انهيار الطلب يقود دولار السوق السوداء إلى خسائر صادمة في مصر

في الوقت الذي يواصل سعر صرف الدولار تراجعه مقابل الجنيه المصري في السوق السوداء، يراهن تجار العملة على إعلان البنك المركزي المصري تعويماً جديداً للجنيه مقابل الدولار، وهو ما نفته مصادر مطلعة لـ”اندبندنت عربية”.

المصادر أشارت إلى أنه لا يوجد أي اتجاه لدى صناع السياسات المالية والنقدية في مصر، لإقرار تعويم جديد في ظل التحركات المكثفة التي تجريها الحكومة في ملف الطروحات، للحصول على عوائد دولارية توازي حجم الالتزامات المستحقة على الحكومة المصرية خلال الفترة المقبلة.

وفق متعاملين، كان سعر صرف الدولار سجل مستوى 42 جنيهاً خلال تداولات الأسبوع الثاني من الشهر الجاري، لكن قرار الحكومة المصرية بإعفاء واردات الذهب الموجود بحوزة العائدين من الخارج من الرسوم والجمارك تسبب في تهدئة طلب كبار تجار الذهب على الدولار، مما تسبب في تراجع الطلب على الورقة الأميركية الخضراء في السوق الموازية ليجري تداوله في الوقت الحالي عند مستويات تتراوح بين 36 و38 جنيهاً.

في السوق الرسمية، ولدى أكبر بنكين من حيث الأصول والتعاملات وهما البنك الأهلي المصري وبنك مصر، سجل سعر صرف الدولار مستوى 30.75 جنيه للشراء، و30.85 جنيه للبيع. وفي البنوك الخاصة سجل سعر صرف الورقة الأميركية الخضراء مستوى 30.85 جنيه للشراء، و30.95 جنيه للبيع، في البنك التجاري الدولي – مصر، ولدى البنك المركزي، استقر سعر صرف الدولار عند مستوى 30.83 جنيه للشراء، و30.93 جنيه للبيع.

انحسار توقعات التعويم

خلال الأيام الماضية بدأ التجار يتراجعون عن توقعاتهم بتخفيض قيمة الجنيه المصري، إذ قالت شركة “سيتي غروب” إن البنك المركزي من المرجح أن يوقف مثل هذه الخطوة في الأقل حتى نهاية الشهر المقبل.

وقال المحلل الاستراتيجي في “سيتي غروب” لمنطقة وسط وشرق أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا، لويس كوستا، إن انخفاضاً حاداً آخر في الجنيه قبل نهاية السنة المالية المصرية المنتهية في 30 يونيو (حزيران) قد يعرقل هدف الحكومة المتمثل في عجز الميزانية بنسبة 6.5 في المئة واستقرار ديون البلاد بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي.

وأشار إلى أن البنك المركزي المصري سينتظر على الأرجح “عائدات السياحة الوفيرة والتي ستبلغ نحو 14 مليار دولار متدفقة عبر الاقتصاد قبل اتخاذ قرار في شأن الحاجة إلى إعادة تعويم آخر للجنيه”. وأضاف “من المرجح ألا يقوم البنك المركزي المصري بتخفيض قوي آخر لقيمة الجنيه خلال الشهر المقبل أو نحو ذلك”.

وأوضح أن استراتيجية “سيتي غروب” هي بيع الدولار مقابل العملة المصرية في السوق الآجلة غير القابلة للتسليم لمدة شهر واحد “على خلفية رؤية عدم انخفاض الجنيه قبل نهاية السنة المالية الحالية”.

وفي حين أن المشتقات المستخدمة للتحوط من الأخطار أو للمضاربة كانت تشير إلى اقتراب خفض قيمة العملة للمرة الرابعة في مصر منذ مارس (آذار) 2022، قلص التجار هذه الرهانات في الأسبوعين الماضيين.

في سوق العقود الآجلة غير القابلة للتسليم، تم تداول عقد الجنيه لمدة شهر واحد حول 32.9 يوم 8 مايو (أيار) الجاري، بعد التعافي من أدنى مستوى إغلاق على الإطلاق عند 35.3 في 25 أبريل (نيسان) الماضي. وبالمقارنة كان عقد الجنيه المصري الآجل لمدة 12 شهراً عند 43.3 للدولار، مما يشير إلى توقعات بحدوث انخفاض حاد في قيمة العملة في نهاية المطاف. وجرى تداول العملة المصرية عند 30.9 الخميس بعد أن فقدت ما يقرب من نصف قيمتها في العام الماضي.

