حرب السودان… عندما تنمو القوات الرديفة على حساب الجيش

الحرب السودانية المستمرة منذ أكثر من أسبوعين، بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات “الدعم السريع” بزعامة محمد حمدان دقلو (حميدتي) لم تفاجئ الكثير من المتابعين، خصوصاً بعدما تراكمت مؤشرات حول تنامي أدوار قوات الدعم السريع (مليشيا الجنجويد سابقاً) وعجز قيادة الجيش عن احتوائها، عن طريق التفاوض والمساومة، وإن كان البعض لا يزال يرى أن النافذة لا تزال مفتوحة لتحقيق تسوية توقف الاقتتال، أخذاً بعين الاعتبار عوامل عدة ترتبط بطبيعة النزاع والعلاقات التي تربط أطرافه بقوى خارجية عدة.
ورصد محللون وباحثون غربيون، في تقارير عدة، كيف تنامت قوات الدعم السريع على حساب الجيش الذي يفوقها عددياً.

وتحت عنوان “سياسة تدمير الذات: السودان وقوات الدعم السريع”، تناول الاشتباكات الدائرة بين الجيش وقوات محمد دقلو (حميدتي)، اعتبر تشارلز تويهيو، في تقرير نشر على موقع “شيبس ريبورتس”، في 24 إبريل/نيسان الماضي، أن طرفي القتال لم يكونا يمتلكان غير هذا الحل للبقاء في السلطة، وعدم تسليمها للمدنيين.

وأكد التقرير أن قوات “الدعم السريع” هي بشكل من الأشكال متفوقة عسكرياً، رغم تفوق الجيش عددياً. واستند تويهيو بذلك إلى أرقام صحيفة “نيويورك تايمز”، التي قالت إن الجيش السوداني يملك 109 آلاف مقاتل في الخدمة، إضافة إلى حوالي 85 ألفاً في الاحتياط، مقابل 70 إلى 150 ألف مقاتل لقوات حميدتي، إلا أن الأخيرين هم مقاتلون “مرتزقة” حقيقيون مختبرون على أرض المعارك، حيث كان دورهم منذ بداية الألفية الجديدة، بين أدوار أخرى، دعم الجيش في المعارك التي كانت قوات الدعم السريع تشارك فيها كمقاتلين رئيسيين، كما أن أعضاء هذه القوات تضم ضباط جيش واستخبارات سابقين.

دقلو تمكن من إبقاء علاقات مع كل حليف دولي للبرهان تقريبا

وما يجعل الصراع أكثر فرادة، بحسب الكاتب، هو أن دقلو قد تمكن من إبقاء علاقات مع كل حليف دولي للبرهان تقريبا، بعدما “وجد السودان نفسه، إثر سلسلة من الأخطاء السياسية (في عهد الرئيس المخلوع عمر البشير)، في حلقة من الحقائق المعقدة، حيث تأسس انعدام ثقة متصاعد بين الجيش الوطني والمجموعات المليشياوية، والتي تأسست أصلاً بدعم وتمكين كبيرين من الحكومة”.

وتأكيداً على تحول نظام البشير إلى مُرتهن لدى القوات شبه العسكرية، رأى براندون بولت، في تقرير نشره في 26 إبريل الماضي، على موقع “بوليتيكال فيولانس آت آي غلانس” (العنف السياسي في لمحة)، أنه “مع الوقت دفع ضعف قوة الدولة معطوفاً على خطر تمرد كبير (في إشارة إلى حرب دارفور التي اندلعت في 2003)، نظام البشير، لأن يصبح معتمداً على المليشيات للبقاء، وهو ما أدركه جيداً زعماء المليشيات، الذين لاحقوا مصالحهم الخاصة من دون رقيب… إلى أن أخرج البشير قوات الدعم السريع من مظلة قيادة الاستخبارات الوطنية وقوات الأمن، مؤمناً لها الاستقلالية التامة من قيود الدولة”. وبرأي الكاتب، فإن حميدتي يرى أن القتال اليوم يستحق العناء إذ إن أي محاولة دمج مع الجيش ستفقده هذه الاستقلالية.

