السودان: تصاعد حالات الإخفاء القسري والعنف الجنسي في ظل شبهات بيع نساء وفتيات

لم تعد العاصمة السودانية الخرطوم، مدينة آمنة للنساء، منذ اندلاع حرب 15 نيسان/أبريل الماضي، في ظل التصاعد المروع في حالات الإخفاء القسري والعنف الجنسي، الواسعة، التي طالت النساء حتى داخل المنازل.

ليست الخرطوم وحدها، حيث تواجه النساء في إقليم دارفور غرب البلاد، ومناطق أخرى، ذات الأوضاع المأساوية، مع ارتفاع وتيرة الصراع الإثني الذي يتزامن مع معارك الأطراف العسكرية، التي تمضي نحو التمدد في نطاق واسع من البلاد. بينما تتخوف منظمات حقوقية من شبهات تورط أطراف عسكرية في بيع «النساء والفتيات».
منذ بداية الحرب، اختفت الشابة العشرينية هبة، ضمن عشرات النساء، من مناطق مختلفة، بعضهن اختطفن من داخل المنازل وأخريات في محيطها أو خلال محاولتهن الفرار إلى أماكن آمنة.
وحسب أسرة هبة اختفت ثالث أيام عيد الفطر، في محيط منطقة سكنها، في حي الدوشاب، بمدينة بحري شمال العاصمة الخرطوم، والتي اجتاحت نطاق واسع منها قوات الدعم السريع.
وبعد أكثر من ثلاثة أشهر، أعلنت مبادرة مفقود الناشطة في البحث عن المفقودين، العثور عليها ضمن مجموعة من الفتيات والنساء كبار السن، بواسطة القوات الخاصة التابعة للجيش، في منزل بمنطقة الحلفايا، في مدينة بحري.
وأفادت أسرتها بأنها ورفيقاتها خطفن من قبل قوات الدعم السريع حتى يقوموا بتضميد الجرحى وطهي الطعام.

الإخفاء القسري للنساء

مع تواتر الإفادات بشأن حالات العنف جنسي وحالات الاختفاء القسري للنساء والفتيات من دون أي تحرك فعلي على الأرض. حذرت وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل في السودان من ارتفاع حالات الإخفاء القسري للنساء والفتيات في مخازن وفنادق في الخرطوم وإقليم دارفور بغرض استغلالهن جنسيًا بواسطة الدعم السريع، فيما يشبه اختطاف النساء الإيزيديات في العراق من قِبل عناصر تنظيم «داعش».
وطالبت بتحرك دولي سريع وجاد لإنهاء هذه المأساة ووضع حدٍّ للانتهاكات المريعة لحقوق الإنسان ضد النساء والفتيات في السودان.
وقالت في بيان الأسبوع الماضي، إنه وردت إليها تقارير متواترة بشأن ازدياد حالات الاختفاء القسري للنساء والفتيات في مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور غرب البلاد، مشيرة إلى أن إفادات الناجيات وشهود العيان تؤكد وجود نساء وفتيات محتجزات لدى قوات الدعم السريع في مناطق مختلفة في نيالا».
وأشارت إلى أنه في ظل الوضع الأمني المتدهور، هناك صعوبات كبيرة في الإبلاغ عن الحالات ومخاطر جمة على مقدمي الخدمات.
ولفتت إلى شبهة «بيع نساء وفتيات» رغم أنها لا تزال مجرّد أقاويل، ولكن الوضع العام يشجّع على تصديقها وعدم استبعاد هذه المسألة على خطورتها.
وأشارت، في آخر تقرير نشرته، إلى تسجيلها 12 حالة عنف جنسي جديدة في معسكر «كلمة» للنازحين بجنوب دارفور، من بينهما حالة توفيت نتيجة مضاعفات الاعتداء الشديد.
ولفتت إلى إفادة الناجيات بأن الجناة في جميع هذه الحالات كانوا عناصر من قوات الدعم السريع، معتبرة تلك الجرائم تأتي في سياق «التحقير العرقي».

