استعادة الأخلاق السودانية
الكاتب مختار خواجة
لا يمكن إغفال أثر الظروف الاقتصادية على حياة المجتمعات المختلفة، والسلوك الإنساني محصلة عدة عوامل يتحكم الواقع في كثير من جوانبها، والأزمة السودانية الراهنة كشفت عن ثغرات كثيرة في بنية السلوك والأخلاق السودانية.
والحقيقة أن الإنسان السوداني لم يعش محنة حقيقية شاملة، ولم تشهد الخرطوم كارثة جماعية بهذا المستوى منذ قرن ونصف، فما ملامح الأزمة؟ وما ملامح شموليتها؟
أول ملمح للأزمة هو أن حشودا كبيرة تمارس ممارسات لا أخلاقية، وتنهب وتسرق، متصورة أن هذا شيء مشروع ومقنن، ولا يمكن الادعاء هنا بأن هؤلاء جميعا ليسوا سودانيين، بل ولو سلمنا بأنهم قد تمت سودنتهم فلم لم تتغير أخلاقهم، وسلوكياتهم؟
وثاني ملامح الأزمة هو أنه، وبعد الأيام الأولى للأزمة، وسريان روح التكاتف الجماعي بين الأفراد، فإن المجتمع ظهرت فيه نوابت سوء، لا يمكن إنكارها، فتجار الأزمات في كثير من المناطق قد تصرفوا بطريقة مخيفة ولا تليق، ومع انهيار النظام الاقتصادي وارتفاع أسعار كل الأشياء كان منطقيا أن ترتفع أيضا فاتورة الحياة.
لكن ما العلاج؟
يسهل التشخيص، لكن ما العلاج الحقيقي؟
لا شك أن إيقاف الحرب حاليا سيساهم في تفكيك ومعالجة الأزمة الأخلاقية الماثلة للعيان، وعليه فإن المحاولات يجب أن تعمل على الأبعاد الآتية:
محاولات صنع السلام، وتفكيك الصور الذهنية بين الجماعات المجتمعية المختلفة، ويجب تفعيل أعمال وسائل الإعلام، والتواصل الاجتماعي، والجماعات الدينية على اختلافها، والجماعات القبلية.
تفعيل جماعات التزكية الدينية والسلوكية المختلفة عبر تفعيل دور العلماء والدعاة، وتفعيل مفاهيم الأخلاق المهنية، والإرشاد النفسي، والذي يمتلك تاريخا طويلا من التعاون مع المرشدين الدينيين في السودان من دون قلق.
البدء بمشاريع الاقتصاد المصغر والكفاية الإنتاجية الذاتية، خاصة في المجتمعات الريفية لتثبيتها، والاستثمار في الأقاليم، وبهذا تنتهي كثير من الظروف المؤدية للإشكاليات الأخلاقية.
إن الاكتفاء بالتمدح بالأخلاق التقليدية السودانية لا يكفي للحفاظ عليها في مواجهة التحديات والعقبات المختلفة، ولم يعد مجديا، فالأخلاق التقليدية السودانية أخلاق الجماعة والقبيلة والتربية الريفية، وهي بحاجة لقيم وسيطة فلسفيا، وبرامج تطبيقية واضحة لتفعيلها في البيئة الحضرية.
ولذلك فإن الدعوة لتجديد الخطاب الديني التزكوي ليست دعوة ترفية، بل هي حاجة ملحة ينبغي أن يعمل عليها الدعاة، بجانب المرشدين النفسيين، وخبراء الاجتماع لإيجاد الحلول اللازمة لمواجهة الأزمة، وفي الوقت ذاته البعد عن الاقتصار على الحلول الإسعافية التي لا تنتج سوى أفكار مأزومة.
فيما يتعلق بتجارب الحروب لدى الآخرين، فإن الملاحظ أن الناس تبدأ بالهرب تلقائيا مما يفترض أنه عامل الأزمة الرئيسي، علما بأن أي محاولة لإقصاء هذا العامل ستؤدي للتشوه في المقابل، فالجريمة ليست الانتماء للقبيلة أو للطائفة أو للإقليم، لكن الجريمة تبدأ من التصوير المبتور للتاريخ، أو التشخيص الموتور للواقع، وحينها فإن المؤسسات الاجتماعية تدفع الثمن، وتصبح أدوات بيد الأفراد أصحاب المصلحة، وليس أصحاب الأهداف النبيلة.
ولهذا فإن هذه الحرب فرصة السودانيين في القرن الـ21 لصياغة مستقبلهم لبقية القرن، ومحاولة بناء السلام، واستدامته، وإلا فإن الأزمة المقبلة لن تبقي ولن تذر كما فعل الإعصار بآل بوينديو في “مائة عام من العزلة”.
المصدر الجزيرة نت