موقف
الحرب في السودان… ابحثوا عن النظام السابق
مع العلم أن قوات الدعم السريع انبثقت مما يُسمى مليشيا الجنجويد المسلحة التي قاتلت في مطلع الألفية في الصراع بدارفور واستخدمها نظام عمر البشير الحاكم آنذاك في مساعدة الجيش في إخماد التمرد. وشُرد 2.5 مليون شخص على الأقل وقُتل 300 ألف في المجمل في الصراع، واتُهمت مليشيا الجنجويد بارتكاب انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، قبل أن تنمو هذه القوات بمرور الوقت واستُخدمت كحرس حدود على وجه الخصوص لتضييق الخناق على الهجرة غير النظامية.

عناصر من الجيش السوداني يحتفلون بالسيطرة على مركز للدعم السريع، في 16 إبريل الماضي (فرانس برس)
وإضافة لذلك، نمت أعمال قائد قوات الدعم السريع حميدتي التجارية بمساعدة من البشير، ووسعت أسرته ممتلكاتها في تعدين الذهب والماشية والبنية التحتية. وبدءاً من 2015، شرعت قوات الدعم السريع مع الجيش السوداني في إرسال قوات للاشتراك في الحرب في اليمن، ما سمح لدقلو المعروف أيضاً باسم حميدتي بإقامة علاقات مع دول خليجية، أبرزها الإمارات، نجم عنها تحول في التسليح والدعم ما جعلها تباعاً تناهز في تدريبها الجيش. وتعد قوات الدعم السريع اليوم واحدة من أكبر القوى شبه العسكرية في القارة الأفريقية.
نقاط قوة وضعف البرهان وحميدتي

ورأى الكاتب ألكس دي وال، المدير التنفيذي لمؤسسة السلام الدولي في معهد فليتشر للقانون والدبلوماسية بجامعة تافتس (بوسطن)، في تقرير نشره في مجلة “فورين أفيرز”، في 27 إبريل الماضي، أن الحرب الدائرة حالياً في السودان كانت قيد التحضير، منذ سنوات، بعدما أعطى البشير لـ”الدعم السريع” قوة لم تحلم بها أي قوة شبه عسكرية في أفريقيا، ومكّنها من تهميش الجيش وبناء القدرات فعلياً على الأرض، فيما بنى الجيش “هالة” وهمية، لكنه أسّس بدوره لإمبراطورية من الأعمال، لن يتخلى عنها بسهولة.

ووصف دي وال، الذي كتب منذ عام 2019 عن طموح حميدتي ونزعته العنفية غير المشكوك فيها، الحرب الدائرة حالياً بأنها “معركة بين لصّين”، أو زعيمين لـ”كارتلات كليبتوقراطية”، في إشارة إلى حكم الفاسدين للاستيلاء على السلطة من أجل نهب ثروات شعوبهم.

وتوقف دي وال عند ما يقول إنه افتقار قائد الجيش السوداني “إلى الكاريزما والطاقة، كما أن إطلالاته العامة باهتة، لكن قاعدة قوته تقوم على شبكة متداخلة من المصالح العسكرية والشركات التي يسميّها السودانيون المطالبون بالديمقراطية الدولة العميقة”. وفي هذا السياق، سلّط الضوء على “شبكة الشركات القائمة على رأسمالية المحسوبيات، من المصارف إلى شركات الاتصالات المملوكة من قبل إسلاميين ورجال الاستخبارات، إلى أخرى مملوكة من الجيش نفسه، في قطاعات حيوية مثل التصنيع والزراعة والنقل”.