حالات عنف جنسي

وفي الخرطوم، سجلت الوحدة الأسبوع الماضي، أربع حالات عنف جنسي جديدة، ليبلغ إجمالي الحالات الموثقة 60 حالة.
وإزاء تزايد أعداد الفارين من الحرب في دارفور، دعت الوحدة إلى الانتباه إلى أوضاع النساء اللاجئات في مخيمات اللاجئين في «أدري» على الحدود التشادية اللائي يعشن في أوضاع إنسانية صعبة، ويحتجن إلى الفوط الصحية والرعاية وما يحفظ كرامتهن، فيما تحتاج الكثير من الناجيات من العنف الجنسي إلى التأهيل النفسي.
وناشدت المنظمات الإنسانية بالتدخل وتقديم أي مساعدات ممكنة. وطالبت المسؤولين بمراعاة الوضع الحساس للنساء في جميع أنحاء السودان، خاصة النساء خارج القطاع المنظم، والعمل على تحسين أوضاعهن وعدم مضايقتهن وتجنب زيادة أي أعباء عليهن في هذه الظروف القاسية.

غياب أفق استئناف التفاوض

وفي ظل الأزمة الحادة في البلاد، يبدو أن الأطراف العسكرية، الباحثة عن التقدم الميداني، تصعد عملياتها العسكرية دون اكتراث للأوضاع الإنسانية الكارثية والانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان في البلاد، التي تتصاعد يوماً إثر يوم، حسب رصد منظمات محلية ودولية.
ومع غياب أفق استئناف التفاوض، يمضي المشهد الحقوقي والإنساني إلى أسوأ مراحله، حيث أعلنت المبادرة الأفريقية لنساء القرن الأفريقي (شبكة صيحة) عن انتهاكات جسيمة ارتكبتها قوات الدعم السريع في إقليم دارفور غربي البلاد. وقالت إنها في شهر تموز/يوليو الماضي، تلقّت معلومات مقلقة وخطيرة تفيد بأن أفرادًا من قوات الدعم السريع قد قاموا باختطاف نساء وفتيات واحتجازهن كرهائن في مناطق محددة من ولاية شمال دارفور، ومن ثمّ إطلاق سراحهن ليعودوا إلى عائلاتهن مقابل فدية أو ربما بيعهن لاحقًا في الأسواق.
وأضافت في تقرير نشرته أن قوات الدعم السريع ما زالت ترتكب الجرائم ضد النساء والفتيات، بما في ذلك من حملات واسعة النطاق من العنف الجنسيّ ضد النساء والفتيات في الخرطوم، وشمال وجنوب وغرب دارفور.

الاغتصاب كسلاح
وأكدت شبكة صيحة أنها وثقت 47 حالة مؤكدة لجرائم عنف جنسيّ، إضافة إلى عشرات الحالات الأخرى في انتظار التأكيد.
وأوضح التقرير، أن هذه الجرائم هي جزء من استراتيجية واسعة النطاق استخدمتها قوات الدعم السريع لإرهاب وترويع سكان دارفور على مدى السنوات العشرين الماضية واستمرت في استخدامها في الحرب الحالية ضد المدنيين في الخرطوم ومناطق غرب شمال ووسط وجنوب دارفور.
وأدانت اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان الاعتداءات الممنهجة ضد الفتيات والنساء السودانيات، محذرة من أن الحروب لا تخاض على أجساد النساء.
وطالبت بضغط دولي واسع لإيقاف تلك الجرائم التي وصفتها بـ «المتوحشة وغير الإنسانية».
ونوهت إلى أن جريمة الاغتصاب جريمة كبيرة ومعقدة، لا ينتهي تأثيرها على الضحية، وأنه بخلاف الأذى الجسدي يستمر الأذى النفسي لفترات طويلة وقد يستمر مدى الحياة وقد يؤدي إلى الانتحار إن لم تتلق الضحية السند المناسب. يمتد الأذى ليشمل الأسرة التي تعاني كثيراً من جراء ذلك والمجتمع الذي يفقد الأمن والأمان.
واتهمت الدعم السريع باستخدام الاغتصاب كسلاح في حروبها، مشيرة إلى أن ذلك حدث خلال حرب دارفور وفض اعتصام المدنيين أمام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة في 3 حزيران/يونيو 2019. وأضافت: أن تلك القوات عادت واستخدمته خلال الحرب الدائرة في الخرطوم ومناطق أخرى في السودان.
وأشارت إلى أن أصابع الاتهام دائما ما تشير في حالات الاغتصاب إلى قوات الدعم السريع. وفق إفادات ضحايا الاغتصاب – بينهم طفلات- محذرة من أن ما يحدث جريمة في حق النساء والطفلات تهز ضمير الإنسانية. وأنه قد يؤدي إلى عنف مضاد.
وأشارت إلى توثيق تقارير لحالات اغتصاب جماعي لعشرين امرأة وفتاة في حادثة واحدة، واغتصاب لامرأة من عدد كبير من قوات الدعم السريع، مضيفة: «لم تسلم حتى الأجنبيات من الاعتداءات، وغيرها من الجرائم التي يندى لها جبين العالم خجلًا».
وبينت لجنة الأطباء، أن حالات الاغتصاب حالات معقدة تحتاج تدخلا طبيا لعلاج الإصابات، ومنع الأمراض المنقولة جنسيا ومنع الحمل. وأن ذلك يحتاج فحوصات وأدوية ومتابعة، فضلا عن الرعاية النفسية.

