سودافاكس ـ تتجاوز الصدمة الثقافية التي تصيب بعض الشباب العرب في أوروبا حد الشعور بالعزلة والصعوبة في الاندماج في المجتمع الأوروبي وتصل إلى حد اليأس وفقدان الأمل في خوض تحديات الحياة الجديدة.
ولا يجد بعض هؤلاء الشباب الذين فقدوا الأمل في قدرتهم على الاندماج سبيلاً للنجاة إلا عبر علاقة زواج بإحدى السيدات الأوروبيات كبيرات السن، اللاتي يوافقن على الارتباط من عرب في ريعان شبابهم.
وفي الوقت الذي يرى فيه الشاب العربي الزواج من مسنّة أوروبية حلولاً لمشكلاته الاقتصادية وصفقة رابحة تحقق له أحلامه، ترى المرأة الأوروبية في الشاب العربي شخصا في أوج عطائه، لا يراها غير مقبولة من الناحية الجسدية كما يراها أبناء جلدتها، لذلك تمضي في ذلك الزواج متسلحة بالقانون الأوروبي الذي يضمن لها حقوقها ويحميها حتى إذا قررت الطلاق بعد زمن.
ويبقى مستقبل هذا الزواج غامضا بين أن يكون مآله انفصالا وفراقا أم اندماجا ومنفعة متبادلة.
تزوجت من امرأة تكبرني بعشرين عاما لأنها قدمت لي كل شيء بعد أن تخلى عني كل السوريين والعرب في هولندا وساعدتني في توكيل محامٍ يطعن في قرار رفض لجوئي
شاب سوري
معيلتي وسفيرتي إلى المجتمع الأوروبي
تزوج أندريه شابو (31 عاماً) من سيدة هولندية (داريا 50 عاما) تكبره بحوالي 20 عاماً بعد أن تعرف عليها في مكتب “السوسيال” الهولندي وقامت بمساعدته في الحصول على مسكن وعمل.
وقال شابو وهو سوري الجنسية لـ”إرم نيوز”: “تزوجت من داريا لأنها قدمت لي كل شيء بعد أن تخلى عني كل السوريين والعرب في هولندا، وكذلك الحكومة الهولندية التي تخلت عنا وخلفت في وعودها تجاه اللاجئين”.
وأضاف شابو: “ساعدتني داريا في توكيل محامٍ يطعن في قرار رفض اللجوء، ثم قدمت لي غرفة في منزلها مقابل بدل إيجار غير مقبوض إلى حين تحسن ظروفي، ووجدت لي عملاً في مغسل سيارات يملكه قريب لها دون تعلم اللغة الهولندية”.
عاش أندريه في منزل داريا لمدة 6 أشهر وتوطدت علاقتهما كثيرا وساعدته العلاقة في التعرف على أصدقاء داريا والاندماج في المجتمع وتعلم اللغة، إلى أن عرضت عليه الزواج والعيش معا، فقبل شابو بالعرض بعد أن وجد في عرضها فرصة للخلاص من عذاب سنتين قضاها في هولندا مشرداً ومنبوذاً حسب تعبيره.
وهنا قال: “أنا أعلم أن هذا الزواج هو صفقة، وأعلم أن سن داريا غير مناسب للزواج مني، لكن المساعدة التي تلقيتها منها في العمل والاندماج في المجتمع كانت كفيلة بالتغاضي عن فرق العمر وعن أنها سيدة في سن أمي”.
وأردف: “الزواج عقد اجتماعي، هي أحببتني ورغبت بالزواج من شاب صغير، وأنا وجدت فيها معيلاً وطريقاً سريعاً للاندماج والحصول على الجنسية، وفي الوقت نفسه رأيت حباً وعطاءً منقطع النظير، وبرأيي هي أركان مناسبة للمضي في هذا الزواج”.
لن أطعن بالمرأة التي قدمت لي كل شيء، لكنني دوماً أخشى من مستقبل هذا الزواج، والذي أبقيه طي الكتمان عن أهلي في سورية
أندريه شابو
لن أتخلى عنها ولكن..!
يقطع شابو عهداً على نفسه بألا يغدر في داريا عندما يشتد ساعده ويحصل على الجنسية، لكنه يخشى مع مرور الزمن من تذمره من هذه العلاقة.