وذكّر دي وال أن البرهان، حين نفّذ الانقلاب، كانت لجنة لمحاربة الفساد (لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد واسترداد الأموال) التي أوجدتها الحكومة المدنية (بموجب الوثيقة الدستورية الموقعة في أغسطس/آب 2019 بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري حينها)، تستعد لنشر نتائج تحقيق حول الفساد في الشركات المرتبطة بالجيش، وأول ما فعله البرهان بعد انقلابه هو مداهمة مكاتب اللجنة ومصادرة وثائقها، بحسب الكاتب.

وبحسب دي وال، فإن قوة البرهان العسكرية، “قابلة للنقاش، لأن القوات المسلحة السودانية “نادراً ما انتصرت أو برزت في معركة عسكرية طويلة، وقد كانت لديها فرص عدة لإثبات ذلك في حروب جنوب السودان ودارفور وجبال النوبة، إلا أنها فشلت”.

وربطاً بـ”تواضع” قوة الجيش، ذكّر دي وال أيضاً بأن البشير التفت إلى هذه المليشيات الإثنية (الجنجويد)، حين رأى أن الجيش لن يستطيع هزم المتمردين في دارفور قبل 20 عاماً، ولم تتوان الجنجويد عن حرق ونهب وقتل كل من وما وقف في طريقها إلى قرى دارفور في ما وصفته الحكومة الأميركية خلال حرب دارفور بالإبادة الجماعية”. وكان البشير قد “مأسس” الجنجويد وحوّلها إلى “الدعم السريع” في 2013، رغم اعتراض قيادة الجيش حينها، علماً أن البشير طلب من حميدتي نشر قواته في الخرطوم مع تصاعد الحراك الشعبي ضده.

كما سلّط الكاتب الضوء على جنود البرّ في الجيش السوداني، القادمين من الطبقات الفقيرة، والضواحي المهمشة في البلاد، والذين تخور معنوياتهم غالباً، مقابل جسم الضباط القادمين من نخبة المنظومة. كما أن البرهان، وفق تعبير دي وال، “مسنود بارتباطاته مع أعضاء النظام السابق، إذ ليس خافياً أن فلول النظام السابق ينظرون إليه كرهانهم الأفضل لاستعادة السلطة، فيما يرى الكثير من السودانيين أيدي لهذه الفلول في حرب البرهان مع حميدتي”. وبرأي الكاتب أيضاً، فإنه إذا ما ربح البرهان الحرب، فإن المرجح أنه سيعيد الحكم المستبد السابق.

وتعد قوات الدعم السريع اليوم واحدة من أكبر القوى شبه العسكرية في القارة الأفريقية

في مقابل ذلك، أشار تقرير لمجلة “فورين أفيرز” إلى أن لحميدتي (نائب البرهان بمحلس السيادة) “نقاط قوة”، مذكراً بأنه يتحدر من إقليم دارفور ومن رحم مليشيا الجنجويد، برز كقائد لقوات “الدعم السريع” شبه العسكرية والتي تعمل كقوة عسكرية ذاتية القرار، ولعب دوراً أساسياً في إطاحة البشير، لكنه أظهر “الطموح والطاقة لأن يطغى على رئيسه”، بحسب تقرير المجلة الذي ذكّر بإدارة حميدتي لإمبراطورية أعمال متنامية وتأسيسه لشبكة علاقات مستقلة مع قوى أجنبية”.

مقاولون عسكريون في السودان
وتظهر على حميدتي، بحسب تقرير “فورين أفيرز”، البراعة كمقاول عسكري سياسي، وذلك منذ أن سيطرت قواته في دارفور على مناجم للذهب، وعرف كيف يتعامل مع الزعماء المحليين وزعماء المليشيات “الذين يبيعون ولاءاتهم لمن يقدم السعر الأعلى”، بحسب تعبير المجلة، كذلك حين “أجّر قواته للقتال في اليمن، إلى جانب السعودية والإمارات، أو حين بنى علاقات مع الجنرال المتقاعد خليفة حفتر في ليبيا، ومرتزقة شركة فاغنر الروسية”.

