هل سيغير انقلاب النيجر وجه أفريقيا؟

هل سيغير انقلاب النيجر وجه أفريقيا؟

جدو فؤاد
أستاذ وباحث بقسم العلوم السياسية والإعلام بجامعة بسكرة

تُعرف أفريقيا بأنها من أغنى القارات بالموارد الطبيعية والبشرية، حيث تمتلك أهم الأنهار بالإضافة إلى العديد من الخيرات والثروات التي تكتنزها، والتي جعلت منها مطمعا للقوى الاستعمارية منذ القدم، خاصة الاستعمار الفرنسي والبريطاني. ورغم أن موجة التحرر في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي حررت الدول الأفريقية من الاستعمار، فإن تبعاته أبقت تأثير دول الاستعمار على حالها على الأقل إلى بداية القرن الـ21.

وعبر هذا المجال الزماني اشتهرت أفريقيا بكثرة الانقلابات العسكرية وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي لا سيما في فترة الحرب الباردة، حيث حرصت القوى الكبرى على استقطاب بعض الدول الأفريقية لإبقاء العرى الاستغلالية وثيقة بينها وبين تلك الدول غنية الموارد، مما عطّل حركية التنمية والاستقرار.

ويمكن أن نلخص إشكالية عدم الاستقرار في أفريقيا في العناصر التالية:

أولا: مشكلة بناء الدولة في أفريقيا التي ترجع إلى الاستعمار وطبيعة الأنظمة في حد ذاتها التي تصنف على أنها شمولية وتسلطية أو عسكرية أو بسبب هيمنة القبيلة والولاء لها على حساب الدولة والقانون.
ثانيا: غياب العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية وفق ما تتطلبه الأولويات الداخلية.
ثالثا: الصراع على السلطة وغياب احترام لعبة الديمقراطية وهذا السبب الرئيسي.
رابعا: التنافس الدولي على أفريقيا اقتصاديا خاصة البترول والغاز واليورانيوم مما جعل الدول تؤثر على استقرار وبنية الأنظمة السياسية في أفريقيا على حساب المواطن الأفريقي.
خامسا: الأزمات الطبيعية كالجفاف والتصحر والمجاعات وأثرها على الأمن البيئي والتنموي في أفريقيا.
ولفهم ما بعد انقلاب النيجر الأخير، فإنه من المهم معرفة أن ما حدث كان مسبوقا بمحاولات انقلابية عديدة، سواء بسبب خلافات عرقية، أو بسبب تدافع المصالح الغربية للاستحواذ على اليورانيوم والذي يعد من أهم ثروات هذا البلد الأفقر في العالم. إضافة إلى أن النيجر من بين دول الساحل الأفريقي، حيث تعاني من تأثيرات جماعات العنف في الساحل الأفريقي، وتبعات الهجرة غير الشرعية، وعواقب الجريمة المنظمة، وأيضا من تداعيات انهيار النظام الليبي السابق.

ولم تكن النيجر وحدها في مواجهة هذا المصير، بل سبقتها مالي، حيث خضعت للانقلابات العسكرية ولنفس الأسباب تقريبا، مع القرب الجغرافي بينهما، إلا أن النيجر أحدثت تجاذبا دوليا ما بين مجموعة “إيكواس” التي انقسمت بين مؤيد للانقلاب العسكري والمعارض، بل والمستعد للدخول في عمل عسكري لعودة الرئيس محمد بازوم للحكم، وهذا مؤشر خطير على تحويل الصراع في المنطقة إلى صراع أفريقي أفريقي مما يضاعف من معاناة شعوب منطقة الساحل؛ خصوصا في ظل عدم استقرار مالي وليبيا.

ومن المهم الإشارة إلى الدور الروسي في المنطقة وتأثيراته على المسار السياسي والأمني في تلك البقعة، خاصة بعد القمة الروسية الأفريقية والتي بيّنتْ أن روسيا ربما تكون بديلا إستراتيجيا للقوى التقليدية في المنطقة خاصة فرنسا.

كما تنبي الصين علاقات مع الدول الأفريقية وفق أسس برغماتية؛ مما يبقي عليها كطرف فاعل في السياسة الاقتصادية الأفريقية، وبالتالي عزل النيجر في الوقت الراهن سياسيا واقتصاديا لن يغير في المشهد داخلها، لسبب بسيط أن الوضع الاقتصادي شبه منهار، وأيضا حضور بعض مظاهر الحراك الشعبي الداعم للانقلاب، مما يمثل قوة دافعة للجيش لبقاء الوضع كما هو.

وبالنسبة للتدخل العسكري في النيجر فمن المتوقع أن يكون له تبعات أمنية، وهو مستبعد أمميا عبر مجلس الأمن، بسبب احتمال استخدام روسيا أو الصين للفيتو إذا ما قررت الدول الغربية توجيه ضربات عسكرية للنيجر، وإن تدخلت دول “الإيكواس” في الحرب فسيكون لفترة قصيرة بسبب محدودية قدرات هذه الدول عسكريا، ومن المتوقع ألا يغير هذا التدخل من الوضع بشكل كبير ما عدا إحداث بعض الفوضى الداخلية والإقليمية.

وفي نهاية المطاف من المهم الإشارة إلى أن هذا السياق المتوتر يأتي في لحظة ترى فيها دول الساحل الأفريقي أن الحضور الغربي في المنطقة لم يقدم شيئا لتغيير الوضع الاقتصادي البائس لدول المنطقة، في ظل عروض روسية قد تلعب دورا أساسيا في إعادة تشكيل المشهد الأفريقي مستقبلا.

الجزيرة

Exit mobile version