وقال الشاب: “لن أطعن بالمرأة التي قدمت لي كل شيء، لكنني دوما أخشى من مستقبل هذا الزواج، الذي أبقيه طي الكتمان عن أهلي في سورية، وهذا المستقبل لا يزال غامضا بالنسبة لي، لكن إلى الآن أنا راض وهي راضية ونعيش حياة جميلة”.
وختم حديثه: “مشاعري تجاه داريا صادقة، أنا فعلاً أحببتها بعد ما قدمته لي من مساعدة، لكنني لا أنكر أنني أتمنى لو أنها كانت أصغر سناً، وأتوجس من مستقبل هذه العلاقة لأنني أشعر أنه سيأتي يوم وأشعر بنقص في داخلي تجاه الارتباط بفتاة صغيرة”.
من النادر أن ينجح هذا الزواج ليس لأنه قائم على المنفعة فحسب، بل لأن هناك فجوة في كنفه قائمة على وجود طرفي زواج من جيلين مختلفين
أخصائية نفسية
زواج شبان عرب من مسنّات أوروبا.. صفقة رابحة بمستقبل غامض
لاجئون عرب يشكون من طول الإقامة في المخيمات الأوروبية
فاشل، برأي علم النفس
من جهتها، ترى الأخصائية النفسية توندويه أنداريان هذا الارتباط على أنه واحد من زيجات المنفعة والمتعة لكلا الطرفين.
وأكدت أنداريان “ازدياد ظاهرة الزيجات من مسنات أوروبيات من قبل الشباب العرب مع بداية مواسم الهجرة إلى أوروبا”.
وقالت لـ”إرم نيوز”: “من النادر أن ينجح هذا الزواج ليس لأنه قائم على المنفعة فحسب، بل لأن هناك فجوة في كنفه قائمة على وجود طرفي زواج من جيلين مختلفين، ولا توجد لدى أي منهما رغبة في بناء أسرة حقيقية، إضافة إلى مشكلة اختلاف العادات والتقاليد”.
الطالب اللبناني أحمد تعرف على مصففة الشعر خلال فترة دراسته في هنغاريا وأحببته فعرضت عليه الزواج مقابل منحه الإقامة للبقاء في هنغاريا
وتشير الدراسات والأبحاث إلى أن الرجل يصل إلى قمة رغبته الجنسية منذ بداية العشرينات من عمره وحتى منتصفها، بينما تبدأ قمة الرغبة لدى المرأة منذ بداية سن الـ35 وتصل إلى الـ 45 عاماً، ما يعني أن نشاط الرجل يقل مع زيادة عمره بعكس المرأة التي يزيد نشاطها بزيادة العمر.
وهنا قالت أرنديان: “يكون هذا الزواج ناجحاً في بداياته، لأن الزوج يعيش حالة من الرضا الجنسي والمتعة الجنسية التي تخلقها المرأة أثناء العلاقة الحميمية، ويرى فيها نوعا من النضوج الجسدي والروحي والفكري أيضاً، لكن مع تقدم العلاقة، تبدأ تتنامى عقدة النقص في داخله كونه كسر النمطية التقليدية للزواج من فتاة من أبناء جيله”.
وأردفت: “أما السيدة فتبقى في حالة توجس وخوف من ارتماء شاب أحلامها في أحضان فتاة من جيله، وهذا يجعلها في حالة قلق وتوتر دائمة تنعكس على الأسرة والمنزل”.
أصبحنا أصدقاء نخرج للتسكع في عطلة نهاية الأسبوع وبعد فترة من الزمن عرضت عليّ المساعدة عن طريق الزواج للبقاء في هنغاريا وحصولي على الجنسية بعد سنوات
طالب لبناني في هنغاريا
هل الصراحة كفيلة بنجاحه؟
في الوقت نفسه تشير الأخصائية النفسية إلى أن “هذا الزواج يمكن أن ينجح رغم الفارق العمري الكبير بين الزوجين ما لم يكن هناك غش أو تدليس، وعندما تكون العلاقة صادقة بنسبة كبيرة وغير قائمة على المنفعة، لكنها تؤكد أن الغالبية العظمى من هذه الزيجات قائمة على المصلحة وعلى المراوغة”.