ولفتت “فورين أفيرز” إلى أن “قوات الدعم السريع مختبرة على أرض المعارك، ونظامية، ومسلّحة” بشكل ممتاز. ووصف دي وال، حميدتي، بالوصولي والمليء بالطاقة، الذي وسّع إمبراطورية أعماله العائلية في الخرطوم بعد سقوط البشير، وروّج لنفسه كحامل لواء المهمشين، بعدما سعى إلى إبعاد صورته عن “الحرس القديم”، ووصف انقلاب البرهان بأنه “خطأ”.

حميدتي خلال زيارته قرية الأبرق، شمال غربي الخرطوم، 2019 (ياسويوشي شيبا/فرانس برس)
وكان دي وال، قد رسم “سيرة” لحميدتي في يوليو/تموز عام 2019، تنبأت بشكل أو بآخر بمطامع الرجل الظاهرة اليوم. وكتب دي وال في تقرير نشره على موقع جامعة “تافتس”، أن “حميدتي استخدم بمهارة فطنته الاقتصادية وقوته العسكرية، وحقيقة أن المنظمة الحاكمة كانت دائماً تقلّل من قدراته، لبناء المليشيا الخاصة به وتحويلها إلى قوة أقوى من الدولة السودانية المتراجعة”، معتبراً أن الرجل “تبنى نموذجاً لمرتزقة الدولة، ليس غريباً عمّن يتابعون الأوضاع السياسية في منطقة الصحراء الأفريقية”.

وأظهر الكاتب إدراكه أيضاً لوضع قوات الجيش، الذي أصبح شبيهاً بمشروع استعراض أكثر منه قوة حقيقية على حد تعبيره، بعدما فرض روتين انتشار القوات شبه العسكرية نفسه للقيام بالقتال الحقيقي في حروب السودان والخارج، إذ إن هذا الجيش يملك عقارات باهظة في العاصمة، وترسانة دبابات وسلاح ومقاتلات جوية مهمة، لكنه يفتقر إلى وحدات قتالية مدربة على الأرض.

أخطاء بدأت في عهد عمر البشير
وعن خطورة وجود قوات رديفة إلى جانب الجيش، قال الباحث والكاتب السياسي السوداني عبدالله خاطر، في حديث مع “العربي الجديد” إن أي دولة بحاجة إلى جيش بقيادة واحدة وهدف واحد، وهو حماية الدولة ومصالحها وإعانة مواطنيها في الكوارث. لكن الخطر يكمن عندما تتولى الدولة إقامة قوات رديفة للقوات المسلحة لمعالجة أزمة محددة مثل أن يكون هناك تمرد أو نزاع مسلح، بحسب القوانين الدولية، مثل ما حدث في دارفور. وأوضح أن الحكومة السودانية في عهد عمر البشير لجأت إلى تكوين مليشيا تحت مسميات عدة، أولها تحت مسمى حرس الحدود ثم قوات الدعم السريع، وأعطت هذه القوة وضعية قانونية عن طريق البرلمان. ولفت إلى أن كثرا كانوا يحذرون من تنامي هذه القوات وخطر ذلك على الأمن القومي السوداني وضرورة أن يأتي يوم من الأيام لدمجها في الجيش خصوصاً بعد أن أصبحت جزءاً من الحركة السياسية وليس فقط قوة عسكرية.

ورداً على استفسار لـ”العربي الجديد” بشأن ما إذا كان تفجر الاشتباكات على النحو الذي يعيشه السودان منذ أكثر من أسبوعين حتمياً أو كان يمكن تفاديه، لفت خاطر إلى أن القوى المدنية خاصة المرتبطة بالانتقال الديمقراطي والسياسي بذلت مع مجموعات أخرى مجهوداً لتفادي تفجر المشهد العسكري الكارثي على النحو الحالي. وبرأيه، فإن هذا المجهود كان يمكن أن يؤتي ثماره لولا أن هناك قوى من العهد البائد (في إشارة لنظام البشير) كان من مصلحتها أن تثير الغبار أكثر حول العلاقة بين القوات المسلحة والدعم السريع وتعمل على توسيع الشقاق وتفجير الموقف بهذه الطريقة المأساوية الحاصلة الآن.

