بسم الله الرحمن الرحيم
أين الشرطة ؟ وكيف ستعود ؟ (2-3)
عميد شرطة (م)
عمر محمد عثمان
“أن أحد المعايير العالمية لقياس لاداء الشرطة ليس فقط في تأدية واجبها المهني التقليدي ولكن أيضا في التوسع في العلاقات الإنسانية مع المواطنين وهذا ما يقربها أكثر الي المواطنين الذين تقوم على خدمتهم، وهناك مقولة مشهورة أن مشروعية عمل الشرطة لا تستمد فقط من القوانين و اللوائح وإنما أهم من ذلك من رضا المواطن عن عملها” فريق أول شرطة دكتور/عباس أبو شامة وزير الداخلية الأسبق 1988م.
أين الشرطة ؟ وكيف ستعود ؟ (1-3)
في نهاية الجزء الأول من هذا المقال وعدنا بالإجابة على الشق الثاني سؤال كيف ستعود الشرطة بأي شكل وأي ثوب نريد للشرطة أن تعود. ولماذا نتحدث عن إعادة بناء الشرطة وليس عن إصلاح وإعادة هيكلة الشرطة فحسب. وقبل الخوض في تفاصيل الموضوع لابد من الإشارة الى أن السودان يحتاج إلي إستراتيجية أمنية وطنية لتوجيه إصلاح القطاع الأمني بشكل مؤسسي فالمضي قدماً دون هذا التوجه الإستراتيجي يمكن أن يؤدي إلي تعثر أو فشل عملية الإصلاح أو إعادة البناء. و لابد من اتباع منهجية منظمة تدعم الأفراد داخل الأجهزة الأمنية لقبول التغيير والتجاوب معه. والعملية هنا تستهدف بشكل أساسي إدارة التغيير على مستوي منسوبي تلك الاجهزة وإدارة التغيير على مستوي الأجهزة نفسها (الهيكلة) و التغيير على مستوى المنسوبين أهم ما يلزمه هو فهم كيفية تعامل منسوبي الشرطة مع التغيير والعمل على تبديد مخاوفهم من المجهول أو الخوف من المخاطر المرتبطة بالتغيير لذا لابد من العمل على جعلهم شركاء ومساهمين في عملية التغيير . وفي هذا السياق يجب أن لاتنطوي عملية التغيير على رغبات إنتقامية أو تصفية حسابات و يجب أن يتم كل شئ وفقاً للقانون والمصلحة العامة ضمن أطار معايير محددة تتعلق بالنزاهة والكفاءة والتأهيل والخبرة العملية والقدرات الملائمة للمنصب.
بينما يشير مفهوم إصلاح الشرطة الى عملية معالجة وتحسين لعمليات الشرطة مثل تحسين التدريب، تحسين أجراءات الشفافية والمساءلة،إصلاح الاخطاء وجعل الاشياء تعمل بشكل أفضل، تعزيز الثقة والعلاقة بين الشرطة والجمهور، فأن مفهوم إعادة البناء الذي يتم اللجوء إليه عادة في دول وبيئات ما بعد الصراع يمتد الى تنفيذ سياسات وأجراءات جديدة كلياً ورفع قدرات العناصر الموجودة وتوظيف عناصر جديدة وفق معايير جديدة تخضع لعملية تدريبية جديدة كلياً بحيث تتحول الشرطة الى (شرطة عصرية)
أن الدول التى وصلت الى مستوي الشرطة العصرية لم تصل الي ذلك إلا باتباع التفكير العلمي المنهجي كعنوان للتغير. وتتميز الشرطة العصرية بستة مميزات أساسية هي التدريب عالي الجودة، التحول الرقمي، الشفافية التامة والمساءلة والمحاسبة، العدالة والتنوع وتعزيز مناهضة التمييز العرقي والديني والجندري،الإرتقاء بالعلاقة مع الجمهور من الإطار الخدمي والإستجابة الأمنية الى أطار الشراكة الفعالة، تعزيز التعاون الداخلي والخارجي على الصعيدين الوطني والدولي مع الدول والمنظمات الدولية والمجتمع المدني المحلي.
تتطلب عملية إعادة بناء الشرطة في بيئات مابعد الصراع عدة خطوات على سبيل المثال بناء عقيدة شرطية جديدة ترتكز على حماية أمن الوطن والمواطن بدلأ من عقيدة حماية النظام الحاكم عقيدة شرطية جديدة تنأ بالشرطة تماماً من التجييش في (زيها وتسليحها ومركباتهاـ عدا الإحتياطي المركزي الذي يحتاج الى مقاربة خاصة) وضع أجراءات للمراقبة والتقييم بحيث يتم بشكل منتظم تقييم الخطط والاجراءات ومقارنتها مع المعايير و الممارسات الدولية وهناك أنظمة عالمية معتمدة لقياس نجاح إعادة بناء الشرطة في بيئات مابعد الصراع تتضمن عدد من المؤشرات واربعة ركائز أساسية هي (فعالية الأداء، الإدارة والرقابة، علاقات المجتمع، الاستدامة) كذلك لابد من إنشاء حزمة من الاجراءات و السياسات والقوانين والوائح الجديدة التى من شأنها أن تحافظ على حقوق الأنسان وتضمن تحقيق العدالة وتوفير البيئة والحمايةالقانونية الملائمة لعمل رجل الشرطة وتعديل أنظمة الحوافز والمرتبات وبيئة العمل بما يكفي لتوفير حياة كريمة و حماية رجال الشرطة من الإنسياق وراء الفساد المالي أو السياسي. ويساعد كذلك في سياقنا المحلي على إيجاد حل ناجع لظاهرتي العزوف عن الإلتحاق بالشرطة وتساقط القوة.
يتبع… الجزء (2-3)