كما هو الحال في علاقة أحمد العودات (28 عاما) وزوجته الهنغارية سبيتا (52 عاماً) وهي علاقة قائمة على المصلحة وعلى الصراحة المطلقة بأن الزواج هو صفقة للطرفين.
تعرف طالب الماجستير اللبناني أحمد على سبيتا مصففة الشعر خلال فترة دراسته في هنغاريا وأحببته فعرضت عليه الزواج مقابل منحه الإقامة للبقاء في هنغاريا بعد انتهاء منحته الجامعية ومن ثم حصوله على الجنسية.
وقال العودات لـ”إرم نيوز”: “تغيرت حياتي بعد أن تعرفت على سبيتا في صالون تصفيف الشعر، وبعد سلسلة زيارات، قبلت دعوتها على العشاء في منزلها التي تسكنه وحدها بعد أن انفصلت عن زوجها وهناك حدثتها عن عامل القلق الذي أعيشه يوميا لعدم رغبتي بالعودة إلى لبنان وصعوبة إيجاد فرصة عمل في هنغاريا”.
وأضاف: “أصبحنا أصدقاء نخرج للتسكع في عطلة نهاية الأسبوع وبعد فترة من الزمن عرضت عليّ المساعدة عن طريق الزواج للبقاء في هنغاريا وحصولي على الجنسية بعد سنوات، كما عرضت علي فرصة عمل في شركة للترجمة يملكها صديقها”.
بعد أن يحصل الزوج على أهدافه لا يجد مفرًا من زوجته سوى الوصول إلى طريق مسدود ينتهي بالطلاق بينهما
منفعة متبادلة صريحة
قبل أحمد طلب سبيتا التي لم تُخف رغبتها في الزواج منه وهي التسكع معه والرغبة في العيش مع رجل للخلاص من وحدتها، دون أن تدعي أي مشاعر حب تجاهه.
وتابع الشاب: “وأنا بالمقابل لم أصطنع مشاعر الحب أو رغبتي في تشكيل أسرة معها، قبلت العرض للحصول على الجنسية والبقاء في هذا البلد الذي أحببته، ولا أدري ماذا ستحمل لنا الأيام القادمة”.
وعن مستقبل علاقة أحمد وسبيتا تقول الأخصائية النفسية أندريان: “هذا الزواج لا يمكن أن يدوم لأكثر من سنة أو سنتين، وذلك بسبب اختلاف فهم كل من الزوجين للآخر، واختلاف اتجاهات كل منهما، وكذلك اختلاف أهدافهما من هذا الزواج وابتعادها كل البعد عن هدف الزواج الأسمى”.
وأضافت الأخصائية النفسية: “بعد أن يحصل الزوج على أهدافه لا يجد مفرًّا من زوجته سوى الوصول إلى طريق مسدود ينتهي بالطلاق بينهما، كذلك بالنسبة للزوجة التي تكون في البداية سعيدة بعلاقة تعيد لها ثقتها بأنوثتها وكبرياءها، لكن بعد فترة يخفت بريق هذه العلاقة لتجد نفسها ضحية صفقة رخيصة”.
أما أحمد فيوافق أندريان الرأي ويؤكد أن هذا الزاوج لن يكتب له العمر الطويل.
وتابع الشاب: “عندما ينتهي هذا الزواج، ستكون سبيتا هي الحلقة الأضعف لأنها ستعود إلى وحدتها وأنا سأنصرف إلى حياتي، وتحدثنا في هذا الأمر وهي راضية، مضت في هذا الزواج لكي تعيش فترة من الزمن سعيدة معي، لذلك لا ينتابني أي شعور بالذنب لأنني لم أخدعها ولم أعدها بأي شيء لا أستطيع تحقيقه”.
لا توجد إحصائيات رسمية أو صحفية عن عدد هذا النوع من الزيجات في أوروبا، لكن الصور التي تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي والحالات التي رصدتها الأخصائية النفسية أندريان تؤكد زيادتها بشكل كبير.
وسيضع ذلك هؤلاء الشباب العرب مستقبلا أمام تحديات النجاة من تبعات هذا الزواج، خاصة أن القانون الأوروبي ينصف المرأة المطلقة سواء فيما يتعلق بالحقوق المادية والمعنوية.
المصدر : إرم نيوز