دي وال: البرهان يفتقر إلى الكاريزما والطاقة لكن قاعدة قوته تقوم على شبكة متداخلة من المصالح العسكرية والشركات

ووفقاً لخاطر، كانت القوات المسلحة ماضية في أن تستوعب قوات الدعم السريع عن طريق الاندماج، لكن هذا التفجير القاسي للموقف حدث بسبب تدخلات سياسية. وعن الرأي القائل بأن الصدام كان حتمياً لأنه حان الوقت لأن يكون هناك طرف عسكري أوحد يحتكر “العنف الشرعي” في البلاد، قال خاطر إن موضوع توحيد القوة العسكرية لم يكن موضع خلاف بين القوات المسلحة والدعم السريع، إذ إن الجميع كان متفقاً على الدمج لكن التدابير والاختلافات حول كيف ومتى وبأي حجم يجب أن يتم الدمج، وهي مسائل فنية تقع ضمن اختصاص الفنيين والعسكريين، وليس في نطاق القرار السياسي، لأن القرار السياسي كان قد اتخذ بأن قوات الدعم السريع يجب أن تدمج بشكل كامل على مدى زمني محدد.

وعن قدرة أحد الطرفين على تحقيق الحسم العسكري، أشار خاطر إلى أن ما يجعل الأمر صعباً اليوم، أن الحرب انتقلت إلى سكن المواطنين، لأن عدداً كبيراً من قوات الدعم السريع موجود في أماكن سكنية وقوات الجيش تستخدم الأسلحة الثقيلة والطيران وهذه مسألة مكلفة ومقسمة للرأي العام. لكنه مع ذلك يعتبر أنه ليس هناك مفر من أن تأخذ القوات المسلحة زمام المبادرة والقيادة لحسم هذا النزاع حتى لو استغرق مدى أطول.

واعتبر أن وقف إطلاق النار اليوم هو الأساس في المباشرة بأي خطوات يمكن أن تحدث من أجل التوصل إلى حل نهائي يبقي على الدعم السريع كجزء من القوات المسلحة في المستقبل. وخلص إلى أن هناك كثرا ينظرون إلى أن هذه الحرب تبدو كأنها حرب عسكرية، لكنها في واقع الأمر تمظهر عسكري لخلاف بين أطراف مختلفة لم تصل إلى حد الاتفاق النهائي في ما بينها.

دور التنافس الاقتصادي في تفجر المعركة بين البرهان وحميدتي
من جهته، قال باحث سوداني متخصص في دراسات السلام والإعلام، فضل عدم ذكر اسمه نظراً لطبيعة الوضع الراهن، إن المنافسة العسكرية ليست سبباً كافياً للحرب، وإن كانت الفترة الماضية شهدت سباق تسلح بين الطرفين.

وذكّر في حديث مع “العربي الجديد” بأن العلاقة بين الطرفين الجيش وتحديداً شخص البرهان والدعم السريع كانت ممتدة لسنوات، وبأن الطرفين كانا شاهدين على حرب دارفور وصناعة المليشيا وتطورها. كما أشار إلى اشتراكهما في الحكومة الانتقالية. وأعاد إلى الأذهان حقيقة أن البرهان سبق أن طلب أن يكون حميدتي نائباً له، وأن منصب نائب رئيس مجلس السيادة هو منصب غير مذكور في الوثيقة الدستورية التي تم تجميد العمل بها. وبرأيه فإن ما يجري حالياً يؤكد أنه يوجد تصدعات داخل الجيش، وأن البرهان كان يستغل الدعم السريع كواحدة من الفزاعات.