وقال مسؤول كبير في صندوق النقد الدولي هذا الشهر إن الحكومة المصرية “جادة في تطبيق سعر صرف مرن للجنيه” وهو شرط أساسي لاتفاقية قرض بقيمة ثلاثة مليارات دولار مع المقرض الذي يتخذ من واشنطن مقراً له.

تباطؤ متوقع

على صعيد أسعار الفائدة، وعلى عكس توقعات المحللين وشركات الأبحاث والدراسات، قررت لجنة السياسة النقدية للبنك المركزي المصري، الإبقاء على سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسة للبنك المركزي عند مستوى 18.25 في المئة، و19.25 في المئة، و18.75 في المئة على الترتيب، كما تم الإبقاء على سعر الائتمان والخصم عند مستوى 18.75 في المئة.

وأوضحت اللجنة أنه على الصعيد العالمي تراجعت توقعات الأسعار العالمية للسلع مقارنة بالتوقعات التي تم عرضها على لجنة السياسة النقدية في اجتماعها السابق، كما تراجعت حدة الضغوط التضخمية العالمية نتيجة عوامل عدة، منها تقييد السياسات النقدية من جانب عديد من البنوك المركزية، وانخفاض الأسعار العالمية للبترول، إضافة إلى تراجع حدة الاختناقات في سلاسل الإمداد العالمية.

في الوقت ذاته استقرت التوقعات الخاصة بمعدلات نمو الاقتصاد العالمي، كما تراجعت حدة التقلبات في الأوضاع المالية للاقتصادات المتقدمة، مقارنة بما تم عرضه على لجنة السياسة النقدية في اجتماعها السابق.

وعلى الصعيد المحلي سجل معدل نمو النشاط الاقتصادي الحقيقي 3.9 في المئة خلال الربع الرابع من عام 2022 مقارنة بمعدل نمو بلغ 4.4 في المئة خلال الربع الثالث من العام ذاته، بالتالي سجل النصف الأول من العام المالي 2022-2023 معدل نمو بلغ 4.2 في المئة.

القطاع الخاص يدفع النمو

وتشير البيانات التفصيلية للربع الثالث من عام 2022 أن النمو في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي جاء مدفوعاً بالنشاط الاقتصادي للقطاع الخاص، وبخاصة قطاعات السياحة والزراعة وتجارة الجملة والتجزئة. وإضافة إلى ذلك تشير معظم المؤشرات الأولية إلى تباطؤ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الأول من عام 2023.

واتسقت التطورات الأخيرة في معدل نمو السيولة المحلية مع المؤشرات الأولية لتباطؤ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي، إذ انخفض معدل نمو السيولة المحلية في شهر مارس 2023. ومن المتوقع أن يتباطأ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال العام المالي 2022-2023 مقارنة بالعام المالي السابق له، على أن يتعافى بعد ذلك. وفي ما يتعلق بسوق العمل، سجل معدل البطالة 7.2 في المئة خلال الربع الرابع من عام 2022 مقارنة بمعدل بلغ 7.4 في المئة خلال الربع الثالث من العام ذاته، ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى زيادة أعداد المشتغلين.

وتباطأ المعدل السنوي للتضخم العام في الحضر ليسجل 30.6 في المئة خلال شهر أبريل 2023 مقارنة بمعدل بلغ 32.7 في المئة خلال شهر مارس 2023، مسجلاً أول تراجع له منذ يونيو 2022، كما تباطأ المعدل السنوي للتضخم الأساسي للشهر الثاني على التوالي، مسجلاً 38.6 في المئة خلال شهر أبريل 2023، وذلك بعد وتيرة تصاعدية استمرت منذ منتصف عام 2021. ويرجع هذا التباطؤ في معدلات التضخم إلى التأثير الإيجابي لفترة الأساس بشكل رئيس، وكذلك انحسار أثر صدمات العرض (مثل اختلالات سلاسل الإمداد المحلية وتأثيرها في أسعار السلع الغذائية الأساسية)، إضافة إلى تداعيات تطورات سعر صرف الجنيه المصري على معدلات التضخم.

اندبندنت

Exit mobile version