منذ بداية نشاط مجموعة فاغنر في العام 2014، اعتبرتها عدّة عواصم غربية ذراعاً عسكرية روسية تؤدّي الأعمال القذرة التي لا تريد موسكو التورّط فيها رسمياً. تمدّدت المجموعة شبه العسكرية في عدة دول مدافعة عن المصالح الروسية. وعبر قارّات ثلاث، أوروبا وآسيا وأفريقيا، شاركت المجموعة في معارك عسكرية وفي حماية مصالح اقتصادية روسية. كانت مشاركة فاغنر في الحرب السورية هي ما لفت إليها أنظار العواصم الغربية. وبحسب تقارير إعلامية، توجّه للمجموعة اتهامات بجرائم حربٍ بسبب وجودها في سورية. أما في أفريقيا، فانتشرت قوات فاغنر في السودان وليبيا وأفريقيا الوسطى ومدغشقر وغيرها. وتتفاوت مهامّها في أفريقيا بين حماية حكومات حليفة وحماية استثمارات روسية في مجال الذهب. ومع اندلاع الحرب في السودان بين قوات الجيش ومليشيا الدعم السريع، ذكرت تقارير إعلامية أن شركة مروي غولد، ذات العلاقة بمجموعة فاغنر، لم تتوقف عن العمل بسبب الحرب. إنما واصلت عملها في التعدين مقابل مدّ قوات الدعم السريع بالسلاح عبر أفريقيا الوسطى.
لم يكن هذا هو الاتهام الأول لمجموعة فاغنر بتهريب الذهب من أفريقيا إلى موسكو، فقبل ذهب السودان، وجهت اتهامات للمليشيا الروسية بالتعدين في أفريقيا الوسطى بتحالفٍ مع حكومة بانغي وقوات الدعم السريع السودانية. وكان نفوذ المجموعة في منطقة شرق أفريقيا ووسطها حافزاً لموسكو لمحاولة الحصول على قاعدة عسكرية على البحر الأحمر في السودان. وهو الاتفاق الذي وقع بين الحكومة الروسية ونظام الرئيس السابق عمر البشير في 2019، قبل أشهر قليلة من إطاحته. سمح الاتفاق لروسيا بإقامة قاعدة بحرية 25 سنة، وتجدّد مع المجلس العسكري الحاكم، قبل أن يُجمّد لاحقاً بضغوط غربية. لكن الضغوط لم تحدّ من نفوذ “فاغنر” في مجال التعدين. وفي مايو/ ايار الماضي، اتهم عضو مجلس السيادة السوداني الفريق ياسر عطا “فاغنر” بأنها تقاتل مع قوات الدعم السريع ضد الجيش السوداني، وأنها ساعدت الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) على تهريب 53 طناً من الذهب إلى روسيا.
ولكن الحرب الأوروبية في أوكرانيا، والمستمرّة منذ فبراير/ شباط 2022، هي ما أحدث التوتر بين موسكو و”فاغنر”. كانت الأخيرة قد حشدت قواتها لهذه الحرب، فاستدعت حوالي 400 من عناصرها من أفريقيا الوسطى، وجنّدت ما يقارب 50 ألفاً من السجناء في روسيا. وتواجه “فاغنر” اتهامات بمحاولة تصفية الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في بداية الحرب. لاحقاً، وبسبب سير المعارك، بدأت قيادة “فاغنر” تتململ من حلفها مع الجيش الروسي. على عادة القوات شبه النظامية في كل التاريخ الإنساني، رأت “فاغنر” أنها من تنزف الدماء ليحصل غيرها على النفوذ السياسي. اصطدمت قيادتها بقيادة الجيش الروسي. ووجهت المجموعة انتقادات لوزير الدفاع وللجيش بحرمانها من التسليح الكافي للقتال في باخموت الأوكرانية. وصل الأمر إلى التهديد بالانسحاب من المعركة، قبل أن تسوّى الأمور مؤقتاً بين الطرفين.
لا يبدو هذا توتراً عابراً، خصوصا أن مؤسّس “فاغنر” يفغيني بريغوجين، المقرّب من بوتين، اتهم الجيش بعدم القدرة على خوض حرب أوكرانيا، وحذّر من ثورة شعبية ضد نظام بوتين إذا استمرّ الجيش الروسي في التعثّر في الحرب الأوكرانية. تمثّل الحرب في أوكرانيا رهاناً كبيراً لنظام فلاديمير بوتين، رهاناً لا تُمكن خسارته. لذلك، أي تمرّد أو تقاعس من قوات “فاغنر” في هذه الحرب من أجل فرض شروطها سيشكّل ابتزازاً قوياً لموسكو. وقد بلغ نفوذ “فاغنر” واعتماد موسكو عليها حدّاً يجعل من الصعب تجاهل انتقادات المجموعة ومطالبها.
على خلفية هذا التوتّر، أعلنت موسكو أن مجنّدي “فاغنر” سيكون عليهم لاحقاً توقيع عقود مباشرة مع وزارة الدفاع الروسية، ما يعني عمليّاً تقليص نفوذ المليشيا الحليفة. لكن مؤسّس “فاغنر”، بريغوجين، رفض هذا الإعلان. يريد الرجل المعروف إعلامياً باسم “طبّاخ بوتين” أن تكون له سلطة عسكرية أعلى من وزارة الدفاع. اكتفى من حلفه معها والعمل وفق خططها. وترى وزارة الدفاع الروسية أن طموح الطبّاخ قد بدأ يتجاوز الحدّ المقبول، ولا بد من تحجيمه. لكن قد يكون الوقت قد فات على أن يحصل هذا بلا خسائر.
العربي الجديد