جامعاتنا وجامعاتهم.. وشهادات «ميكى ماوس»!
الكاتب: عبدالله عبد السلام
ها قد انتهى ماراثون الثانوية العامة، وبدأنا للتو سباق التنسيق الجامعى. نفس المسافات قطعناها من قبل. تتغير الأسماء لكن المضمون واحد. مكتب التنسيق والأماكن المتاحة وكليات القمة ورسوم الدراسة فى الجامعات الخاصة وغيرها. فى دول عديدة ينتهز مسؤولو التعليم والخبراء والحكومات فرصة الانشغال المجتمعى بمستقبل الأبناء فى هذه الأوقات، لإثارة نقاشات جادة حول التحديات غير المسبوقة التى تواجه التعليم الجامعى. القضايا الموسمية الخاصة بالتنسيق مهمة، لكن يجب ألا تحجب القضايا الأهم.
قبل أيام، كتب رئيس الوزراء البريطانى، ريشى سوناك، مقالا بصحيفة «التليجراف» تعهد فيه بتضييق الخناق على الجامعات التى تقدم شهادات ضعيفة للطلاب لا تفيدهم عند التخرج. وقال إن بعض الجامعات تبيع حلما زائفا للطلاب لينتهى الأمر بهم إلى الحصول على شهادات علمية رديئة وصفتها وزيرة التعليم جليان كيجان بأنها شهادات «ميكى ماوس». أصل المشكلة أن جامعات عديدة توسعت فيما يسمى «الدورات» التى تقدمها للطلاب الذين لا تساعدهم درجاتهم فى الثانوية العامة على الدخول للكلية التى يريدونها، وثبت أن تلك الدورات، التى تساهم الدولة فى تمويلها، لا تشفع للطالب عند تخرجه فى الحصول على وظيفة، ولو حصل فإن مرتبه يكون ضئيلا.
ستضع الحكومة البريطانية قواعد جديدة لضبط الأداء وربط التمويل بالنتائج، كما ستعمل على تعزيز فرص التعليم الفنى بتمويل دورات جامعية فى هذا المجال لجذب طلاب الأسرة الفقيرة إليها. التعليم الجامعى، حسب سوناك، ليس للجميع، ويجب تغيير التصورات التى تربط كل تقدم بالحصول على شهادة جامعية. معهد الدراسات المالية كشف أن 20% من خريجى الجامعات البريطانية، أى 70 ألفا سنويا، سيكون حالهم أفضل لو لم يذهبوا للجامعة. كما أن ثلث الخريجين يعملون فى وظائف لا تتطلب الحصول على شهادة جامعية. بالطبع تعرض سوناك لانتقادات شديدة واتهامات بأنه يريد الجامعة للأغنياء فقط. وتحدث كتاب وصحفيون عن أن الالتحاق بالجامعة مازال حلم الطبقات الفقيرة ولا يجب حرمانها من ذلك. النقاش تطرق أيضا إلى دور الجامعة عموما.. هل هى لإثراء حياتنا روحيا وحضاريا وعلميا أم أنها موجودة فى المقام الأول لتوفر فرص عمل؟ فى هذا السياق، أثيرت قضية تراجع أهمية العلوم الإنسانية والاجتماعية بعد أن تبين أن نسبة كبيرة من خريجيها لا يحصلون على وظائف. مع ملاحظة أن حملة سوناك وحكومة المحافظين تركز أساسا على الدورات الخاصة التى تقدمها الجامعات فى الفنون الجميلة والتاريخ وبقية العلوم الإنسانية دون أن يكون لها مردود إيجابى فى سوق العمل.
بريطانيا ليست وحدها التى يواجه التعليم العالى فيها أزمة. ففى الولايات المتحدة، أغلقت العديد من الكليات أبوابها لعدم قدرة كثير من الطلاب على دفع الرسوم. نعم، الجامعات هيئات عامة أو غير هادفة للربح، لكنها أيضا مشاريع تجارية تكافح لتحقيق التوازن بين ميزانياتها ووظيفتها الأساسية، وهى الأخذ بأيدى الناس للصعود اجتماعيا من خلال التعليم. مشكلة العلوم الإنسانية لا تجد حلا فى أمريكا أيضا. كثيرون يعتبرونها بمثابة بيئة ضعيفة للاستثمار، بل توشك أن تصبح عديمة القيمة. وفى هذا الإطار، فإن كليات الحقوق حالة نموذجية، إذ تستقبل، كما يقول فرانك إتش وو، أستاذ القانون بجامعة كاليفورنيا، فى الأغلب، طلابا ضعاف المستوى وفقراء يريدون الحصول على خصم فى الرسوم، ولذلك هناك حديث عن إغلاق أو دمج لكليات الحقوق.
هل ابتعدنا كثيرا عن مشاكل التعليم العالى بمصر؟ ربما، لكن أليس هناك تشابه، ولو فى الخطوط العريضة.. ألا توجد لدينا معضلة تكدس أعداد الطلاب بكليات الحقوق والتجارة والآداب؟ ألا يوجد ما يسمى البرامج الخاصة؟ وماذا عن العلاقة بين الشهادة الجامعية وفرصة العمل، ألا توجد لدينا شهادات مثل ميكى ماوس وربما أسوأ، وما مكانة التعليم الفنى عندنا رغم الحديث المتكرر عن دعمه ونشره؟ ثم إن لدينا مشاكلنا المتعلقة بالأعداد الهائلة بالجامعات وتعدد أنواعها ما بين حكومى وأهلى وأجنبى.
ألا يستوجب ذلك دراسات ونقاشات وتوصيات للتعامل مع التحديات التى تتراكم دون حل؟ أكثر ما أثار انتباهى فى النقاش البريطانى، أن المستهدفين، وهم الطلاب وأسرهم، جزء لا يتجزأ منه.. البداية لقاءات معهم وتعرف على مشاكلهم وآرائهم ثم خطة حكومية للتعامل يتم تقديمها للبرلمان وطرحها للنقاش العام، الصحافة والإعلام. التعليم قضية مجتمعية وليست للمتخصصين فقط.
نقلاً عن “المصري اليوم”