بعد ساعات قليلة من وصولها إلى الخرطوم لعرض فيلمها “الطريق إلى المنزل ليس سهلا” في الخامس عشر من أبربل 2023؛ وجدت المخرجة الجنوب سودانية أكوال جون قرنق نفسها عاجزة عن مغادرة مقر إقامتها لمتابعة اللمسات الأخيرة للعرض الذي كان مقررا له المساء قبل أن تندلع في ساعات الصباح الأولى من ذلك اليوم الحرب الحالية التي عطلت كافة مناحي الحياة ودمرت معظم دور السينما والمنشآت الثقافية.
لكن ومع نزوح الملايين من العاصمة وبينهم المئات من المهتمين بالعمل الثقافي بدأت الحياة الثقافية تدب في العديد من المدن التي احتضنت نازحي الحرب؛ ومن بينها مدينة كوستي جنوب الخرطوم التي شهدت الخميس إعادة افتتاح دار السينما بعد إغلاقها لأكثر من 27 عاما.
ومع تزايد أعداد المثقفين والصحفيين النازحين من الخرطوم إلى المدن الأخرى الأقل خطورة مثل بورتسودان في الشرق وكوستي ومدني في الوسط وغيرها؛ انتعشت الحركة الثقافية في تلك المدن بشكل كبير خلال الأسابيع الماضية حيث أقيمت عدد من العروض المسرحية والندوات الثقافية، والعديد من الفعاليات الأخرى التي كان ينحصر معظمها في الخرطوم قبل الحرب.
ووفقا للصحفي عمر كمال، فإن افتتاح دار سينما مدينة كوستي بعد فترة الإغلاق الطويلة التي استمرت 27 عاما يعكس الحيوية التي دبت في الحياة الثقافية في العديد من المدن السودانية بعد الحرب بفضل توافد أعداد كبيرة من المثقفين والفنانين والمبدعين إليها، بعد أن كانت جل انشطتهم تتركز في العاصمة.
ويقول كمال لموقع سكاي نيوز عربية “نزوح اعداد كبيرة من المبدعين والمهتمين بالعمل الثقافي خلق نوع من الحراك الكبير في تلك المدن، وفتح الباب أمام تنظيم العديد من الفعاليات الثقافية والمسرحية والتوعوية”.
وبعد أن عطلت الحرب أنشطتها في الخرطوم؛ وجدت معظم المنتديات والفعاليات التي كانت تستضيف المفكرين والصحفيين ونجوم الفن والأدب في المدن الأخرى فرصة لتوصيل رسالتها إلى مجتمعات تلك المدن من خلال فعاليات وأنشطة في إطار مشروع ثقافي اوسع يهدف لترسيخ ثقافة السلام والبناء.
ويؤكد المخرج الطيب صديق الذي يشرف على العديد من المهرجانات والفعاليات الثقافية إصرار المشتغلين بالعمل الثقافي على الاستمرار في تقديم رسالتهم رغم الأضرار الكبيرة التي لحقت بالقطاع.
ويوضح صديق لموقع سكاي نيوز عربية “عطلت الحرب كافة مناحي الحياة الثقافية في الخرطوم؛ لكن أهل القطاع لم يستسلموا وبدأوا خلال الأسابيع القليلة الماضية في إقامة منتديات وأنشطة فكرية وثقافية في العديد من مدن البلاد الاكثر أمانا وفي مناطق خارج البلاد بهدف الترويج لثقافة السلام وتخفيف المعاناة عن السودانيين الفارين من القتال وفوق هذا وذاك للتعبير عن الإصرار على استمرار العمل الثقافي والفني والتأكيد على دوره في نبذ الحرب والاقتتال”.
وإضافة إلى إنعاش الحياة الفنية والثقافية لسكان المدن الواقعة خارج الخرطوم؛ يأمل الكثيرون في أن يسهم الحراك الثقافي في معالجة الأضرار النفسية التي الحقتها الحرب بالنازحين إلى تلك المدن. إذ تشير تقاربر إلى حاجة أكثر من 60 في المئة من الفارين من القتال إلى دعم نفسي خصوصا أن الحرب فاجأت سكان الخرطوم، وألغت المناسبات الاجتماعية، وحولت برامج الأفراح والأعراس إلتي كان مخططا اقامتها خلال عيد الفطر الذي سبقته الحرب إلى عزاءات مفتوحة في كل مكان دون معزيين، حيث لم يمنح القتال المستمر السكان لتبادل العزاء مع جيرانهم بل وصل الأمر إلى حد دفن الجثامين في فناء البيوت.
سكاي نيوز