يرى العديد من المراقبين أن المبادرات الإقليمية والدولية المتداخلة في ملف الصراع السوداني المسلح بغية الوصول لتسوية للأزمة تحركها أهدافها ومصالحها بالسودان.
ويعتمد ذلك على قربها أو بعدها من أطراف الصراع وهي (القوات المسلحة أو الدعم السريع أو قوى الحرية والتغيير بجناحيها المجلس المركزي والكتلة الديمقراطية) أو تلك القوى التي وصفت موقفها بالحياد كالحركات المسلحة الموقعة على اتفاقية جوبا أو سائر القوى السياسية التي لم تكن جزءا من تحالف قوى الحرية والتغيير (قحت).
لكن كل هذه المبادرات بداية من جهود الإيغاد في قمتي جيبوتي وأديس أبابا أو قمة جوار السودان التي عقدت بالقاهرة، كل هذه الجهود لم تفلح حتى الآن في التوصل لاتفاق لوقف لإطلاق النار كأولوية لتحسين الواقع الإنساني لأهل السودان ومن ثم الدخول في الملف السياسي لإحداث تسوية سياسية مقبولة للأطراف كافة.
القوات المسلحة هي الأقرب للتفويض الشعبي الذي يستطيع أن يرسم ملامح المرحلة المقبلة للعملية السياسية بحكم الإجماع الواسع الذي تتمتع به وسط أهل السودان وقوى سياسية ومدنية حية وفاعلة
فمن واقع العملية العسكرية والتي تمسك القوات المسلحة السودانية بزمام المبادرة فيها ميدانيا، فإن القوات المسلحة هي الأقرب للتفويض الشعبي الذي يستطيع أن يرسم ملامح المرحلة المقبلة للعملية السياسية، بحكم الإجماع الواسع الذي تتمتع به وسط أهل السودان وقوى سياسية ومدنية حية وفاعلة.
وأرى، كما العديد من المراقبين، أن الجيش السوداني لو تعاطى مع ملف العمل السياسي بالحكمة والحنكة فإنه يستطيع أن يفحم القوى التي كانت السبب الرئيس في اندلاع الصراع، وخاصة قوى الحرية والتغيير التي كانت تقول وبالصوت العالي إن لم يقبل الجيش السوداني الاتفاق الإطاري فإن البديل هو الصراع.
وينتقد قطاع واسع من القوى السياسية وفئات مختلفة من أهل السودان ما انتهت إليه اجتماعات قوى الحرية والتغيير التي عقدت بالقاهرة في 25 يوليو/تموز الجاري من توصيات وهي تخاطب أهل السودان، ويرد البعض عبر وسائل التواصل الاجتماعي على قوى الحرية والتغيير بجملة من الأسئلة أبرزها، هل قامت “قحت” بزيارة واحدة لمعسكرات النزوح التي استضافت قطاعات واسعة من أهل السودان، أو مخيمات اللجوء التي أقيمت للشعب السوداني بعدد من دول الجوار ليقفوا على الأوضاع الإنسانية والظروف التي يعيشها هؤلاء، والذين أخرجتهم قوات الدعم السريع من مناطقهم وبيوتهم وقد كانوا آمنين أعزاء؟!
الخيار الأفضل
ويفضل العديد من القانونيين والدستوريين وبعض العقلاء من أهل السياسة أن أفضل خيار من الممكن أن يتجه إليه الجيش السوداني هو تشكيل حكومة مدنية من التكنوقراط وحمايتها من خلال المجلس الرئاسي الذي يتولى الإشراف عليها فقط وأن لا يضطلع بأي مسؤوليات تنفيذية مباشرة والتفرغ الكامل للعمل العسكري والعودة إلى ثكناته وترك العملية السياسية لقيادة مدنية كما ظل يعلن عن ذلك مرارا وتكرارا وهو المطلب ذاته الذي ظلت تردده بعض القوى السياسية وهي كلمة الحق التي أرادت بها باطلا، ويتمثل هذا الخيار في نقطتين جوهريتين وهما:
إعادة العمل بالدستور الانتقالي لعام 2005 وهو دستور عام 1998 المعدل بعد أن تم التوصل لاتفاق السلام الشامل بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية في قضية جنوب السودان بنيفاشا الكينية في يناير/كانون الثاني من عام 2005.
إعادة تشكيل المحكمة الدستورية العليا وتعيين رئيس لهذه المحكمة من الخبرات القانونية والدستورية المستقلة والمقبولة ومن الذين يُشهد لهم بالكفاءة في هذا المجال.
الأصل والمبدأ في الحياة هو إحقاق مبدأ العدالة وعدم الإفلات من العقاب لكل من أذنب وأجرم في حق عام أو خاص، وتنص المادة 31 من الدستور الانتقالي لعام 2005 من وثيقة الحقوق أن الناس سواسية أمام القانون، ولهم الحق في التمتع بحماية القانون دون تمييز بينهم
مهام رئيس المجلس الرئاسي
بموجب المادة 66/أ من الدستور الانتقالي لعام 2005 يعتبر رئيس المجلس الوطني (البرلمان) وفي حالة الفراغ السياسي والدستوري في البلاد هو رئيس المجلس الرئاسي وهو المسؤول الأول عن إدارة شأن البلاد الداخلي وعلاقاتها الإقليمية والدولية، ونسبة لغياب الجسم التشريعي الذي يتولى مهامه رئيس مجلس السيادة فهو رئيس المجلس الرئاسي بموجب الدستور الانتقالي لعام 2005.
وهو المسؤول قانونيا ودستوريا باتخاذ ما يلزم من إجراءات سياسية وقانونية تعيد البلاد لمسارها الديمقراطي الآمن والمستقر، ومن ذلك تشكيل المفوضيات والهيئات التي تنظم العملية السياسية والقانونية التي تعين البلاد في ترتيب العملية السياسية وإقامة انتخابات حرة ونزيهة، ومن هذه الهيئات المستقلة مفوضية أو هيئة تسجيل الأحزاب والتنظيمات السياسية، وهيئة الانتخابات العامة، ومفوضية ثالثة للإحصاء السكاني وغيرها من الهيئات المختلفة ذات الصلة.
العدالة والمساواة
إن الأصل والمبدأ في الحياة هو إحقاق مبدأ العدالة وعدم الإفلات من العقاب لكل من أذنب وأجرم في حق عام أو خاص، وتنص المادة 31 من الدستور الانتقالي لعام 2005 من وثيقة الحقوق أن الناس سواسية أمام القانون، ولهم الحق في التمتع بحماية القانون دون تمييز بينهم بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو العقيدة الدينية أو الرأي السياسي أو الأصل العرقي.
الفوائد المرتجاة
يكون الجيش بذلك -إن أقبل على هذه الخطوة- قد حرر نفسه من أي التزامات لإدارة حوار أو تفاوض يمنح بموجبه صكا سياسيا لمن لا يستحق من هذه القوى السياسية المتنافسة والتي أوصلت البلاد لهذا الصراع الضروس، والتي قضت على آمال أهل السودان الطامحين لوطن مستقر وآمن ومزدهر.
ويكون الجيش بذلك قد قطع الطريق على كل من يدعي تمثيله للشعب السوداني دون وجه حق وعليه أن يثبت ذلك من خلال صندوق الاقتراع في انتخابات حرة ونزيهة تحدد الأوزان الحقيقية لهذه القوى، فهل يتجه الجيش السوداني لهذه الخطوة التي تقربه كثيرا من الرأي العام الداخلي والذي يعد رافعته الأساسية وكارته الرابح أمام المجتمع الإقليمي والدولي.
مأمون عثمان
الجزيرة نت