قال علي المصيلحي إن مصر اتفقت على استيراد الماشية من جيبوتي وذلك بعد اندلاع اشتباكات مسلحة في السودان (رويترز)
بدأت مصر تحركات لتأمين إمدادات الماشية لسد الطلب المحلي على اللحوم قبل أسابيع من عيد الأضحى المبارك، وسط مخاوف من تراجع واردات البلاد من اللحوم السودانية التي تمثل النصيب الأكبر في هيكل البروتين الأحمر المستورد، والمعروفة تاريخياً باعتبارها الأنسب لدخول المواطنين من محدودي الدخل، في ظل ما يشهده السودان من اقتتال داخلي مستعر منذ أسابيع.
وأشار وزير التموين والتجارة الداخلية المصري علي المصيلحي، في افتتاح موسم حصاد القمح شرق العوينات، في مسعى لبعث رسائل طمأنة في شأن المخزون الاستراتيجي من السلع بالبلاد، إلى أن مصر اتفقت على استيراد الماشية من جيبوتي وذلك بعد اندلاع اشتباكات مسلحة في السودان.
مخاوف وطمأنة
لم يخف الوزير المصري في كلمته الإشارة إلى “بعض المخاوف حيال استيراد الماشية من السودان”. أضاف أن هناك ما بين ثلاثة وأربعة آلاف رأس عند الحدود السودانية – المصرية في طريقها إلى الدخول، وأن احتياطات بلاده من الماشية تكفي لاستهلاك ثلاثة أشهر ونصف الشهر.
وبينما استقبلت السوق المصرية كميات محدودة من اللحوم التشادية قبل اندلاع الأزمة في الخرطوم، رأى تجار ومستوردون للحوم في البلاد أن كلفة الشحن أقل، في سيناريو التوريد من جيبوتي، علاوة على توافر عنصر الاستدامة مقارنة بالبديل التشادي الأكثر كلفة.
الخيار
ورأى عضو مجلس إدارة غرفة القاهرة التجارية ومستورد اللحوم سيد النواوي أن جيبوتي التي تملك أكبر منطقة تجارة حرة في أفريقيا اختيار منطقي لتوريد الماشية التي تتجمع بها من دول أخرى، وتكفل تعويض اللحوم السودانية حال تأثر توريدها بشكل بالغ إلى مصر، معتبراً في الوقت ذاته أن بلاده لا تعاني أزمة في المعروض، بقدر تضررها من ارتفاع السعر عالمياً، علاوة على تراجع القيمة الشرائية للجنيه المصري أمام الدولار الأميركي. ولفت النواوي إلى أن المعروض من اللحوم في السوق المحلية كاف في ظل تدخل الدولة لتدبير حاجات الطلب المستمر على البروتين، بخاصة قبل عيد الأضحى المبارك.
وتراجع الجنيه المصري منذ مارس (آذار) 2022 بنسبة 97.7 في المئة، عبر ثلاث عمليات لتحرير سعر الصرف، وهوى السعر من 15.66 جنيه لشراء الدولار الواحد و15.75 جنيه للبيع قبل أن يسمح البنك المركزي المصري بانخفاض السعر وصولاً إلى متوسط 30.85 للشراء و30.95 جنيه للبيع في الوقت الحالي، على أثر ضغوط أعقبت دورة التشديد النقدي التي بدأتها البنوك المركزية، وفي مقدمتها مجلس الاحتياطي الفيدرالي نهاية عام 2021، وأدت إلى خروج 20 مليار دولار من سوق أدوات الدين الحكومية بنهاية الربع الأول من عام 2022.
ودفعت الزيادة في أسعار مجموعة اللحوم والدواجن بنسبة 0.9 في المئة، في أبريل (نيسان) الماضي، معدل التضخم السنوي في مصر ليسجل 31.5 في المئة مقابل 33.9 في المئة في مارس السابق له، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وعلى رغم التباطؤ في ارتفاع معدل التضخم ككل، فإن القراءة الأخيرة ظلت الأعلى منذ ما يزيد على ست سنوات.
وزاد معدل التضخم السنوي الشهر الماضي على أساس سنوي مقابل 14.9 في المئة، للشهر نفسه من العام السابق، كما صعد معدل التضخم الشهري 1.8 في المئة الشهر الماضي، ليسجل الرقم القياسي العام لأسعار المستهلكين لإجمالي الجمهورية 169.6 نقطة لشهر أبريل 2023 بارتفاع قدره 1.8 في المئة عن مارس 2023.