أما سياسياً، فأعرب عن اعتقاده بعدم وجود خلافات بين الطرفين تقف وراء الافتراق بينهما. وبرأيه فإن حميدتي ليس لديه القدرة على المنافسة في المشهد السياسي السوداني المعقد. وأوضح أنه ربما يكون حميدتي قد طالب بإصلاحات سياسية والتي يرى أنها ممكن أن تحقق له مزيداً من الاستقلال العسكري للدعم السريع، ليكون مستقلاً بقوة كبيرة وضاربة ومهددة للأمن القومي السوداني والأمن الإقليمي بقوتها العسكرية وبخبرتها القتالية في اليمن أو ليبيا أو داخل السودان وتحديداً دارفور أو في تخوم الحدود بين السودان وأفريقيا الوسطى.

في مقابل ذلك، توقف الباحث نفسه عند التنافس الاقتصادي، لافتاً إلى أن الطرفين يعملان في إنتاج الذهب والتجارة. وذكّر بأن المؤسسة العسكرية السودانية تعمل تاريخياً في التجارة والاقتصاد المحلي وكذلك الأمر بالنسبة إلى الدعم السريع. واعتبر أن الاكتشافات الضخمة للذهب في مناطق مختلفة، من المحتمل أن تكون ولّدت تنافساً ما بين القيادة الوسيطة في الفرعيات في الأقاليم المختلفة، وكان هذا الأمر قد ظهر من خلال عدد من خطابات حميدتي التي تحدث فيها عن تهريب الذهب عبر المطار من دون رقيب. وبرأيه فإن هذه النقطة ممكن أن تكون عاملاً حاسماً في ما يتعلق بالجانب الاقتصادي.

وتحدث عن إمكانية وجود أسباب أخرى كامنة تتعلق بالتهميش السياسي والاقتصادي، وقد يكون حميدتي تأثر بما سمعه خلال مشاركته في مفاوضات جوبا في عام 2020 المتعلقة بتحقيق السلام في السودان، عندما سمع لآراء ومظالم مختلفة وبدأ يتشكل لديه رأي سياسي في قضايا مختلفة في السودان.

قوات من الدعم السريع شمالي الخرطوم، سبتمبر 2019 (أشرف شاذلي/فرانس برس)
من جهة ثانية، لفت إلى أنه كانت هناك نار تحت الرماد من فترة طويلة، وكان الطرفان يحضران للحرب. وأعرب عن اعتقاده أن الطرفين كانا مستعدين لمعركة غير معلنة لكن المحفز لها كان طرفا ثالثا، والدليل أن الحرب وصلت خلال أسبوعين إلى مناطق عدة وتم أسر عدد كبير من قيادات الجيش، وهذا يشير إلى أن المؤسسة العسكرية لم تكن جاهزة.

وإذ لفت إلى أن كل طرف كانت لديه وجهات نظر حول الحرب وأسبابها ومن بدأ بها، لكن عندما تبدأ الحرب تستمر وديناميكيتها تتبدل، وحتى المواقف تتغير تبعاً للأوضاع على الأرض. ولفت إلى أنه كان يوجد فرصة لتجنب الصدام، تحديداً عندما ذهب حميدتي إلى دارفور وجلس نحو شهرين، وأطلق تصريحات (في يناير/كانون الثاني الماضي) حول أنه يوجد محاولة دعم انقلاب في أفريقيا الوسطى وبأن هناك تدخلا من قبل أطراف (في إشارة إلى الجيش)، فضلاً عن إعلانه إغلاق الحدود معها. وبرأي الباحث نفسه، كانت جميعها مؤشرات إلى وجود صراع بين الطرفين.

وبعد ذلك رد البرهان بتصريحات لتبدأ حرب التصريحات بين الطرفين، مشيراً إلى أن هناك طرفاً ثالثاً كان يغذي الحرب بينهما من داخل المجموعتين. وإن كان لا يستبعد تدخل أطراف إقليمية في ما يتعلق بالصدام الدامي.

