”.
حوض النيل
وأشار ممثل المجموعة المدنية إلى أنه مع “ازدياد الاحتياج للتنمية في العديد من المناطق في مصر والسودان، ازداد معها الحاجة للأمن المائي، وخلال الاجتماع الأول للهيئة سوف تكون كل القضايا السابقة قد طرحت حتى نخرج بنوع من التوصيات التي تحاول أن تحافظ على الحقوق المائية لدول حوض النيل ودول المصب ودول المنبع أيضا”.
وتوقع وليد علي أن “تناقش اجتماعات هيئة النيل قضايا جريئة جدا تطرح لأول مرة للوصول إلى صيغ تلزم الدول في شكل اتفاقيات، خاصة أننا واجهنا في دول حوض النيل أضرار كثيرة جدا من عدم التوصل لأي اتفاق ما بين الجانب السوداني والجانب الإثيوبي والجانب المصري في طريقة ملء وتشغيل سد النهضة الضخم، الذي سوف يؤثر قطعا على حياة الملايين من السكان في مجرى النيل سواء في السودان أو في مصر، وتكون الصيغ والاتفاقيات محور الحديث في هذه الاجتماعات بشكل كبير محاولة للضغط على المؤسسات الدولية المشرفة على قضايا المياه، لتتبنى هذه النوعية من الاتفاقيات حتى تلزم مستقبلا الدول الأخرى”.
وذكر موقع “القاهرة 24” أن الاجتماعات الدورية للهيئة الفنية الدائمة المشتركة لمياه النيل في دورتها رقم 62 بدأت في الخرطوم يوم الأحد بعد توقف دام 4 سنوات.
وأفاد الموقع المصري بأن وكيل وزارة الري والموارد المائية في السودان ضو البيت عبد الرحمن منصور، وسفير مصر لدى السودان، وأعضاء الهيئة من الجانبين السوداني والمصري.
وقال رئيس الجانب السوداني، رئيس الدورة الحالية للهيئة، المهندس مستشار مصطفى حسين، إن الاجتماعات الدورية تأتي لإحياء أنشطة الهيئة فيما ينفع البلدين وتعزيز التعاون المشترك بما يحقق مصلحة البلدين.
وأضاف حسين أن الاجتماعات ستعمل على تطوير الهيئة الفنية الدائمة المشتركة، مشيرا إلى ضرورة أن تستصحب ضمن أجندة اجتماعاتها التغييرات الإقليمية والتعاون المشترك مع دول حوض النيل والعمل على تطوير العلاقات والتعاون مع دول الحوض.
وشدد على أهمية تفعيل العلاقات الطيبة مع دولة جنوب السودان والعمل في تنفيذ مشروعات على الأرض تسهم في معالجة مشاكل الفيضانات وإزالة الحشائش وتحسين الملاحة.
من جانبه، أكد رئيس الجانب المصري في الهيئة، عارف عبد المبدي، ضرورة مواجهة التحديات الماثلة أمام قضايا مياه النيل والتي أهمها تزايد السكان وحماية المنشآت المائية وتوفير الدعم المالي للهيئة.
ودعا إلى ضرورة التوصل لاتفاق بين السودان ومصر وإثيوبيا بشأن “سد النهضة” الإثيوبي لتحقيق الفوائد المرجوة، معربا عن أمله في الإسراع بدراسة مشروعات التنمية المشتركة للهيئة وتطوير أنشطتها.