تدخل متوقع
التدخل المصري لتعويض نقص أو ربما غياب اللحوم السودانية في الوقت الذي شهدت الخرطوم اقتتالاً بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع كان متوقعاً، كما قال النواوي “هو أشبه بتدخل مماثل قبيل شهر رمضان الماضي في قطاع الدواجن، حينما تدخلت الدولة بالاستيراد من البرازيل، وبيع الكيلوغرام بسعر 65 جنيهاً (2.12 دولار)”، لكن اختيار جيبوتي أكثر واقعية واستدامة من تشاد الدولة الحبيسة، إذ إن جيبوتي بحكم موقعها الجغرافي ووقوعها على البحر الأحمر تكفل شحناً مستداماً سريعاً وغير مكلف بالنظر إلى الشحن الجوي في الحالة التشادية.
وعانت مصر العام الماضي تراجعاً في حجم المعروض من الأعلاف في السوق المحلية، على خلفية احتجاز مكونات علفية تقدر بـ1.5 مليون طن من الذرة الصفراء في الموانئ، إلى جانب 500 ألف طن من فول الصويا ليقفز سعر الأعلاف على أثرها من متوسط 7500 جنيه (244.72 دولار) إلى 20 ألف جنيه (652.58 دولار) على رغم الإفراج عن الشحنات المحتجزة بتوجيهات سيادية بعد ذلك.
“موائد الشير”… هكذا يحتفل اللاجئون في مصر بـ”الأضحى”
وتقع أسعار اللحوم البلدية في المتوسط بين 230 جنيهاً (7.50 دولار) و300 جنيه (9.79 دولار)، بينما يجري طرحها في بعض منافذ الدولة بسعر 225 جنيهاً (7.34 دولار) للكيلوغرام، فيما تباع لحوم الضأن بـ240 جنيهاً (7.83 دولار) إلى 280 جنيهاً (9.14 دولار)، واللحوم البرازيلية المستوردة بسعر 190 جنيهاً (6.20 دولار) في المتوسط.
وقدر النواوي استيراد مصر بنحو 60 في المئة من إجمالي استهلاك المصريين. وقال إن السودان الجار مورد مهم للحوم الحمراء التي تأتي في العادة كرؤوس للماشية أو جمال وعجول حية أو لحوم مبردة، ويتراوح سعرها بين 230 جنيهاً (7.50 دولار) و250 جنيهاً (8.16 دولار).
وهبطت واردات مصر من الأبقار والجاموس واللحوم الحية العام الماضي، لتسجل ما قيمته 1.622 مليار دولار أميركي مقابل 1.639 مليار في العام السابق له، بحسب أحدث بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، لتستحوذ بذلك على 9.8 في المئة من إجمالي واردات البلاد من السلع الاستهلاكية غير المعمرة البالغة 16.6 مليار دولار.
فجوة استهلاكية
في المقابل، أوضح عضو شعبة القصابين بالغرف التجارية سعيد زغلول أن الاتفاق الذي أشار إليه وزير التموين والتجارة الداخلية المصري مع جيبوتي يستهدف بالأساس تغطية الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك، وهي الفجوة التي حرصت مصر على توفير الغطاء لها في ظل إنتاج محدود للماشية واعتماد أكبر على الاستيراد.
لكن زغلول لا يرى في التوريد من جيبوتي حلاً دائماً لأزمة اللحوم في بلاده، بخاصة مع ارتفاع سعر الماشية إلى مستويات غير مسبوقة في ظل التضخم الحالي وأزمة العملة الصعبة، متوقعاً في الوقت ذاته تراجع الأضاحي هذا الموسم. وقال إن أي حل لتخفيض السعر بشكل طفيف في مصر يمر عبر زيادة الإنتاج محلياً والبحث عن مناشئ ذات أسعار مناسبة.
وبشكل عام توقعت وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني في مذكرة بحثية الشهر الماضي أن ينقل الاقتتال السوداني تبعاته إلى اقتصادات بلدان جارة للبلد الأفريقي.
وقدرت وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي المصرية حجم استهلاك المصريين السنوي بنحو 1.3 مليون طن لحوم حمراء، يجري استيراد 40 في المئة منها، فيما تعاني البلاد نقصاً في الثروة الحيوانية، إذ بلغ عدد رؤوس الثروة الحيوانية 7.5 مليون رأس بنهاية 2022.
وبحسب بيانات رسمية صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر بلغ متوسط نصيب الفرد من اللحوم 7.3 كيلوغرام عام 2020 مقابل 7.2 كيلوغرام عام 2019، بزيادة بلغت نسبتها 1.4 في المئة.
اندبندنت