الباحث عبد الله خاطر: ليس هناك مفر من أن تأخذ القوات المسلحة زمام المبادرة والقيادة لحسم هذا النزاع حتى لو استغرق مدى أطول

واستبعد الباحث نفسه أن تكون قضية دمج قوات الدعم السريع في الجيش المحرك الأساسي والفعلي للصدام بين الطرفين، وإن كان ربما تم استخدامها كمبرر للحرب نفسها. ولفت إلى أن ذلك كان واضحا من خلال الورش بما في ذلك إصلاح القطاع الأمني، إذ قدم الطرفان ورقتين حول الموضوع.

وإذ اعتبر أن الصدام كان مفاجئاً بمعنى أنه غير محدد له ساعة الصفر لكنه كان حتما سيقع في يوم من الأيام، وكان يمكن تفاديه بسحب كل القوات من الدعم السريع والجيش إلى خارج العاصمة، وكان ذلك يمكن أن يجنب الناس الخسائر الكبيرة التي وقعت.

سيناريوهات المعركة في السودان وصعوبة تحقيق أي انتصار
وأعرب الباحث نفسه عن اعتقاده أنه ليس هناك طرف من الأطراف لديه نية بالانتصار على الطرف الثاني، لافتاً إلى أن “انتصار” الدعم السريع على الجيش يعني هزيمة المؤسسة العسكرية الوطنية مع ما ينطوي عليه سيناريو كهذا من تداعيات عليها. أما إذا انتصر الجيش على الدعم السريع فيمكن أن يكون انتصاراً لحظياً، لأن ورقة النزاع سترتفع وتدخل مناطق ثانية، من بينها النيل الأزرق وكردفان، بعدما تمددت بالفعل إلى دارفور، والفاشر ونيالا اللتين شهدتا بعض الأحداث. وحذر من أن الحرب يرجح أن تتسع إلى غرب كردفان لأنها مناطق ذات هشاشة أمنية والشروط الموضوعية لنشوء النزاع فيها متوفرة، وستتم مهاجمة الجيش في هذه المناطق ومحاصرته أو تصفية القيادات أو الفرق أو الحاميات.

وهذا يعني أن الجيش إذا انتصر في معركة الخرطوم فلن يكون قادراً على الانتصار في مناطق ثانية، وسنشهد حرب عصابات وكرّ وفرّ ودخول لاعبين دوليين وتجار سلاح، ما يزيد رقعة النزاع ويؤدي إلى انفلاته وتحوله إلى أزمة عامة تمتد تداعياتها إلى خارج السودان. مع الأخذ بعين الاعتبار أن الدول المحيطة به هشة، وأن الدعم السريع لديه امتدادات مع حفتر ويحتفظ بقاعدة عسكرية على الحدود اللبيبة.

ووفقاً للباحث نفسه، فإن السيناريو الثاني يتمثل في أن تفضي المفاوضات برقابة دولية حقيقية مُحكمة إلى عزل كلتا القوتين ويكون هناك صوت عال للقوى المدنية وقوى المجتمع المدني والأصوات الداعية للسلام، ويمكن أن تحقق اتفاقا جديدا.

أما السيناريو الثالث فيتجسد في استمرار العنف في الخرطوم والدخول في دوامة التفجيرات والإرهاب والاغتيالات السياسية، خصوصاً مع رصد مؤشرات نحو تسعير خطاب التهديد وبعض الفتاوى، محذراً من أن التكلفة ستكون باهظة جداً.

واعتبر أن الحل لن يكون متوفراً ما لم يكن هناك إرادة قوية من الطرفين بالجلوس على طاولة التفاوض يمكن من خلالها الوصول لصيغة مناسبة لحفظ الأمن والاستقرار وإعادة المسار المدني على قاعدة رابح رابح. ولفت إلى أنه يوجد تقاطعات للسياسة الخارجية يمكن أن تؤثر على المشهد، تحديداً ما يتعلق بالانخراط الأميركي. كما اعتبر أن مصر سيكون لها تأثير على المشهد بشكل أو بآخر.

Exit mobile version