الحنة السودانى تفرض نفسها بين مقاهى الحسين ووسط البلد

ين ممرات المقاهى المتناثرة على أطراف الساحة الضخمة تستقر وجوههن السمراء التى تستوقفك بابتسامة عريضة، “حنة” هكذا تهتف إحداهن بلهجة لا تخلو من كسرة واضحة تعلن عن انتمائهن لعالم آخر ضاقت سبله، التى لم تعد تسمح سوى بالفرار بحثاً عن لقمة عيش فى دولة أخرى، اخترقن لياليها الساهرة بقرطاس “حنة” مهترئ، وهو ما تحول إلى إحدى العلامات المميزة لمقاهى الحسين ووسط البلد التى اقتحم تفاصيلها فتيات الحنة السمراوات بملامح سودانية فرضت نفسها على المارة والساهرين فى ممرات الحسين التى انتقلت إليها أعداد كبيرة من فتيات السودان فى رحلة عمل تحولت إلى ما يشبه “الإعارة” من دولة لم تعد تتسع لهم إلى دولة أخرى مازالت تسمح بالحياة.

بشرة سمراء، قامة طويلة وجسد ممشوق وملامح سودانية صارمة وغيرها من التفاصيل التى لا تختلف بين فتاة وأخرى من المتجولات بقراطيس الحنة، من بينهن اختارت “آيات” إحدى فتيات الحنة الجلوس بين طاولات أحد المقاهى المنفردة فى زاوية من زوايا خان الخليلى، جلست إلى إحدى الطاولات التى طلب زبائنها الرسم قبل أن تتحدث عن تفاصيل رحلتها من السودان إلى القاهرة، بحثاً عن عمل يساعدها على إكمال الدراسة، بلهجة ثقيلة تحدثت آيات ذات الـ23 عاماً عن أوراقها التى تقدمت بها فى جامعة القاهرة والشقة الضيقة التى استأجرتها فى الجيزة فور وصولها، قبل أن تنطلق بين المقاهى بحثاً عن العمل، لم يعد هناك مجال للتعليم أو العمل أو الحصول على متنفس للحرية، وهى الظروف التى دفعت بمعظم الفتيات للرحيل بحثاً عن فرص أخرى، خاصة أن وضع المرأة فى السودان أصعب مما يمكن أن يتخيل أحد.

تحكى آيات عن الحنة التى تعتبرها السودانيات مصدر أساسى للدخل: “الحنة فى السودان مثل الشاى والقهوة فى مصر، لا يمكن أن تتخلى فتاة سودانية عن حنة أصابعها، ولكن حتى الحنة فرضت عليها الثقافة السودانية قيوداً أخرى لا تختلف كثيراً عن قيود الحياة الفقيرة التى نعيشها هناك”.

تكمل آيات حديثها عن قيود من نوع آخر دفعتها للهجرة قائلة: “فى السودان تميز الحنة بين الفتاة والمرأة المتزوجة، الفتاة لا يسمح لها سوى بالحنة على أظافرها فقط، أما المتزوجة فيجب أن تحنى الكعبين والجسم كله، وللمطلقات قيود أخرى فلا يسمح لهن بالحنة سوى بعد الوصول لسن الخمسين، طالما خرج الرجل من حياتهن”، بسخرية تصف آيات وضع المرأة السودانية التى رسمت الحنة تفاصيل حياتها، وحددت الرسومات ما كتب لها من قهر اختلف عن قهر المرأة فى مصر بقيود تشابهت رغم بعد المسافة.

يوماً بعد آخر تتواصل معها إحدى الصديقات التى ضاق بها الحال أيضاً، تشجعها آيات على الرحيل، وينتهى بها الحال مستقرة بين المقاهى فى دولة أخرى رسمتها السودانيات بخطوط الحنة السمراء، “لسه السودانيين بيعتبرون مصر والسودان واحد، الحال هنا ماشى، يمكن الناس هنا مش حاسة أن فى أصعب” عن حالة السودان التى لم تعد تراها محطة للرجوع تتحدث، اكتفت بالرضا بعالم جديد بين مئات الفتيات من بلادها، تحاول اقتحام مكان ثابت للحياة، تعينها عليه الحنة السودانى التى رسم بها المهاجرون عالما موازيا لحياة لم تعد تسمح لهم بالبقاء

S11201329114819

صحيفة اليوم السابع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.