أيها المستمعون الأعزاء” خفت صوت نجاة كبيدة.. من أثير أم درمان ووري الثرى بالقاهرة

“يا صوتها لما سرى خلف ما يكرفون الإذاعة”، خفت الصوت وانطفأ المصباح، قُدر للسودان ومستمعي الإذاعة أن ينعي الناعي ظهر أمس (الخميس)، رحيل الصوت الإذاعي المطبوع والمميز والقوي والمعتق بعتق أم درمان، نجاة عبد الله إسماعيل المعروفة بـ(نجاة كبيدة)، كما ألف اسمها المستمعون عبر أثير إذاعة أم درمان منذ بداية معانقتها لمايكرفون الإذاعة في العام 1976، والتي جابت عبر المايكرفون، العديد من المواقع المختلفة بالإذاعة بين إدارة الأخبار والمنوعات وبرامج المغتربين وغيرها من البرامج الإذاعية الأخرى، فكان صوتها المحفور داخل وجدان كل عشاق ومستمعي الإذاعة، لكنه الموت نقاد في كفه الجواهر يختار منها الجياد، فتخير نجاة صوت الأرض، وإيقاع حياة سودانية مليئة بالعطاء.. لتفارق الفانية بعد عمل مستمر في حوش الإذاعة، كابدت المرض وقابلته بجلد وصبر ظلت طريحة السرير الأبيض بمنزلها لفترة طويلة تعاني المرض الجسدي بسبب الوعكة التي ألمت بها، وغادرت إلى القاهرة في رمضان الماضي لتلقي العلاج، لتفارق الحياة، ويوارى جثمانها الثرى هنالك، وتخلف لأسرتها في حي أبروف ورفاقها مواجع وآلاما على فقدها.
(نجاة كبيده) اسم معروف لدى المستمعين حين تلامس كلماتها المايكرفون لقراءة الأخبار، وصوتها المحفور في ذاكرة الشعب السوداني وعبارتها المطبوعة في آذان المستمعين بقولها “المستمعون الأعزاء السلام عليكم ورحمة الله متعكم الله بالصحة والعافية”، لكن هكذا المبدعون يرحلون في صمت، فقد فارقت نجاة مايكرفون الإذاعة عام 2013م بعد أن ضاق بها أهل حوش الإذاعة الوسيع ووجدت نفسها وثلة مميزة من المذيعات في قائمة الموقوفين عن العمل، بعد قرار مدير الإذاعة حينها عوض جادين، بإحالتها مع عدد من كبار المذيعين في الإذاعة أمثال عبد الرحمن أحمد، محاسن سيف الدين، عمر عثمان، وغيرهم للمعاش ومنع أصواتهم من معانقة أسماع المستعمين الذين ألفوها لسنوات طويلة ولكن بعد ذهاب المدير صاحب القرار وتكليف معتصم فضل بإدارة الإذاعة أعاد كل الأصوات والأهرامات المألوفة ليعيد للإذاعة رونقها، لكن الفقيدة بحسب حديث زميلتها الإعلامية محاسن سيف الدين رفضت الاستجابة لكل محاولات زملائها بالعودة إلى مواصلة مشوارها في الإذاعة، واستجابت فقط لبعض المحاولات في قراءة نشرة أخبار حتى لا تكسر بخاطرهم، ثم عادت وانقطعت بعدها نهائياً عن الإذاعة إلا من بعض تواصل مع الزملاء في مواقع التواصل الاجتماعي، وقالت محاسن لـ(اليوم التالي) أمس، إن الراحلة حز في نفسها جداً قرار عوض جادين بوقفها عن العمل، وأصابها بالصدمة لدرجة أنها أصيبت بالمرض، حتى لم تعد تمر بشارع الإذاعة. محاسن أكدت تواصل الفقيدة معها في كثير من المرات حين تسألها عن بعض الكلمات وأبيات الشعر أو الأغنيات التي تستشكل عليها، أو كلمات لأغنية لا تذكر صاحبها.
هو الموت، انقطع صوت نجاة كما انطفأت حياتها بعد مشوار امتد لسنوات طويلة من العطاء الذي ظلت تشنف به آذان المستمعين، لا تلوي على شيء سوى أنها (نجاة)، مُحبة الإذاعة والمايكرفون، مُخلفة وراءها مساحات من الوجع تتمدد في نفوس زملائها ومن جايلوها في حوش الإذاعة ومستمعيها خلف أثير هنا أم درمان رغم سنوات انقطاعها عنهم، لا يحملون لها سوى أكف ترتفع ضراعة بأن يتغمدها الله بواسع رحمته بقدر ما أمتعت ذائقتهم وأسماعهم، وأن ترقد بسلام، وأن يدخلها الله واسع جنانه.

الخرطوم – سلمى معروف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.