«جاء الموت إلى بيتنا»

وقالت مبادرة «لا لقهر النساء» السودانية في خطاب وجهته للأطراف العسكرية: «أجسادنا ليست أرضاً لمعركتكم من أجل السلطة، ما تقوم به قواتكم من اغتصاب وقتل وترهيب وسرقة خلال حربكم التي نشأت مما صنعتموه بأيديكم (قوات الدعم السريع) هو مواصلة لما تم من اغتصاب وحرق وقتل للسودانيين خلال الحروب في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق».
فيما ذكرت منظمة العفو الدولية في تقرير نشرته، حمل عنوان «جاء الموت إلى بيتنا» أن العنف أدى إلى مقتل وإصابة آلاف الأشخاص منذ اندلاع النزاع بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية، بما في ذلك تعرض نساء وفتيات لا تتجاوز أعمارهن 12 عامًا للعنف الجنسي، مشيراً إلى أن المدنيين في جميع أنحاء السودان يعيشون رعبًا لا يمكن تصوره.
ويوثق التقرير بعض الانتهاكات، مثل الهجمات التي تستهدف المدنيين، والهجمات على البنية التحتية الإنسانية، والاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي، والنهب، التي ترقى إلى جرائم حرب. حيث يركز التقرير في المقام الأول على الخرطوم وغرب دارفور.
وقالت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية أنياس كالامار: المدنيون في جميع أنحاء السودان يعيشون رعبًا لا يمكن تصوره كل يوم، بينما تتنافس قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية بتهور للسيطرة على الأراضي.
وأضافت: يُقتل الناس في قلب منازلهم، أو أثناء بحثهم اليائس عن الطعام والماء والدواء. ويقعون في مرمى النيران أثناء فرارهم، وتُطلق النار عليهم عمدًا في هجمات مستهدفة. وتعرضت عشرات النساء والفتيات، بعضهن لا تتجاوز أعمارهن 12 عامًا، للاغتصاب ولأشكال أخرى من العنف الجنسي على أيدي أفراد من الأطراف المتحاربة. لا يوجد مكان آمن.
وأشار التقرير، إلى العنف المتصاعد في إقليم دارفور، حيث تتسبب قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها في موت ودمار لا يوصفان، بشبح حملات الأرض المحروقة في العقود السابقة، والتي تشمل في بعض الأحيان بعض الجهات الفاعلة نفسها.
وشددت المنظمة قائلة: «يجب على قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية، فضلًا عن الجماعات المسلحة التابعة لها، وضع حد لاستهدافها للمدنيين، وضمان المرور الآمن لأولئك الذين يبحثون عن الأمان. ويجب اتخاذ خطوات عاجلة لضمان العدالة والتعويض للضحايا والناجين».
وخلال مخاطبته الدورة الثالثة والخمسين لمجلس حقوق الإنسان 19 حزيران/يونيو الماضي، قال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك: «لقد روعتني مزاعم العنف الجنسي، بما في ذلك الاغتصاب. تلقى مكتبي تقارير موثوقة عن 18 حادثة عنف جنسي تتعلق بالنزاع ضد ما لا يقل عن 53 امرأة وفتاة – من بين الضحايا 10 فتيات على الأقل. في إحدى الحالات، ورد أن 18-20 امرأة اغتصبن في نفس الهجوم. في جميع الحالات تقريبًا، تم تحديد الجاني من قبل قوات الدعم السريع. هناك القليل من فرص الحصول على الدعم الطبي والنفسي، والعديد من الحالات لا يتم الإبلاغ عنها».
وأعرب، كذلك، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في السودان، فولكر بيرتس، عن استيائه من أنباء الإخفاء القسري والعنف الجنسي ضد النساء والفتيات، بما في ذلك الاغتصاب في الخرطوم ودارفور، مضيفا أن الأمم المتحدة تتابع التحقق من هذه الحالات، ودعا الطرفين المتحاربين إلى منع تكرار حالات العنف هذه.

القدس العربي

Exit mobile version